عشر سنوات فقط لمكننة كتب العالم
بحلول عام 2012، كانت «غوغل» قد نشرت
إلكترونيا أكثر من عشرين مليون كتاب. ويعتقد أن في العالم نحو 130 مليون كتاب، ما
نشر منها إلكترونيا، لغاية الآن، أقل من نسبة عشرين في المائة. لكن، بتطور
تكنولوجيا التصوير والنشر، يتوقع أن تستغرق مكننة بقية الكتب ما بين عشر وعشرين
سنة فقط. وهذا يعني أن عالمنا سيتغير بشكل كامل ونهائي. ماذا تفعل بنا
التكنولوجيا؟ هنا تحقيق..
الأسبوع الماضي، أعلن قاض فيدرالي في
نيويورك أنه سيحاكم خمس شركات نشر كبرى بتهمة النشاط الاحتكاري. كانت وزارة العدل
الأميركية رفعت قضية ضد الشركات لأنها اتفقت سرا على زيادة أسعار الكتب
الإلكترونية. والحديث هو عن أكبر شركات النشر الورقي في الولايات المتحدة، وربما
في كل العالم، وهي: «ماكميلان» و«بنغوين» و«سايمون آند شوستر» و«هاربر كولنز»
و«هاتشيت». وصار واضحا أن هذه الشركات، بالإضافة إلى المنافسة في أسواق النشر
الورقي، صارت تتنافس في نشر الكتب الإلكترونية، بل بدأت تخطط سرا لاحتكار هذه
السوق الجديدة الواعدة.
من جانب آخر، أعلنت شركة «أمازون»
لنشر وتوزيع الكتب الورقية والإلكترونية عن سعادتها بالمحاكمات. شركة «أمازون»
بدأت، قبل عشرين سنة، ظاهرة بيع الكتب الورقية على الإنترنت. ومؤخرا، تحولت إلى
نشر وبيع الكتب الإلكترونية، وصارت الشركة الأولى في أميركا، وفي العالم، في هذا
المجال.
ويلاحظ الذي يزور الموقع في الإنترنت
أن نسبة الكتب الإلكترونية إلى الكتب الورقية تزيد تدريجيا.
يسمى «إلكترونيك ببليشنغ» (نشر
إلكتروني)، أو «ديجيتال ببليشنغ» (نشر رقمي). وهناك «آي بوك» (كتاب إلكتروني)،
و«ديجيتال ليبراري» (مكتبة رقمية).
كتب من دون ورق، ومكتبات من دون مبان،
ودور نشر من دون مطبعة، ومن دون حبر، ومن دون دبابيس، ومن دون صمغ.
توجد أربع وسائل، لنشر هذه الكتب:
الإنترنت، و«سي دي» (أقراص مدمجة)، و«دي في دي» (أقراص مدمجة مصورة)، و«آي بوك»
(كتب إلكترونية).
وتوجد ثلاثة أنواع كتب، حسب الشركة
التي تنشرها: «كيندل» هو اسم كتب شركة «أمازون»، و«آي بوك» هو اسم كتب شركة «أبل»،
و«أندرويد» هو اسم كتب شركة «مايكروسوفت».
وقالت إحصائيات إنه بعد ثلاث سنوات
فقط سيتوافر الآتي إلكترونيا في الولايات المتحدة:
أولا: ربع الكتب.
ثانيا: نصف الصحف والمجلات والدوريات.
ثالثا: أكثر من نصف كل المواد
المقروءة.
وقللت المطبوعات الإلكترونية فترة
الانتظار (من تقديم المادة وحتى نشرها) بالمقارنة مع نشر المطبوعات الورقية، خاصة
بالنسبة للدوريات العلمية التي تستغرق فترة الانتظار أحيانا سنتين، خاصة بالنسبة
للأبحاث في مجالات متطورة، مثل الطب، حيث تصبح المعلومات قديمة سريعا. وطبعا،
أيضا، في مجال التطور الإلكتروني نفسه.
ورغم أن قاموس «أكسفورد» يعرف
المطبوعة الإلكترونية بأنها «نسخة إلكترونية من مطبوعة ورقية»، ثمة منشورات
إلكترونية ليس لها من رديف ورقي.
قبل ستين سنة، نشر أول كتاب إلكتروني.
وهو من مؤلفات توماس اكويناس (كبير قساوسة إيطالي، عاش في القرن الثالث عشر، ووضع
أسس التفسير المسيحي للحياة وللقانون الطبيعي). لكن، كان الكتاب تصنيف كلمات
إلكترونيا، بترتيب وتنسيق، أكثر منه كتابا إلكترونيا عاديا.
وقبل أربعين سنة، نشر أول كتاب
إلكتروني بفهرسة، ومحتويات، وفصول. وقبل ثلاثين سنة، نشر أول كتاب إلكتروني
برسومات وخرائط وجداول.
وقبل خمس وعشرين سنة، كان أندرياس
فاندام أول من استعمل وصف «إلكترونيك بوك» (كتاب إلكتروني). وهو أميركي من أصل
هولندي، من رواد النشر الإلكتروني، ونائب رئيس جامعة براون (ولاية رود أيلاند)،
ومن الكتب التي كتبها «رسومات الكمبيوتر: نظريات وتطبيقات».
في الحقيقة، لسنوات، كانت جامعة براون
مركز تطوير وتطبيق النشر الإلكتروني. وساعدت خبراء الجامعة في هذا المجال قروض من
وزارة الدفاع التي كانت تريد تطوير نشر خططها الاستراتيجية، وبحوثها، ووثائقها.
ونافست جامعة براون جامعة إلينوي، حيث
اشتهر الخبير الإلكتروني مايكل هارت، الذي كتب، لأول مرة، في سنة 1971 وثيقة
الاستقلال الأميركي كتابة إلكترونية. طبعا، ليست الوثيقة كتابا، لكنها كانت أول
خطوة.
في ما بعد، تأسس «مشروع غوتنبرغ». اسم
يحيل إلى جوهانز غوتنبرغ، الألماني الذي اخترع الطباعة في القرن الخامس عشر (قبل
سنوات قليلة من اكتشاف كريستوفر كولومبس للعالم الجديد).
مؤخرا، نشر جون مان كتاب «ثورة
غوتنبرغ: الاختراع الذي غير العالم» (نشره ورقيا، وفي ما بعد إلكترونيا). وكتب في
المقدمة الإلكترونية «خلال المائة سنة الأولى بعد مطبعة غوتنبيرغ، بدأ عصر النهضة،
وبدأ عصر الإصلاح الديني، وبدأ عصر التنوير، وبدأت الثورة الصناعية. تصوروا، ماذا
سيحدث خلال المائة سنة القادمة، ونحن الآن بدأنا المطبعة الإلكترونية؟».
وأضاف «للذي يريد أن يتصور أكثر،
ليتخيل الستمائة سنة التي مضت منذ اختراع المطبعة. وليحاول أن يتصور، ماذا سيحدث
بعد ستمائة سنة».
مقارنة بين مخترع ومخترع، تم نشر
تفاصيل اختراع غوتنبرغ. لم يكن غوتنبرغ أستاذا في جامعة براون، ولا في جامعة
إلينوي، ولا في أي جامعة أخرى. بل لم يدرس أي دراسة منتظمة. كان حدادا، ثم صار
صائغ ذهب، ومن بعدها طابع أقمشة، ثم عمل في مصنع بدائي يسك عملات من النحاس.
وهكذا، ساعدته هذه الخبرات على اختراع
المطبعة، مع بعض الدوافع الدينية. كان غوتنبرغ يصقل معادن لتعكس ما كان الناس
يعتقدون بأنه نور الله، عندما تنعكس أشعة الشمس داخل كنيسة. وفي ما بعد قال «فكرة
المطبعة كانت مثل نور مقدس».
وعندما وصل غوتنبرغ مرحلة الإنتاج،
استدان عشرة آلاف غلدر (عملة ألمانية وهولندية، تساوى عشرة آلاف دولار تقريبا
بمقياس اليوم). ويمكننا مقارنة هذا المبلغ بعقد كانت وقعته جامعة براون مع وزارة
الدفاع الأميركية لتطوير الكتاب الإلكتروني: مائة مليون دولار.
في سنة 1455، كان أول عمل رئيسي طبعه
غوتنبرغ هو الإنجيل. واستغرقت الطباعة سنتين، وطبع مائتي نسخة منه خلال السنوات
العشرين التالية (توجد نسخة في مكتبة نيويورك، اشتراها ثري أميركي قبل مائة وخمسين
سنة. وفي المكتبة نفسها، يوجد قسم جديد للكتب الإلكترونية).
أول مكتبة إلكترونية بدأت سنة 1971
كانت تحت اسم «مشروع غوتنبرغ» في جامعة إلينوي بقيادة مايكل هارت. وكان الهدف هو
نشر كتب إلكترونية لتقرأ مجانا. في السنة الماضية، كان المشروع قد نشر ما جملته
أربعين ألف كتاب إلكتروني.
ورغم أن هارت لم يكن متدينا مثل
غوتنبرغ (أو لم يكن عصره متدينا مثل عصر غوتنبرغ)، فإنه طور جزءا من التكنولوجيا
في كلية إلينوي الدينية (بالقرب من شيكاغو). ومرة أخرى، كان الإنجيل من أوائل
الكتب الإلكترونية التي طورها. لكنه لم يسمه باسمه مثل اسم «إنجيل غوتنبرغ» قبله
بستمائة سنة. قبل تسع سنوات، نشر «مشروع غوتنبرغ» أول كتاب في «سي دي» (قرص مدمج)،
وبعد سنتين، أول كتاب في «دي في دي» (قرص مدمج مصور). وكتب مايكل هارت «هدفنا بعيد
المدى هو أن يكون كل كتاب ورقي متوفرا إلكترونيا، بمختلف الوسائل، وبمختلف اللغات،
وفي مختلف الدول». ورفع شعار «تحطيم حاجز الجهل والأمية».
واجهت «مشروع غوتنبرغ» مشكلة حقوق
النشر، خاصة في الولايات المتحدة حيث تتشدد دور النشر (الورقية) في المحافظة على
حقوق النشر. غير أن هارت قال، منذ البداية، إنه لا يريد أن يدخل في منافسات مع دور
النشر الورقية. وحرص على الحصول على موافقة كل دار نشر يحول كتابها إلى إلكتروني.
وتواجه هذه المشكلة شركات النشر
الإلكترونية الرئيسية الأخرى، مثل «أمازون» و«أبل» و«مايكروسوفت». رغم أن هذه
الشركات نشرت، خلال سنوات قليلة، أضعاف ما نشر «مشروع غوتنبرغ». وفي الوقت الحاضر،
أمام المحاكم الأميركية قضايا كثيرة عن سرقة حقوق النشر (وصل بعضها إلى المحكمة
العليا التي تفسر الدستور).
وهناك «كتب غوغل» التي تنشر الكتب
الإلكترونية بتصوير الكتب الورقية بمعدل ألف صفحة كل ساعة. ومع بداية هذه السنة،
كانت «كتب غوغل» صورت ونشرت أكثر من عشرين مليون كتاب. ويعتقد أن في العالم ما
جملته أكثر من مائة وثلاثين مليون كتاب رئيسي. يعني هذا أن ما نشر إلكترونيا أقل
من نسبة عشرين في المائة. لكن، بتطور تكنولوجيا التصوير والنشر، يتوقع أن تستغرق
مكننة بقية الكتب ما بين عشر وعشرين سنة.
وكحل لمشكلة حقوق النشر، تنسق «غوغل»
مع مطابع جامعية رئيسية، مثل مطبعة جامعة أكسفورد، ومطبعة جامعة هارفارد، وجامعة
كاليفورنيا (مكتبة الأخيرة فيها 35 مليون كتاب). وأيضا، مكتبة نيويورك (فيها 60
مليون كتاب تقريبا)، ومكتبة الكونغرس، أكبر مكتبة في العالم (فيها أكثر من 150
مليون كتاب وملف ودورية).
مثل مطبعة «غوتنبرغ» التي ساعدت على
نشر اللغة الألمانية، ساعد النشر الإلكتروني في الولايات المتحدة على نشر اللغة
الإنجليزية، خاصة ملايين الكتب التي صورها ونشرها «مشروع غوغل». لكن، يواجه
المشروع الأخير انتقادات من دول لا تتكلم الإنجليزية كلغة رئيسية. ومن المفارقات
أن الألمان يشتكون الآن من هذا التركيز على اللغة الإنجليزية.
وظهرت مشكلة جديدة، وهي تصنيف الكتب
الإلكترونية في الإنترنت. وباتفاق شركات كبرى مثل «أبل» و«غوغل»، وشركات غير
أميركية، تأسس «إنترنت أرشيف» (وثائق الإنترنت). يصنف هذا المشروع ألف كتاب كل
يوم. وقبل سنة، بلغت جملة هذه الكتب التي وضعت في الإنترنت أكثر من عشرة ملايين
كتاب. هذا غير ملايين الخرائط، والرسومات، والفيديوهات، والأسطوانات، والتحف.
وبالنسبة لهذه، تضاف عشرة آلاف وثيقة كل شهر.
منذ أكثر من عشر سنوات، بدأت مكتبات
عامة في الولايات المتحدة في توفير كتب إلكترونية مجانية للجمهور، وذلك من خلال
مواقع هذه المكتبات على الإنترنت، لأن أغلبية هذه الكتب الإلكترونية علمية، أو
تكنولوجية، أو مهنية، ليس سهلا تنزيلها (وأيضا، بسبب الخوف من التعدي على حقوق
الشركات التي نشرت هذه الكتب). ومؤخرا، بدأت مكتبات عامة في تقديم «خدمات شعبية»، وذلك
بتوفير روايات وكتب، يمكن تنزيلها مجانا. وقالت إحصائية مؤخرا إن سبعين في المائة
تقريبا من المكتبات العامة في الولايات المتحدة تقدم كتبا إلكترونية مجانية
لزوارها (سواء في مبانيها، أو عبر مواقعها على الإنترنت).
الشرق الاوسط ، 10/6/2012