حواجز على طريق المعلومات السريع
بقلم: ديفيد دراموند
النائب الأول لرئيس جوجل وكبير مستشاريها القانونيين
يجتمع هذا الأسبوع المئات من الناشطين على الإنترنت والمدونين والمسئولين من القطاعين العام والخاص فى بودابست لمناقشة آفاق حرية التعبير على الإنترنت والمخاطر التى تتعرض لها. وخلال المؤتمر الذى تنظمه جوجل وجامعة وسط أوروبا حول الأوضاع على تلك الساحة المهمة التى يتزايد الجدل بشأنها، سيلتقى المشاركون من أرمينيا إلى كازاخستان إلى زيمبابوى لتبادل الآراء والأفكار فى هذا الشأن.
ومن المنتظر أن تدور معظم الحوارات حول قضايا حقوق الإنسان، والإبداع التكنولوجى وكيفية حماية الأمن القومى وفى نفس الوقت زيادة إمكانية الحصول على المعلومات عبر الإنترنت فى أعقاب تسريبات موقع ويكيليكس عن أفغانستان. كما ستناقش مسألة أخرى أساسية تتعلق بالتجارة والنمو الاقتصادى فى العالم.
بتعبير بسيط، تتراكم الأدلة بسرعة على أن الحكومات التى تعوق تدفق المعلومات إلى بلادها ومنها وداخلها إنما تخرب آفاق نموها الاقتصادى. وهذه العقبات لا تعوق حرية التعبير وحدها بل كذلك النمو الاقتصادى، وتقضى فى النهاية على فرص البلاد لتحقيق نوع من الاستقرار الذى لا يتحقق النمو الاقتصادى بدونه.
والنبأ السار هو توافر الفرص أمام الحكومات ذات العقلية المسايرة للتطور، المدعومة من المواطنين والشركات، لوضع وتنفيذ مجموعة من قواعد التجارة فى القرن الحادى والعشرين، التى يمكن أن تساعد الناس فى أنحاء العالم على اغتنام الفرص، التى يتيحها عصر التكنولوجيا الجديد.
ويمكن لوضع إطار يراعى الأثر الكبير لاقتصاد الإنترنت أن يساعد رجال الأعمال فى إرساء أسس جديدة للأعمال، توفر فرص عمل جديدة وتسهم فى زيادة صادرات البلاد.
وهذا الأمر أوضح ما يكون فى الفضاء الإلكترونى دائم التغير والغامض، حيث المعلومات هى عملة الإنترنت. وقد غيرت شبكة الإنترنت التجارة التقليدية، وخلقت تشكيلة جديدة من الفرص الاقتصادية المذهلة، ووسعت من نطاق التجارة العالمية.
أدى الانتشار المذهل الذى شهدته شبكة الإنترنت انتشار أسرع من أى تقنية سابقة إلى قيام أسواق جديدة سريعة التوسع. واليوم، هناك أكثر من خمسة مليارات شخص يملكون هواتف محمولة، ومليارين يستخدمون الإنترنت. وهاتان أداتان تتمتعان بقوة غير مسبوقة، تساعد الفلاحين فى كينيا فى الحصول على أفضل سعر لمحاصيلهم، والتجار فى هونج كونج على استثمار مبالغ ضخمة فى وقت قصير. وليس مستغربا أن يشهد الطلب على المعلومات المتبادلة عبر الحدود القومية هذا النمو الضخم.
بينما يرحب الكثير من الحكومات بهذا الاتجاه، يرفض البعض منها الانفتاح الجديد ويبذل كل جهد لضمان أن يظل الإنترنت فضاء محظورا.
واليوم، هناك نحو 40 حكومة حول العالم تعوق تدفق المعلومات عبر الشبكة عشرة أضعاف العدد قبل عقد مضى. وتتضمن الطرق الشائعة إدماج أدوات مراقبة فى البنية التحتية للإنترنت، وإغلاق الخدمات الإلكترونية، وفرض قواعد جديدة سرية، واشتراط نظم مرهقة للترخيص.
والحقيقة أن إغلاق الحكومات للإنترنت بطريقة مباشرة يعادل منع موظف الجمارك بضائع معينة من دخول البلاد. وعلى سبيل المثال، لا يمكن لمشروع صغير يضع إعلاناته على بنج أو جوجل أو ياهو أن يصل إلى أسواق معينة فى حال أُغلقت الإنترنت أو جرى إبطاء سرعة الشبكة. ويحال بين مشروعات فائقة النجاح مثل آى تيونز وإ باى وبين الوصول إلى مستهلكين جدد. ولا يمكن أن تمارس المؤسسات المالية متعددة الجنسيات بدون اتخاذ الخطوات التى تضمن لها الوصول إلى بيانات عملائها، وفى الوقت نفسه ضمان حماية هذه البيانات بصورة أفضل من ذى قبل.
وحتى تُصدِّر الشركة أو تستثمر فى سوق جديدة بنجاح، يجب أن تكون قادرة على فهم قواعد الطريق، ولديها قدر من الثقة فى أن الحكومة لن تتدخل بطريقة عشوائية فى عملها.لكن عندما تفرض الحكومات قواعد عشوائية وتفتقد إلى الشفافية على الخدمات الإلكترونية أو تستخدم نظم المعلومات لصالح لاعبيها الوطنيين فهى تجعل من الصعب على الشركات وضع خططها التجارية وتنفيذها. بل إن كثيرا من الحكومات تمتنع عن مجرد إعلان قواعدها الأساسية لحظر المحتوى.
وغالبا ما تكون الحكومات قادرة على تعقب ما ترتكبه شركات الإنترنت والمعلومات من مخالفات، لأنها تشترط تخزين البيانات داخل البلاد، وهو ما تلزم به الاستثمارات المحلية. ومتطلبات كهذه تقلل من الكفاءة الاقتصادية للإنترنت، التى تمكن الشركات فى أى بلد آخر من الوصول بسهولة إلى المستخدمين والمستهلكين فى أنحاء العالم. وأصبح من الصعب على الشركات التنافس فى الأسواق الأجنبية، حيث تفضل الحكومة الشركات المحلية. وفى الصين وغيرها من البلاد، تضطر الشركات العاملة فى مجال تكنولوجيا المعلومات وغيره من القطاعات إلى اللعب على ملعب غير مستوٍ.
ونظرا للمخاطر التى ينطوى عليها هذا، ينبغى على متخذى القرار وضع وتنفيذ أجندة توائم بين سياسة الإنترنت ومبادئ التجارة الدولية. وعلى الحكومات ألا تتعامل مع الأمرين باعتبارهما شيئين منفصلين، بل عليها الاعتراف بأن الإسراف فى فرض الرقابة على الإنترنت يشكل عوائق تجارية ظالمة.
كما أن على الحكومات استخدام القواعد التجارية القائمة لمواجهة إجراءات الرقابة، التى تفتقد كثيرا إلى الشفافية، أو التى تطبق بطريقة غير مقبولة أو المنحازة للاعبين المحليين. وأخيرا، على الحكومات التفاوض من أجل التوصل إلى قواعد تجارية جديدة الشراكة العابرة للمحيط الهادى تحديدا تعكس الدور المتنامى للتجارة عبر الإنترنت فى الاقتصاد العالمى.
ولا تمثل هذه المسائل تحديا ضخما وحسب، بل تعد أيضا فرصة أمام الحكومات للمواءمة بين سياستها التجارية واقتصاد القرن الحادى والعشرين وتعزيز الفوائد التجارية الكبيرة التى يحققها الإنترنت المفتوح.
إن قوة الإنترنت وقدرتها على تحقيق الفوائد لنظام التجارة العالمى تعتمد على التدفق الحر للمعلومات عبر الشبكة العالمية ككل. وعندما تُحتجز البيانات أو يُعترض سبيلها، فإن الضرر يلحق بكل من الشركات والمستهلكين الذين يعتمدون على الإنترنت كوسيلة للتجارة.
صحيفة (الشروق الجديد)، 28/9/2010
بقلم: ديفيد دراموند
النائب الأول لرئيس جوجل وكبير مستشاريها القانونيين
يجتمع هذا الأسبوع المئات من الناشطين على الإنترنت والمدونين والمسئولين من القطاعين العام والخاص فى بودابست لمناقشة آفاق حرية التعبير على الإنترنت والمخاطر التى تتعرض لها. وخلال المؤتمر الذى تنظمه جوجل وجامعة وسط أوروبا حول الأوضاع على تلك الساحة المهمة التى يتزايد الجدل بشأنها، سيلتقى المشاركون من أرمينيا إلى كازاخستان إلى زيمبابوى لتبادل الآراء والأفكار فى هذا الشأن.
ومن المنتظر أن تدور معظم الحوارات حول قضايا حقوق الإنسان، والإبداع التكنولوجى وكيفية حماية الأمن القومى وفى نفس الوقت زيادة إمكانية الحصول على المعلومات عبر الإنترنت فى أعقاب تسريبات موقع ويكيليكس عن أفغانستان. كما ستناقش مسألة أخرى أساسية تتعلق بالتجارة والنمو الاقتصادى فى العالم.
بتعبير بسيط، تتراكم الأدلة بسرعة على أن الحكومات التى تعوق تدفق المعلومات إلى بلادها ومنها وداخلها إنما تخرب آفاق نموها الاقتصادى. وهذه العقبات لا تعوق حرية التعبير وحدها بل كذلك النمو الاقتصادى، وتقضى فى النهاية على فرص البلاد لتحقيق نوع من الاستقرار الذى لا يتحقق النمو الاقتصادى بدونه.
والنبأ السار هو توافر الفرص أمام الحكومات ذات العقلية المسايرة للتطور، المدعومة من المواطنين والشركات، لوضع وتنفيذ مجموعة من قواعد التجارة فى القرن الحادى والعشرين، التى يمكن أن تساعد الناس فى أنحاء العالم على اغتنام الفرص، التى يتيحها عصر التكنولوجيا الجديد.
ويمكن لوضع إطار يراعى الأثر الكبير لاقتصاد الإنترنت أن يساعد رجال الأعمال فى إرساء أسس جديدة للأعمال، توفر فرص عمل جديدة وتسهم فى زيادة صادرات البلاد.
وهذا الأمر أوضح ما يكون فى الفضاء الإلكترونى دائم التغير والغامض، حيث المعلومات هى عملة الإنترنت. وقد غيرت شبكة الإنترنت التجارة التقليدية، وخلقت تشكيلة جديدة من الفرص الاقتصادية المذهلة، ووسعت من نطاق التجارة العالمية.
أدى الانتشار المذهل الذى شهدته شبكة الإنترنت انتشار أسرع من أى تقنية سابقة إلى قيام أسواق جديدة سريعة التوسع. واليوم، هناك أكثر من خمسة مليارات شخص يملكون هواتف محمولة، ومليارين يستخدمون الإنترنت. وهاتان أداتان تتمتعان بقوة غير مسبوقة، تساعد الفلاحين فى كينيا فى الحصول على أفضل سعر لمحاصيلهم، والتجار فى هونج كونج على استثمار مبالغ ضخمة فى وقت قصير. وليس مستغربا أن يشهد الطلب على المعلومات المتبادلة عبر الحدود القومية هذا النمو الضخم.
بينما يرحب الكثير من الحكومات بهذا الاتجاه، يرفض البعض منها الانفتاح الجديد ويبذل كل جهد لضمان أن يظل الإنترنت فضاء محظورا.
واليوم، هناك نحو 40 حكومة حول العالم تعوق تدفق المعلومات عبر الشبكة عشرة أضعاف العدد قبل عقد مضى. وتتضمن الطرق الشائعة إدماج أدوات مراقبة فى البنية التحتية للإنترنت، وإغلاق الخدمات الإلكترونية، وفرض قواعد جديدة سرية، واشتراط نظم مرهقة للترخيص.
والحقيقة أن إغلاق الحكومات للإنترنت بطريقة مباشرة يعادل منع موظف الجمارك بضائع معينة من دخول البلاد. وعلى سبيل المثال، لا يمكن لمشروع صغير يضع إعلاناته على بنج أو جوجل أو ياهو أن يصل إلى أسواق معينة فى حال أُغلقت الإنترنت أو جرى إبطاء سرعة الشبكة. ويحال بين مشروعات فائقة النجاح مثل آى تيونز وإ باى وبين الوصول إلى مستهلكين جدد. ولا يمكن أن تمارس المؤسسات المالية متعددة الجنسيات بدون اتخاذ الخطوات التى تضمن لها الوصول إلى بيانات عملائها، وفى الوقت نفسه ضمان حماية هذه البيانات بصورة أفضل من ذى قبل.
وحتى تُصدِّر الشركة أو تستثمر فى سوق جديدة بنجاح، يجب أن تكون قادرة على فهم قواعد الطريق، ولديها قدر من الثقة فى أن الحكومة لن تتدخل بطريقة عشوائية فى عملها.لكن عندما تفرض الحكومات قواعد عشوائية وتفتقد إلى الشفافية على الخدمات الإلكترونية أو تستخدم نظم المعلومات لصالح لاعبيها الوطنيين فهى تجعل من الصعب على الشركات وضع خططها التجارية وتنفيذها. بل إن كثيرا من الحكومات تمتنع عن مجرد إعلان قواعدها الأساسية لحظر المحتوى.
وغالبا ما تكون الحكومات قادرة على تعقب ما ترتكبه شركات الإنترنت والمعلومات من مخالفات، لأنها تشترط تخزين البيانات داخل البلاد، وهو ما تلزم به الاستثمارات المحلية. ومتطلبات كهذه تقلل من الكفاءة الاقتصادية للإنترنت، التى تمكن الشركات فى أى بلد آخر من الوصول بسهولة إلى المستخدمين والمستهلكين فى أنحاء العالم. وأصبح من الصعب على الشركات التنافس فى الأسواق الأجنبية، حيث تفضل الحكومة الشركات المحلية. وفى الصين وغيرها من البلاد، تضطر الشركات العاملة فى مجال تكنولوجيا المعلومات وغيره من القطاعات إلى اللعب على ملعب غير مستوٍ.
ونظرا للمخاطر التى ينطوى عليها هذا، ينبغى على متخذى القرار وضع وتنفيذ أجندة توائم بين سياسة الإنترنت ومبادئ التجارة الدولية. وعلى الحكومات ألا تتعامل مع الأمرين باعتبارهما شيئين منفصلين، بل عليها الاعتراف بأن الإسراف فى فرض الرقابة على الإنترنت يشكل عوائق تجارية ظالمة.
كما أن على الحكومات استخدام القواعد التجارية القائمة لمواجهة إجراءات الرقابة، التى تفتقد كثيرا إلى الشفافية، أو التى تطبق بطريقة غير مقبولة أو المنحازة للاعبين المحليين. وأخيرا، على الحكومات التفاوض من أجل التوصل إلى قواعد تجارية جديدة الشراكة العابرة للمحيط الهادى تحديدا تعكس الدور المتنامى للتجارة عبر الإنترنت فى الاقتصاد العالمى.
ولا تمثل هذه المسائل تحديا ضخما وحسب، بل تعد أيضا فرصة أمام الحكومات للمواءمة بين سياستها التجارية واقتصاد القرن الحادى والعشرين وتعزيز الفوائد التجارية الكبيرة التى يحققها الإنترنت المفتوح.
إن قوة الإنترنت وقدرتها على تحقيق الفوائد لنظام التجارة العالمى تعتمد على التدفق الحر للمعلومات عبر الشبكة العالمية ككل. وعندما تُحتجز البيانات أو يُعترض سبيلها، فإن الضرر يلحق بكل من الشركات والمستهلكين الذين يعتمدون على الإنترنت كوسيلة للتجارة.
صحيفة (الشروق الجديد)، 28/9/2010