٢٨ رمضان ١٤٣٢ هـ

الإيتيكيت الإلكتروني .. نصائح عند استخدام الأجهزة الإلكترونية


الإيتيكيت الإلكتروني .. نصائح عند استخدام الأجهزة الإلكترونية

أفضل السلوكيات للهواتف الجوالة والكومبيوترات المحمولة والشبكات الاجتماعية

العمر الحديث للتقنيات الإلكترونية لم يتح حتى الآن تطوير قواعد الاستخدام الصحيح لها، ولذا يمكن لأي فرد التعامل معها دون الاكتراث للأطراف المحيطة به أو الأطراف المتلقية. وقد ينجم عن ذلك سوء فهم أو انزعاج كبير، قد يتحول إلى ردة فعل سلبية قد تكون غير مقصودة في الكثير من الأحيان. وإليكم مجموعة من نصائح الإيتيكيت (السلوك المهذب) الإلكتروني أثناء استخدام الهواتف الجوالة، والكومبيوترات المحمولة، والبريد الإلكتروني، والتواصل مع الآخرين عبر الشبكات الاجتماعية. وقد حصلت «الشرق الأوسط» على استطلاع حول استخدامات الوسائط التقنية أعدته شركة «إنتل» المتخصصة في صناعة المعالجات يتناول الظواهر التقنية السلبية ورأي المجتمعات العربية والأوروبية بها.

* استطلاع «إنتل»

* شمل استطلاع «إنتل» أكثر من 16 ألف شخص في 16 دولة عربية وأوروبية، أجمعت أغلب الآراء على انتقاد عدة ظواهر إلكترونية سلبية، مثل استخدام الوسائط التقنية دون مراعاة الخصوصية الاجتماعية. وكشف 44% ممن شملهم الاستطلاع في السعودية عن استخدامهم للهاتف الجوال في غرف النوم، علاوة عن قيام 31% من السعوديين بتفحص هاتفهم المحمول فور الاستيقاظ من النوم، بينما بلغت النسبة 31% في الإمارات و34% في مصر. وبالمقارنة مع دول أوروبية، ينخفض هذا الرقم إلى نحو 10% في فرنسا وألمانيا وبريطانيا، مما يظهر شغفا كبيرا لدى أبناء المنطقة عموما باقتناء التقنيات الحديثة والمتطورة، واعتمادهم عليها في تنفيذ مهمات العمل والتواصل الاجتماعي. وفي ذات السياق كشف الاستطلاع أن 40% من السعوديين يقتنون هاتفين جوالين و7% يقتنون 3 أجهزة فأكثر، بينما بلغت النسب في الإمارات 46% و6% على التوالي، وفي مصر 33% و7% على التوالي، الأمر الذي قد يصفه البعض بالوجاهة الاجتماعية غير المبررة.

وأجمعت غالبية الأشخاص المستطلعة آراؤهم عن امتعاضهم من بعض التأثيرات غير المرغوبة للتقنية الحديثة كونها تعكر صفو التواصل الاجتماعي السليم، مما يتسبب بإحراجات في الكثير من الأحيان بسبب انهماك الشخص بهاتفه الجوال أو كومبيوتره المحمول دون إعارة الاهتمام الكافي لمن حوله، الأمر الذي لا يلقى قبولا عند 44% من المستطلع آراؤهم، حيث أفادوا بانزعاجهم من قيام أصدقائهم بكتابة الرسائل النصية أثناء تواجدهم في المقاهي أو الأماكن العامة. أما الكومبيوتر المحمول، فقد احتل المركز الثاني من حيث تجاوز الخصوصية، حيث عبر 34% من السعوديين عن استغرابهم واستهجانهم لاستخدام الجهاز على مائدة الطعام، الأمر نفسه بالنسبة لـ35% من المصريين و38% من الإماراتيين و31% من الألمانيين، فيما أظهر 19% من المجتمع السعودي انزعاجهم من استخدام أصدقائهم الجهاز أثناء الأمسيات داخل المقاهي أو الأماكن العامة، النسبة التي وصلت إلى 18% بالنسبة للإماراتيين و22% للمصريين و25% للألمانيين. ويرى مدير عام شركة «إنتل» بالمملكة العربية السعودية، السيد عبد العزيز النغيثر، أن التقنيات قد طورت لتحسين حياة البشر وتسهيل أعمالهم اليومية، واستخدامها بالشكل الصحيح يقدم خدمة جليلة للناس، في حين أن الاستخدام السيئ قد يولد تبعات سلبية على السلوكيات الأسرية الطبيعية قد تصل إلى حد إضعاف بنيتها وهويتها. وترى شركة «إنتل» أن الحلول المتوازنة تكمن في إيجاد الوعي السليم والمستمر في تنظيم استخدام التقنية حتى لا تتحول إلى هاجس يسيطر على تفكير البشر، وعلى الجميع أن يعلم بأن الحرص على العمل لا يعني انتقاله إلى كل مكان وزمان، مما قد يؤدي إلى وضع الإنسان تحت ضغط نفسي وعصبي مستمر، وقد يمتد إلى المحيطين به، وربما يؤثر سلبا على الروابط الاجتماعية.

* الهواتف الجوالة

* ومن أولى قواعد الإيتيكيت لاستخدام الهواتف الجوالة في الأماكن العامة عدم التحدث بصوت مرتفع قد يزعج الآخرين أو يشتت تركيزهم. ولا يوجد سبب لقيام الكثير من المستخدمين بذلك، إذ إن وحدة الميكروفون (لاقطة الصوت) في الهاتف الجوال متطورة للغاية لدرجة أنها تستطيع إيصال أدق تفاصيل الحديث إلى الطرف الآخر، ولا يمكن أن يقترب فم المستخدم من الميكروفون أكثر مما هو عليه. ولا ينصح باستخدام السماعة المدمجة Speakerphone في الأماكن العامة، وذلك لعدم إزعاج الآخرين وإقحامهم في المحادثات التي ليس لهم علاقة بها. ومن الأمور المزعجة الأخرى استخدام نغمة رنين حادة أو مزعجة أو غير لائقة، وينصح بخفض صوت رنين الهاتف لدى تواجد المستخدم في الأماكن العامة الهادئة نوعا ما.

ولا ينصح أبدا بإجراء محادثات غير لائقة في الأماكن العامة، مثل ذكر تفاصيل رحلة السفر أو حدوث مشكلة شخصية أو شراء الملابس، أو حتى الجدال مع الطرف الثاني. وإن شعر المستخدم بأن الطرف الآخر من المكالمة بدأ ينفعل وسيدخل المستخدم في نقاش حاد، يفضل تأجيل المكالمة إلى حين وصول المستخدم إلى مكان منعزل، أو البحث عن غرفة خاصة في مكان تواجد المستخدم يستطيع فيها النقاش بحرية.

ولا ينصح بالرد على الهاتف الجوال في حال وجود المستخدم مع صديق أو أحد الأقارب، ذلك أن الشخص الثاني سينزعج إن كان يروي قصة أو يتحدث إلى المستخدم، لتقاطعه نغمة رنين هاتف المستخدم، ويصرف المستخدم نظره عن الشخص الموجود أمامه ويتحدث إلى شخص آخر. وفي حال تواجدك مع شخص من هذا النوع، بإمكانك تنبيهه إلى ذلك بلطف بالابتعاد عنه قليلا والتحدث إليه عبر الهاتف الجوال وسؤاله عن حاله. هذا، ويفضل عدم وضع الهاتف الجوال على الطاولة أثناء الجلوس مع الآخرين، بل من الأفضل تركه في الجيب، احتراما للآخرين.

ومن المحظورات استخدام الهاتف أثناء مشاهدة عرض سينمائي أو مسرحية ما، ذلك أن الحديث سيزعج الآخرين بشكل ملحوظ، حتى لو همس المستخدم. ولا يفضل استخدام الهاتف في هذه الأماكن بعد تحويله إلى وضعية الصامت، ذلك أن النور المنبعث من شاشة الهاتف سيشتت تركيز الحضور. وتتعرف الهواتف الجوالة على رقم المتصل، وليس من اللائق الاتصال بالطرف الآخر عدة مرات في حال عدم قدرته على التحدث، ذلك أنه سيرد على مكالمتك فور استطاعته ذلك، ولكنك ستزعجه بتكرار المحاولة، إلا في حالات الطوارئ، طبعا.

ومن أهم الممنوعات كتابة أو قراءة الرسائل النصية أثناء القيادة، نظرا لخطورة أثر هذه العملية. وتؤكد دراسة أجرتها جامعة «هارفارد» أن الهواتف الجوالة مسؤولة عن وفاة 200 شخص وحدوث أكثر من نصف مليون إصابة في الولايات المتحدة الأميركية في كل عام. وبالحديث عن الرسائل النصية، لا ينصح أبدا بسؤال صديق أو قريب عن حاله من خلال رسالة نصية، إذ يجب على المستخدم تقدير أهمية العلاقة التي تربطه بالطرف الآخر واستثمار بعض الدقائق لسؤاله عن حاله أو معايدته بشكل صوتي مباشر، وليس من خلال رسالة قياسية ترسل إلى الجميع (رغم الراحة التي يجلبها هذا النوع من الرسائل). ويبقى أن نذكر أنه من اللائق سؤال الآخرين المتواجدين بالقرب من المستخدم لدى تصويره منطقة ما بكاميرا هاتفه الجوال.

* البريد الإلكتروني

* ويستخدم الكثيرون البريد ال إلكتروني في حياتهم، وهناك مجموعة من القواعد التي ينصح باتباعها لدى إرسال أي رسالة، وخصوصا الرسائل المتعلقة بالعمل. وينصح باختصار الرسالة قدر الإمكان، ما لم يكن هناك داع لذلك، إذ إن كثرة الكلام قد تضيع الطرف الثاني أو تجعله لا يعلم ما المحور الرئيسي الذي تريده. وينصح أيضا بعدم استخدام المصطلحات المختصرة للدردشة مع الأصدقاء لدى التواصل مع الآخرين للعمل، مع تصحيح الأخطاء الإملائية والقواعدية التي قد تنجم عن كتابة الرسالة بسرعة.

هذا، وينصح بسؤال الطرف الثاني قبل إرسال ملف كبير مرفق في الرسالة إن كان يستطيع استقبال الحجم المتوقع، ذلك أن بعض أنظمة البريد الإلكتروني تضع حدا أعلى لحجم الرسالة المستقبلة، وإرسال ملف أكبر من ذلك سيضيع وقتك ووقت الطرف الثاني في المراسلات حول تأكيد تسلم الملف، بالإضافة إلى خفض سرعة الإنترنت لديك خلال عملية الإرسال. ومن أكثر الأخطاء انتشارا الكتابة بالأحرف الكبيرة باللغة الإنجليزية، إذ إن العرف السائد هو أن الأحرف الكبيرة تعتبر صياحا بوجه الطرف الثاني، وليس تشديدا على الفكرة. وإن كان هدفك هو التشديد، فاجعل الكلمة عريضة Bold أو ضع خطا أسفلها Italic أو استخدم لونا أو حجم أحرف أكبر.

وإن مررت بتجربة بريد إلكتروني سيئة، مثل إرسال رسالة غير مكتملة إلى الأطراف المعنية، فبإمكانك تجاوز تكرارها في المستقبل بتغيير عادة صغيرة، هي عدم كتابة عناوين البريد الإلكتروني لتلك الأطراف إلا بعد الانتهاء من كتابة الرسالة نفسها، إذ إن الكثير من المستخدمين يكتبون العنوان البريدي للطرف المتلقي للرسالة قبل كتابتها، وقد يضغطون على زر الإرسال بالخطأ أو في الوقت غير الصحيح. وإن كنت في حيرة من أمرك حول كيفية ختام رسالة ما، بإمكانك دائما استخدام كلمة «وشكرا» التي توصل الرسالة بطريقة لبقة.

ولا ينصح أبدا بنقاش عدة مواضيع في رسالة واحدة، بل في عدة رسائل وبعناوين مختلفة، ذلك أنك إن أردت البحث عن جواب لنقاش ما في المستقبل، فلن تعثر بسهولة على ذلك لدى قراءة عنوان تلك الرسالة الكبيرة، الأمر نفسه الذي ينطبق بالنسبة للأطراف المستقبلة لرسالتك.

* الشبكات الاجتماعية

* وتعتبر علاقات الشبكات الاجتماعية أمرا شائكا، وخصوصا لمن يريد الفصل بين حياة العمل والحياة الشخصية والعلاقات الأسرية. ولن يريد المستخدم إقحام زملاء العمل أو طلابه في الجامعة إلى دائرة الأهل والأصدقاء، ذلك أن هذه الدائرة تحتوي على الكثير من المعلومات الشخصية التي قد يريد المستخدم مشاركتها مع دائرة العمل. ولا حرج في عدم قبول صداقة هذه المجموعة، أو تكوين عدة حسابات؛ واحد للأهل والأصدقاء، وآخر للعمل، وآخر للصداقة.

وبالنسبة للمظهر، فلا ينصح بجعل صورتك مجرد شعار شركة ما، ولا أن تكون صورة قديمة لك (تصور لقاءك الأول مع شخص لا يعرف شكلك الحالي)، ولا ينصح أبدا باستخدام صورة لطفل عوضا عن صورتك، إذ إن الطرف الثاني لن يكون مرتاحا لدى النظر إلى صورة طفل والتخاطب معك. ومن السهل التقاط صورة جيدة لك، ولا داعي لقص صورتك من صورة جماعية. هذا، ولا ينصح بإضافة أسماء أصدقاء لك Tag إلى صور قد تكون محرجة بالنسبة لهم، إذ إن جو الشبكات الاجتماعية إيجابي بشكل عام، وإلا قد يتركك ذلك الصديق ويفضل الابتعاد عنك. وإن كنت ستطلب صداقة شخص ما، فينصح بكتابة نص قصير عن نفسك إن كان الطرف الثاني لا يعرفك، أو تذكيره به إن كان صديقا لم تلتق به منذ فترة بعيدة.

أما بالنسبة للصداقات، فلست مضطرا أبدا لقبول صداقة أي شخص كان، وفي الوقت نفسه لا مانع من قبول صداقة منافسين في مجال الأعمال أو طلب مصادقتهم. وبالنسبة للحوار، فينصح دائما بذكر الطرف الذي عثر على معلومة أعجبتك أو موقع أثار اهتمامك، كنوع من التقدير له. وليس من الضروري الرد على كل تعليق يصلك، وإلا تحولت ساحة الحوار إلى مكان مكتظ برسائل الشكر، حيث يكفي شكر الجميع برسالة واحدة عوضا عن شكر كل فرد. وإن كنت تروج لفكرة أو منتج ما، فمن المفيد إعادة نشر تلك الرسالة 4 مرات في اليوم، وذلك لإيصالها إلى جميع الأطراف في المناطق الزمنية المختلفة، ولكن لا تكثر من ذلك وإلا تحولت عملية الترويج إلى عملية إغراق مزعجة للآخرين.

الشرق الأوسط ، 23/8/2011

دولة فايسبوك الإعلامية... تجسس وسلبيات تفوق الإيجابيات


دولة فايسبوك الإعلامية... تجسس وسلبيات تفوق الإيجابيات

لو كان الفايسبوك بلداً لأصبح ثالث أكبر دولة في العالم. بهذه الجملة يبدأ الصحافي والكاتب الألماني المعروف ساشا أداميك كتابه الشيق حول موقع التواصل الاجتماعي الشهير الصادر أخيراً في ألمانيا عن «دار هاينه» تحت عنوان «فخ الفايسبوك - كيف تبيع الشبكة الاجتماعية حياتنا». وفي الواقع، فإن عدد «السكان الافتراضيين» لـ «بلد الفايسبوك» يتراوح بين 500 و600 مليون شخص، يتحدثون ويتواصلون مع بعضهم بعضاً بواسطة 70 لغة مختلفة، ويكوّنون جماعات أو خلايا يصل عدد كل منها إلى 130 فرداً. ويومياً يفتح نصف المشاركين في شبكة الاتصال الاجتماعية هذه، أي ما بين 250 و300 مليون شخص، صفحاتهم ويدخلون الشبكة لتقصي أخبار معارفهم وسرد أخبارهم والاطلاع على الجديد في «بلدهم» العالمي الافتراضي. ويقضي أعضاء فايسبوك وقتاً مشتركاً مع قرائنهم يصل في المتوسط إلى 700 بليون دقيقة في الشهر، كما يقومون في هذه الفترة بتحميل حواسيبهم ثلاثة بلايين صورة وعشرة ملايين فيديو للاطلاع عليها.

ويقول الكاتب الألماني الذي اشتهر بتحقيقاته التلفزيونية الدقيقة التي يصورها لمجلات سياسية متلفزة معروفة، مثل «مونيتور» و «كونتراسته»، في الكتاب الثالث الذي يصدره حتى الآن إن مؤسس فايسبوك الشاب مارك زوكربيرغ، الذي أصبح خلال سنوات قليلة أصغر بليونير في العالم، انطلق من فكرة التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع لتبادل علاقات اجتماعية أوثق وشفافة بين الراغبين في ذلك بحرية وانتقائية تامة، بما في ذلك من تبادل للأخبار والمعلومات والتهاني والصور، وكذلك الخبرات والرد على استيضاحات البعض وتساؤلاتهم، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي تؤمنها الشبكة لأعضائها.

والفكرة البسيطة التي طرحها مؤسس الشبكة وتتلخص في جعل العالم أكثر انفتاحاً على بعضه، وأكثر اتصالاً ببعضه بعضاً ليشكّل، ولو افتراضياً، مدينة عالمية متشابكة، لا يمكن أن تشكل في تشخيص أولي محذوراً لأحد، لكنها دخلت بعد فترة زمنية غير طويلة طرقاً ومسالك فرعية أو جانبية أوصلت المشروع بكامله إلى محاذير عدة يمكن أن تفوق في النهاية الإيجابيات. وأول ما حصل بعد فترة وجيزة من انطلاق الشبكة أن قوانين السوق الحرة فرضت نفسها على الوسيلة الاتصالية الجديدة باعتبارها نموذجاً مثالياً للعرض والطلب، أي للربح. ويقدر الكاتب أداميك عائدات الإعلانات والألعاب الالكترونية التي عرضت في الموقع عام 2010 الماضي بـ 1,1 بليون دولار. من هنا فقدت هذه الشبكة «طهارتها» وأصبحت مثل غيرها عرضة للبيع والشراء وميداناً خصباً لمؤسسات البحث عن أهواء ورغبات هذه الكمية الضخمة من المستهلكين وتحديد أعمارها ووضعها المالي بحيث تتمكن شركات الإعلانات وشركات الإنتاج من تقديم عروض خالصة ومعلبة تبعاً لحاجات الفئات المختلفة.

وإذا كان هذا الأمر مشروعاً إلى حد كبير في عالمنا اليوم، فإن الأخطر من ذلك الإمكانية التي أمنتها الشبكة لأطراف كثر، ليس للاستفادة منها فقط، بل ولاستغلال المعلومات الخاصة والحميمة التي ينشرها الكثيرون عن أنفسهم والمقرّبين منهم عن طيبة قلب أو عدم إدراك للمحاذير التي يمكن ان تحملها لهم. فمن جهة يمارس الموقع بعلم من مؤسسه عملية تجارية ربحية طاولت ولا تزال المعلومات الشخصية للمشاركين في الشبكة، على رغم الضمانات التي أعطتها الشبكة لهم بالحفاظ على سرية بعض هذه المعلومات. وفي هذا المجال نقل كاتب الكتاب عن لسان زوكربيرغ قوله عن أعضاء شبكته: «إنهم يثقون بي هؤلاء الحمقى»!

من جهة أخرى، وهنا بيت القصيد، تحوّل الموقع إلى مرتع خصب للأنظمة ولأرباب العمل والأجهزة الأمنية الداخلية والخارجية للتجسس على آراء المواطنين والعاملين لديهم، ومعرفة توجهاتهم السياسية والنقابية بهدف التعامل معهم كما يتوجب عند الحاجة والضرورة. صحيح أن الكاتب لم يلحظ الدور الذي لعبه «فايسبوك» و «تويتر» في ثورتي تونس ومصر، إن من جانب نظاميهما أو من جانب المعارضين المنتفضين عليهما، لأن كتابه كان أصبح تحت الطبع - صدر في شباط (فبراير) الماضي - لكنه لفت إلى دورهما خلال الانتفاضة الخضراء في إيران ضد النظام رداً على تزوير الانتخابات الرئاسية فيها. واستنتج عن حق أن أجهزة النظام الأمنية التي رصدت المواقع والصفحات التي تنشر أخبار الانتفاضة وقمع السلطة أجرت حملة اعتقالات واسعة في حق مطلقيها والمساهمين فيها. ومن هنا اعتبار أداميك هاتين الشبكتين (فايسبوك وتويتر) «فخاً» للنشطاء السياسيين والاجتماعيين.

وعلينا ألا ننسى هنا أيضاً منظمات «اللوبي» المختلفة، والمراكز والمؤسسات التي تتلقى الأموال من الدوائر السياسية والاقتصادية العليا من أجل العمل على خداع الناس وإقناعها من خلال وسائل علمية كاذبة بأفكار ومسائل غير صحيحة.

ولأن الباب مفتوح أمام الجميع في هذه الشبكة، فلا قدرة لأحد أن يمنع أحداً من الدخول إليها. ويسرد الكاتب أداميك مجموعة من الأمثلة حول ذلك ويحلل بصورة نقدية المحاذير أو المخاطر التي تهدد الحياة الخاصة للفرد المشارك في الشبكة ويدعوه إلى أخذ الحيطة والحذر من ذكر أشياء يمكن أن تسبب له لاحقاً متاعب معينة مع حكومته أو حكومات خارجية، أو رب عمله، أو طرف سياسي أو اجتماعي معيّن. وفي الوقت ذاته يعيب الكاتب على مؤسس «فايسبوك» رفضه نشر وثائق «ويكيليس» على شبكته، على رغم ادعائه أنه يرغب في عالم أكثر انفتاحاً وشفافية. وهو قرّر منع النشر بحجة أن هذا العمل «نشاط غير مشروع»، ولجأ إلى إقفال صفحة في الشبكة لنحو 30 ألف مناصر لها نشرت عدداً من وثائق «ويكيليكس».

ويقول أداميك في كتابه إنه لا يريد أن يعطي انطباعاً بأن كل شيء عاطل وأسود في فايسبوك، وأنه يعرف أن عشرات الملايين لم تعد قادرة على التخلي عنه، وتجد فيه متعة كبيرة من خلال ما يؤمنه من سهولة خارقة في الاتصال البشري المباشر الذي يتخذ طابعاً «خاصا» و «حميماً» من دون وجود رقابة مباشرة. لكنه يضيف أنه أراد من كتابه فتح العيون على أن المرء لم يعد وحده مع معارفه في «فايسبوك» منذ زمن طويل، بل هناك من هو قادر على رؤيته وسماعه ومعرفة أسراره في أية لحظة يشاء. وبقدر ما يفصح المرء عما في نفسه بقدر ما يعرض نفسه إلى احتمالات عدة تتدرج في محاذيرها من الأدنى إلى الأعلى. ويعلن بصراحة أنه غير مقتنع شخصياً بشبكة «فايسبوك»، ولم يصبح عضواً فيها إلا عندما قرر وضع كتاب عنها لتبيان الجانب السلبي فيها، ما ألزمه كباحث اعتماد صفحة خاصة به فيها لمتابعتها بصورة أفضل من الداخل أيضاً. وينهي أداميك مقدمة كتابه بالقول: "كونوا على ثقة: لسنا (في الفايسبوك) وحدنا".

الحياة ، 28/8/2011