‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات الأستاذ الدكتور حشمت قاسم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات الأستاذ الدكتور حشمت قاسم. إظهار كافة الرسائل

٢٣ مارس ٢٠١٠

نرجو أن نظل علي العهد ما حيينا

نرجو أن نظل علي العهد ما حيينا
الأستاذ الدكتور / حشمت قاسم


قدر الله وما شاء فعل ؛ فقد واجه كتابنا الدوري هذا ، خلال العام المنصرم ظروفاً صعبة ، أدت إلي تأخر صدور عددين من العام 2008 ، وعدد من العام 2009 . وقد زالت بحمد الله تعالي هذه الظروف ، واجتاز هذا الكتاب محنته ، ونرجو أن يكون قد خرج منها أشد قوة وأمضي عزماً . وها هو ذا يعاود الصدور دون انقطاع ، أو دمج ، أو تضحية بأي من السمات والخصائص التي عهدها القراء والباحثون واختصاصيو المعلومات ، في قناة التواصل العلمي هذه ، التي شقت طريقها ، وسلكت سبيلها ، واستقرت سياستها ، وتأكدت مكانتها في الأوساط العلمية والمهنية . وبهذا العدد يتم هذا الكتاب الدوري عامه الرابع عشر ، ويتأهب لاستقبال العام الخامس عشر ، مسلحاً بمقومات الارتباط بالعنكبوتية العالمية.
ففضلا عن الطبعة الورقية التي ألفناها في ثلاثة أعداد سنوية طوال الأعوام الماضية يصدر هذا الكتاب الدوري ، بمشئية الله تعالي ، بدءاً من يناير 2010 ، في طبعه إلكترونية موازية ، في إطار مبادرات التعامل المجاني ، أو التدفق الحر للمعلومات Open Access ، في لفتة كريمة من الناشر ، جديرة بالتقدير والثناء . وإن دل هذا الموقف علي شيء فإنما يدل علي الأصالة ، والإيمان بنبل الرسالة ، فهذا الناشر يمثل الجيل الثالث من آل غريب في مجاله .
ونعد القراء والباحثين والمؤلفين واختصاصي المعلومات ، وجميع المهتمين بقضايا المعلومات ، إنتاجاً ، ونشراً ، وتجميعاً ، وتنظيماً ، واختزاناً ، واسترجاعاً ، واستثماراً ، بمواصلة المسيرة كما بدأناها ، محافظين علي القيم العلمية والمهنية التي حظيت بتقدير جميع المتعاملين مع هذا الكتاب ، عاقدين العزم علي بذل المزيد من الجهد لكي يظل محافظاً علي مكانته ، قادراً علي تحقيق الطموحات العلمية والمهنية الكفيلة بمواكبة التطورات الجارية في مجال النشر.
وكما هو الحال في نظام الطبعتين المتوازيتين ، سوف يتم بمشيئة الله تعالي نشر المقالات إلكترونياً ، علي الخط المباشر ، قبل أن تتاح في شكلها الورقي .
ويتطلب تطبيق هذا النظام علي النحو المناسب ، قدراً من التعاون من المؤلفين ، واختصاصي المعلومات والقراء ، والأوساط العلمية والمهنية بوجه عام. ونرجو الباحثين الراغبين في نشر أعمالهم في هذا المنفذ مراعاة ما يلي في تهيئة أصول مقالاتهم ، لتيسير مهمة المحررين والمحكمين .
1. الالتزام بالقواعد المنهجية في معالجة موضوعاتهم .
2. ترسل المقالات وغيرها من المواد للنشر في شكلين ؛ إلكتروني علي عنوان البريد الإلكتروني للكتاب الدوري ، وورقي علي العنوان البريدي للناشر.
3. فضلاً عن العنوان ، يأتي في صدر المقالة ملخص لأهداف العمل وحدوده ومنهجه ونتائجه المباشرة ، والخلاصة أو النتائج العامة. ويلي ذلك بيان بالمصطلحات المقترحة لتكشف المقالة ، ثم الملخص مترجماً إلي الإنجليزية .
4. الحرص علي سلامة اللغة بكل عناصرها.
5. يرد عنوان المقالة بالعربية والإنجليزية في رأس الصفحة الأولي ، متبوعاً باسم المؤلف ، مقترناً بوظيفة وجهة عمله ، وعنوان بريده الإلكتروني.
6. ترد مع عروض الكتب ، وملخصات الأطروحات البيانات الوراقية كاملة .
7. يراعي في طباعة المادة العلمية المقدمة للنشر ما يلي :
(أ‌) استخدام برنامج مايكروسوفت وورد Microsoft Word.
(ب‌) استخدام البنط العربي التقليدي Traditional Arabic.
(ت‌) الطباعة علي ورق A4 ، مع ترك هوامش للصفحة قدرها 2.5 سم من كل جانب .
(ث‌) يطبع متن المادة بحجم حرف 15 أسود ، مع ترك مسافة واحدة بين السطور.
(ج‌) يطبع العنوان الرئيس بحرف حجم 17.
(ح‌) تطبع العناوين الفرعية بحرف أسود حجم 16.
(خ‌) تطبع أسماء المؤلفين بحرف بحرف أسود حجم 14.
(د‌) تكتب الكلمات الإنجليزية ببنط Times New Roman عادي حجم 12.
8. يراعي في الجداول والمواد التوضيحية من أشكال وصور ورسوم بيانية ... الخ، ما يلي :
(أ‌) إخراجها بالطريقة التي تيسر استنساخها بوضوح.
(ب‌) إعدادها بشكل جيد ، وطباعتها علي ورق ملائم مصقول أو شفاف ، مع وجودها بحجم مناسب لمساحة قطع صفحات الكتاب الدوري.
(ت‌) أن تكون بياناتها كافية لفهمها دون الرجوع إلي النص السردي.
(ث‌) يراعي ترقيمها ترقيماً مسلسلاً ؛ بحيث يرد عنوان الجدول أعلاه ، بينما يرد عنوان الشكل البياني أسفله.
(ج‌) استخدام الأرقام الهندية ( 1 ، 2 ، 3 ...) مع السياقات العربية ، والأرقام العربية ( 000 1 , 2 , 3 ) مع السياقات الأجنبية.
(ح‌) استخدام علامة النسبة المئوية (% ) مع السياقات العربية والعلامة (%) مع السياقات الأجنبية.
9. ترد الاستشهادات المرجعية ، مكتملة البيانات الوصفية ، مجمعة في نهاية المقالة ، مع ربطها بالنص علي النحو المناسب الذي يكفل إحكام التوثيق ، مع مراعاة الترتيب الطبيعي لعناصر أسماء المؤلفين العرب المحدثين ، والبدء باسم الشهرة بالنسبة لمؤلفي التراث والمؤلفين غير العرب.
والله تعالي من وراء القصد ، وهو سبحانه الهادي إلي سواء السبيل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
للاستشهاد المرجعي:
حشمت قاسم. نرجو أن نظل علي العهد ما حيينا (كلمة المحرر). مجلة دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات. مج14 ، ع3 (سبتمبر 2009). أيضا على مدونة المكتبيين العرب:
http://arab-librarians.blogspot.com/2010/03/blog-post_23.html

١٧ نوفمبر ٢٠٠٩

لماذا فهرس معرض القاهرة الدولي للكتاب؟

لماذا فهرس معرض القاهرة الدولي للكتاب؟
للأستاذ الدكتور حشمت قاسم


بهذا العام، 2009، يستهل معرض القاهرة الدولي للكتاب العقد الخامس في مسيرته التي بدأت في العام 1968، متمنين له كل النجاح والازدهار، في خدمة الثقافة العربية بوجه عام، والكتاب بكل فئاته النوعية وأشكاله المادية على وجه الخصوص। ومعرض القاهرة ، كما هو معروف، أقدم معرض من نوعه في الوطن العربي، واستئناسًا برسالته وأهدافه، واسترشادًا بخبراته، وعلى هدي إنجازاته، نشأت وازدهرت في جميع الحواضر العربية تقريبًا معارض مناظرة، تتبارى الآن فيما بينها في توفير عوامل اجتذاب الناشرين والموزعين، وجمهور القراء والمشترين على السواء، بالحرص على الالتزام بالتوقيت، وتوفير الضوابط والمقومات التنظيمية، وضمان الحوافز والتيسيرات التسويقية... إلى آخر ذلك مما يرعى مصالح المشاركين، ويكفل راحة المتعاملين। ا
ولمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ذلك العرس الثقافي السنوي، طابعه المميز؛ فهو ليس مجرد مناسبة يلتقي فيها مختلف الأطراف الضالعة في صناعة الكتاب، من المؤلفين والمترجمين والمحققين، والناشرين، والموزعين، واختصاصيي المكتبات، وإنما سوق فعلية للكتاب، توفر فرص التوزيع وتلبية احتياجات المشترين من المؤسسات والأفراد. وهو ثاني أكبر سوق للكتاب على الصعيد الدولي، بعد سوق موسكو، من حيث عدد المشاركين وكم المعروضات.
وقد مر معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي تتحمل مسئولية تنظيمه وإدارته الهيئة المصرية العامة للكتاب، بسلسلة من التطورات التي شهدت نموًا مطردًا في موارده ومقوماته وأنشطته. ونرجو أن يشمل هذا التطور المزيد من الاهتمام بالجوانب التنظيمية بوجه عام، وما يتصل بتنظيم المعروضات والتعريف بها والترويج لها، اعتمادًا على تقنيات المعلومات والاتصالات المعاصرة، على وجه الخصوص. فبقدر ما ينمو كم المعروضات تنمو الحاجة إلى المزيد من التدابير والضوابط التنظيمية، وفي مقدمتها التعريف بالمعروضات على النحو الذي يكفل المحافظة على قيم صناعة الكتاب، ويخدم مصالح العارضين، ويحد من معاناة الرواد الحريصين على الوصول إلى ما يودون الحصول عليه من كتب. ويتخذ هذا الجانب التنظيمي المقصود في هذا السياق، شكل الفهرس الذي أصبح مألوفًا، بشكله الورقي والإلكتروني، في كثير من المعارض العربية.
وعلى الرغم من ضخامة كم ما يعرض بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، فإن التعريف بهذا الكم الهائل من أوعية المعلومات يمكن أن يتحقق بتكلفة لا تكاد تذكر، في ظل التطورات الراهنة في استخدام الحاسبات الآلية وتقنيات المشابكة الإلكترونية، التي شجعت كثيرًا من الناشرين على إنشاء مواقعهم على الإنترنت، والتعريف بإنتاجهم في هذه المواقع. ويعني ذلك وجود البيانات اللازمة لمثل هذا الفهرس في شكل مهيأ إلكترونيًا. ومن الممكن للهيئة المصرية العامة للكتاب، أو أي جهة أخرى تتكفل بتنظيم المعرض وإدارته، الشروع في إنشاء مرصد بيانات إلكتروني، يتاح على الخط المباشر عبر الإنترنت، يستوعب بيانات التعريف بما يتم عرضه، اعتمادًا على برمجيات تجهيز واختزان واسترجاع بسيطة، تكفل سهولة الاستخدام من جانب الكافة، كل في حدود ما يرخص له به. ويشتمل هذا المرصد على البيانات الأساس اللازمة للتحقق من هوية الكتاب وتمييز طبعاته، فضلاً عن السعر ومكان العرض وتشمل هذه البيانات الأساس مسئولية التأليف بكل أنماطها، من التأليف والترجمة والتحقيق... إلى آخر ذلك من أنماط المسئولية الفكرية، وعنوان الكتاب، ورقم الطبعة، وبيانات النشر بعناصرها الثلاثة، بالإضافة إلى بيان الصفحات أو عدد المجلدات، ويضاف إلى ذلك عنوان الجناح بالمعرض.
ومن الممكن لمحتوى هذا المرصد أن ينمو تلقائيًا؛ إذ تتاح للمشاركين في المعرض إمكانية إدخال بيانات كتبهم على الخط المباشر، وفقًا للمواصفات والشروط التي تحددها الهيئة المنظمة، كما تتم مراجعة هذا المحتوى وتحديثه، بالإضافة والحذف والتعديل بشكل مستمر، على النحو الذي يجعل منه وراقية (ببليوجرافية) تجارية للكتاب العربي، تكفل التعريف بالمتوافر منه بالسوق، وتصبح بثراء المحتوى وتعدد مداخل البحث فيه، مرجعًا لا غنى عنه بالنسبة لجميع فئات المهتمين بالكتاب، كما تعد مصدرًا لعدد كبير من أدوات تسويق الكتاب العربي على الصعيدين العربي والعالمي، بما في ذلك قوائم الكتب المتخصصة في مجالات موضوعية معينة، وقوائم الكتب المناسبة لمستويات قرائية معينة، فضلاً عن احتمال تحويل هذا المرصد إلى مورد لفهارس المعارض الأخرى.
ومعرض القاهرة الدولي للكتاب، بضخامة كم ما يعرض به، هو أنسب بيئة يمكن أن تحتضن مثل هذا الفهرس الذي تتجاوز فعاليته الحدود الزمانية والمكانية لهذا المعرض. ومن نافلة القول أن توافر مثل هذا الفهرس بالشكل المقترح يفتح المجال واسعًا للمزيد من المقومات والخدمات التي تصب في دعم صناعة الكتاب العربي، وتحد من معاناة الباحثين عنه، كما يكفل المزيد من الضوابط التنظيمية، كتوحيد سعر الكتاب على الرغم من تعدد أجنحة عرضه، وسد منافذ الطبعات المزورة أو غير المرخص بها، ومن ثم المحافظة على حقوق التأليف والنشر... إلى آخر ذلك من المزايا بالنسبة للكتاب العربي بوجه عام.
وفضلاً عن إتاحته عن طريق الإنترنت، بحيث يمكن لزائر المعرض قبل مغادرة المنزل، الاطمئنان إلى وجود ما يبحث عنه، فضلاً عن التصفح الذي يمكن أن يؤدي إلى اكتشاف المزيد، يمكن لهذا الفهرس أن يُتاح للمترددين على المعرض عن طريق شبكة داخلية Intranet، توزع منافذ التعامل معها في شتى أنحاء المعرض، وتتكفل الهيئة العامة للمعارض بتوفير مقوماتها، بحيث تظل هذه المقومات، كأحد عناصر البنية الأساس، متاحة في خدمة جميع ما تستضيفه الهيئة من معارض طوال العام.
وبمجرد أن تكتمل عناصر البنية الأساس لهذا الفهرس في عامه الأول، وهذه مسئولية الهيئة المصرية العامة للكتاب في المقام الأول، سوف تقتصر الأعباء فيما بعد على المراجعة، التي تنطوي على إضافة تسجيلات الجديد من الكتب، واستبعاد تسجيلات الكتب التي نفدت طبعاتها، وتعديل بعض عناصر البيانات وفقًا لمقتضى الحال. ويمكن للهيئة المصرية العامة للكتاب، منفردة أو بالتعاون مع اتحادات الناشرين، توفير المقومات البشرية والمادية والتقنية اللازمة للإنشاء وضمان استمرار التشغيل. وبمرور الوقت لن يصبح هذا الفهرس عبئًا على الهيئة، وإنما موردًا لعائدات مباشرة وغير مباشرة، يمكن أن تتضح معالمها بمجرد بدء التشغيل، فضلاً عن القيم المضافة بالنسبة للهيئة بوجه خاص، والكتاب العربي والثقافة العربية بوجه عام.

للاستشهاد المرجعي:
حشمت قاسم. لماذا فهرس معرض القاهرة الدولي للكتاب؟ (كلمة المحرر). مجلة دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات. مج14 ، ع2 (مايو 2009). أيضا على مدونة المكتبيين العرب:

http://arab-librarians.blogspot.com/2009/11/blog-post_5770.html

١٥ مارس ٢٠٠٩

رحيل ناشر محترم

رحيل ناشر محترم
للأستاذ الدكتور حشمت قاسم


في يوم الأربعاء السابع عشر من رمضان عام تسعة وعشرين وأربعمائة وألف من هجرة نبينا المصطفي صلي الله علية وسلم، الموافق للسابع من سبتمبر (أيلول) عام ألفين وثمانية للميلاد، انتقل إلي رحمة مولاه المغفور له بإذن الله تعالي، الأستاذ / هاني أحمد عبد الحميد غريب، مدير دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة.
وكما هو الحال في مختلف المجالات والمهن، هناك في مجال النشر وصناعة الكتاب المحترم والمبتذل، هناك المحيط بأصول مهنته، الحريص علي قيمها، ويرعي الله في نشاطه وتعاملاته، ومن يضرب بقيم الأمانة والأصالة، والإجادة عرض الحائط. وفقيدنا، ولله الحمد، من الفئة الأولي باقتدار؛ إذ نشأ وترعرع في مجال الطباعة والنشر، وحرص علي الارتقاء بمستوي أدائه بتفان منقطع النظير.
عرفت الأستاذ/ هاني غريب في بداية سبعينيات القرن العشرين، طالباً بجامعة بيروت العربية؛ إذ كانت مطبعة غريب بشارع نوبار بالقاهرة تخطو خطواتها الأولي برعاية المغفور له بإذن الله تعالي الأستاذ / أحمد عبد الحميد غريب، الذي انتقل إلي رحاب ربه صيف العام 1984، ليحمل الرسالة من بعده أبناؤه الثلاثة، [عبد الحميد أحمد عبد الحميد ( عبده غريب ) الذي توفاه الله تعالي في ربيع العام 1998، وهاني الذي كرس جهده ووقته للمطبعة، وياسر الذي يتحمل الآن العبء الأكبر أعانه الله وسدد خطاه حتى تتواصل مسيرة العطاء الثقافي ].
وكانت بداية تعاملي مع آل غريب في خريف العام 1972، عن طريق الأستاذ عبده غريب رحمه الله، وقت أن كان مسئولا عن مكتبة غريب بشارع كامل صدقي، ثم تعرفت علي المغفور له بإذن الله تعالي الأستاذ / أحمد عبد الحميد غريب الذي كان قد بدأ يكرس وقته وجهده للنهوض بالمطبعة، وكان لي شرف التعامل مع هذه المطبعة لأول مرة في العام 1973، إذ كنت أتابع طباعة كتاب ((ثورة المعلومات)) الذي صدر في أكتوبر من ذلك العام. وفي ذلك السياق التقيت المغفور له بإذن الله تعالي الأستاذ/ هاني غريب . ثم استمرت علاقتي بآل غريب حتى يومنا هذا. وكانت علاقتي هذه بهذه الأسرة ومؤسستها مثار تساؤلات وتأويلات من جانب بعض الأقران والمعارف؛ فمنهم من تصور آل غريب أخوالي، ومنهم من تصورهم أصهاري، أما العلاقة الطيبة الخالصة لوجه الله تعالي فقلما كانت تخطر علي البال، في خضم العلاقات المضطربة الصاخبة بين المؤلف والناشر التي تكاد تكون السمة الغالبة للمجال.
استمرت علاقتي الطيبة بفضل الله تعالي بالوالد والأنجال، وكان البعض يرد استمرار هذه العلاقة السلسلة الهادئة إلي المعاملة السخية التي أحظى بها دون غيري من المؤلفين، وأعرب البعض تلميحاً أو تصريحاً عن وجود مثل هذه المعاملة. وكان بعض المؤلفين الجدد من معارفي يطلبون أن يعاملوا كما يعامل العبد الفقير إلي الله تعالي، ويجاب طلبهم فعلاً، ويفاجئون بأن ما يحصلون عليه أدني مما كانوا يطمحون إليه مادياً. وكان رد الفعل يختلف تبعاً لمدى القناعة والرضا، والحرص علي العلاقة الإنسانية القائمة علي التقدير المتبادل والمصارحة والمكاشفة واحترام القيم المهنية.
لقد نمت ولله الحمد بيني وبين آل غريب، ودار غريب، علاقة ود وصداقة، رضيت بها ووجدت فيها ضالتي، وسعدت بها ولم يكن بإمكاني التنكر لها، وحرصت علي صيانتها وتعزيزها؛ لم أساومهم يوماً، ولم أجد مبرراً للمفاضلة بينهم وبين غيرهم. وفضلاً عن الود والصداقة، حرصت علي وضع علاقتي العملية بهم في إطارها المهني القائم علي احترام حقوق الطرفين. فما يهمني كمؤلف هو إخراج كتابي بالصورة المرضية المناسبة ، والاطمئنان إلي التوزيع علي النحو المناسب ، وتلقي العائد في الوقت المناسب ، دون مماطلة أو مطالبة. وإمعاناً في الثقة ، لم أحرص يوماً علي توقيع عقد، ولم أحصل علي مثل هذا العقد إلا عندما فكر الإخوة في القسمة والانفصال. وقد جاء ذلك بمبادرة منهم، بعد ربع قرن من التعامل.
استمر الأخوة غريب في وئام وانسجام ، حيث تم توزيع مهام العمل علي ثلاثتهم إلي أن نزغ الشيطان بينهم ، وفشلت كل محاولات رأب الصدع، وانتهي الأمر بالانفصال ؛ إذ أصبح المغفور له بإذن الله تعالي الأستاذ / هاني غريب مسئولا عن إدارة دار غريب ، وأسس المغفور له بإذن الله تعالي الأستاذ/ عبد الحميد غريب دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، إلا أن الأجل لم يمهله لجني ثمار جهده؛ إذ توفاه الله تعالي في ربيع العام 1998 كما ذكرنا. ولإيماني بجدوى التكتل والاتحاد، لم أكن بحال راضياً عن هذه التطورات. ولكن لله في خلقه شئون ، وسبحان من له الدوام.
ظلت أعمالي المؤلفة والمترجمة ، كما كانت في دار غريب ، وأصبحت جميع تعاملاتي مع المرحوم هاني غريب ، واقتربت منه أكثر مما كان عليه الحال من قبل، لأجد فيه إنساناً بسيطاً ، واضحاً ، صريحاً ، ملتزماً ، عف اللسان ، متفانياً في عمله، قوي الإيمان ، زاهد في عرض الدنيا الفانية ... إلي آخر ذلك من الصفات التي شجعت علي مواصلة المسيرة بما يرضي المولي سبحانه وتعالي. ومهما حاولنا فإننا لا نستطيع أن نوفيه حقه ؛ فبرحيله تفقد الثقافة العربية والنشر وصناعة الكتاب في الوطن العربي ، ناشراً تشرب أصول المهنة وتشبع بقيمها، ولم يدخر وسعاً في رعاية الأصول والالتزام، ونسأل الله تعالي أن يتغمده بوافر رحمته ، ويسكنه فسيح جناته ، كما نسأل لذويه الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

للاستشهاد المرجعي:


حشمت قاسم. رحيل ناشر محترم (كلمة المحرر). مجلة دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات. مج14 ، ع1 (يناير 2009). أيضا على مدونة المكتبيين العرب:
http://arab-librarians.blogspot.com/2009/03/blog-post_10.html
بتصريح من أستاذنا أ. د. حشمت قاسم.

٢٨ ديسمبر ٢٠٠٨

مؤتمر الموارد البشرية في الأرشيفات والمكتبات ومراكز المعلومات

مؤتمر الموارد البشرية في الأرشيفات والمكتبات ومراكز المعلومات، أبو ظبي، 19 -­ 21 فبراير 2008
الأستاذ الدكتور حشمت قاسم

في المدة من التاسع عشر حتى الحادي والعشرين من فبراير (شباط) عام 2008، نظم كل من مركز الوثائق والبحوث في أبو ظبي، وعمادة المكتبات بجامعة الإمارات العربية المتحدة، مؤتمر الموارد البشرية في الأرشيفات والمكتبات ومراكز المعلومات. وقد عقد المؤتمر في رحاب مركز الوثائق والبحوث، برعاية كل من سمو الشيخ منصور بن زايد بن سلطان آل نهيان، وزير شئون الرئاسة بدولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مركز الوثائق والبحوث، ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التعليم العالي والبحث العلمي بدولة الإمارات العربية المتحدة، الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة. وقد وزعت أعمال المؤتمر على سبع جلسات، فضلا عن الجلسة الافتتاحية والجلسة الختامية. وقد تضمنت الجلسة الافتتاحية كلمة معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وكلمة المتحدث الرئيس، الدكتور إيان ولصون Ian Wilson، مدير الأرشيف والمكتبة الوطنية الكندية، رئيس المجلس الدولي للأرشيف، ثم كلمة سعادة الدكتور عبد الله محمد عبد الكريم الريس، مدير عام مركز الوثائق والبحوث، رئيس اللجنة العليا المنظمة للمؤتمر.كما شهدت الجلسة الختامية تلاوة البيان الختامي للمؤتمر وتوصياته، وتكريم عدد من المشاركين. وبلغ عدد البحوث المقدمة للمؤتمر خمسة وثلاثين بحثا، وزعت مع جلسات العمل السبع تبعًا للمحاور التالية : 1) الاتجاهات الحديثة في تعليم علوم الأرشيف والمكتبات والمعلومات. 2) تنمية الموارد البشرية في علوم الأرشيف والمكتبات والمعلومات في الوطن العربي. 3) تنمية الموارد البشرية في علوم الأرشيف والمكتبات والمعلومات في الخليج العربي. 4) تنمية الموارد البرية في علوم الأرشيف والمكتبات والمعلومات في دولة الإمارات العربية المتحدة. 5) بعض قضايا تأهيل العاملين في مجال الأرشيف والمكتبات ومراكز المعلومات وتدريبهم. 6) المواءمة بين مقومات إعداد اختصاصيي الأرشيف والمكتبات ومراكز المعلومات واحتياجات سوق العمل. 7) التدريب و التنمية المهنية في مجال الأرشيف والمكتبات ومراكز المعلومات. وقد سبق انعقاد هذا المؤتمر ورشة عمل نظمتها "لجنة حرية الوصول للمعلومات وحرية التعبير" بالاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات ومؤسساتها (الإفلا IFLA)، بعنوان: إدارة الوصول الحر للمعلومات على الإنترنت. وشارك في ورشة العمل هذه حوالي أربعين فردًا من عدد من الدول العربية والأجنبية.
وعلى هامش هذا المؤتمر تم توقيع مذكرة تفاهم بين مركز الوثائق والبحوث، والأرشيف والمكتبة الوطنية الكندية، لدعم التعاون والتنسيق بين المؤسستين. وشارك في أعمال هذا المؤتمر حوالي أربعمائة باحث وخبير من كل من المملكة الأردنية الهاشمية، ومملكة البحرين، والجمهورية التونسية، وجمهورية الجزائر، والمملكة العربية السعودية، وجمهورية السودان، وسلطنة عمان، وجمهورية العراق، ودولة قطر، والجمهورية اللبنانية، والجماهيرية العربية الليبية، وجمهورية مصر العربية، والمملكة المغربية، ودولة موريتانيا، والجمهورية اليمنية، وكندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، والهند، وباكستان، بالإضافة إلى الدولة المضيفة، دولة الإمارات العربية المتحدة. كما شارك في المؤتمر ممثلون لعدد من المنظمات الدولية والإقليمية في مجال الأرشيف والمكتبات ومراكز المعلومات، على رأسها المجلس الدولي للأرشيف، والاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات ومؤسساتها، وجمعية المكتبات المتخصصة ­ فرع الخليج العربي، والاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات. وقد أصدر المؤتمر التوصيات التالية.
1) إجراء الدراسات حول المواءمة بين احتياجات سوق العمل، وإعداد اختصاصيي المعلومات في البلدان العربية.
2) حث البلدان العربية التي لا يتوافر بها برامج خاصة لتأهيل العاملين في الأرشيفات والمكتبات ومراكز المعلومات، على المبادرة باستحداث مثل هذه البرامج، مع مراعاة طبيعة المجال، وتنوع فئات العاملين فيه، واحتياجات سوق العمل، على أن يستند التخطيط لهذه البرامج إلى الخبرات المتراكمة على الصعيدين العربي والعالمي . ويهيب المؤتمر بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بدولة الإمارات العربية المتحدة بإنشاء برامج أكاديمية مناسبة في دراسات المكتبات والمعلومات والأرشيف، في الجامعات والكليات بالدولة، وذلك انطلاقًا من مبادرة معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، لتوفير الموارد البشرية على نحو فاعل وكفء، للعمل بمؤسسات المعلومات بالدولة، ويعزز المشاركون في المؤتمر دور مركز التوثيق والبحوث في دعم تأهيل الموارد البشرية في مجال الأرشيف بالدولة.
3) أن تتوجه الأقسام الأكاديمية في البلدان العربية نحو الاعتماد الأكاديمي لبرامجها، بما يحقق الجودة المطلوبة في تأهيل اختصاصيي المعلومات.
4) مراعاة القواسم المشتركة بين المكتبات والمعلومات والأرشيف لتحقيق الترابط والتكامل والتناغم في إدارة برامج التأهيل في المجال.
5) إعطاء التدريب العملي والمهارات التكميلية الاهتمام اللازم، بما يواكب حاجة المؤسسات المستهدفة، ويضمن للخريجين القدرة على المنافسة في سوق العمل، مع ضرورة الأخذ بالأساليب الحديثة في هذا الصدد.
6) العمل على إنشاء جمعيات وطنية للمكتبات والمعلومات والأرشيف في البلدان التي لا توجد بها مثل هذه الجمعيات، وذلك لدعم العاملين بالمهنة، وبرامج التأهيل والتدريب.
7) تشجيع إنشاء ائتلاف بين المكتبات بأنواعها المختلفة بدولة الإمارات العربية المتحدة، من أجل المزيد من التنسيق والتكامل بين الموارد البشرية في هذه المكتبات.

للاستشهاد المرجعي:
حشمت قاسم. مؤتمر الموارد البشرية في الأرشيفات والمكتبات ومراكز المعلومات، أبو ظبي، 19 ­ 21 فبراير 2008 (كلمة المحرر). مجلة دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات. مج13 ، ع3 (سبتمبر 2008).

١١ يوليو ٢٠٠٨

إضفاء الطابع المعلوماتي

إضفاء الطابع المعلوماتي
أ. د. حشمت قاسم
أستاذ المكتبات وعلم المعلومات
كلية الآداب – جامعة القاهرة


المعلومات هي العامل المحفز في جميع الأنشطة البشرية ، إذ ينعكس مدي استثمارها ، إيجابيا أو سلباً على نتائج هذه الأنشطة . ومن ثم فإن المعلومات ، سواء نظرنا إليها كظاهرة أو كمورد ، لا تقبل الاستقطاب لأي سباق زمني أو مكاني . فالمعلومات للكافة بلا استثناء ، لأن الإنسان يعيش بالمعلومات كما يحيا بالهواء والماء . والكل ، أيا كان موقعه على خريطة مجتمعه ، مهتم بالمعلومات رضي أو أبى ، سواء أدرك هذه الحقيقة بوعي أم لم يدركها . وبقدر ما تزداد الأمور صعوبة وتتعقد المواقف أو تتأزم ، تزداد الحاجة إلي المعلومات إلحاحاً ما لم تكن الغفلة - والعياذ بالله - طاغية سائدة، وبقدر الحرص والوعي ترتفع وتيرة الجهود الرامية إلي تيسير سبل الإفادة من المعلومات وتهيئة الظروف المواتية لاستثمارها من جانب مختلف الفئات، في شتى المجالات وعلى اختلاف المستويات. وتهيئة سبل الإفادة من المعلومات ليست اختراعا عصريا وإنما تضرب بجذورها في أعماق تاريخ الوعي الإنساني. وتطورت هذه السبل مسايرة لتطور معدلات تدفق المعلومات وتطور مقومات هذا التدفق. ومما لا شك فيه أن العقود الأربعة الأخيرة قد شهدت تطورات علمية وتقنية فاقت في مداها كل ما حققته البشرية من إنجازات عبر تاريخها الطويل.

وقد كان من الطبيعي أن يصاحب هذا التطور غير المسبوق تداول مصطلحات تدور في فلك دعم مقومات استثمار المعلومات لخدمة أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، كما كان من الطبيعي أن تكتسي هذه المصطلحات ببعض سمات العصر لكي تجد لها مكانا في الدلالة على مفاهيم لا جديد فيها من حيث الجوهر وإن كان هناك جديد ففي المظهر فدعم مقومات استثمار المعلومات هو الهدف الأساس لجميع المجتمعات الواعية على مر العصور. ويشمل هذا المفهوم، من بين ما يشمل، استخدام تقنيات المعلومات أيا كان شكلها وآيا كان مدى تطورها في تنظيم تدفق المعلومات على النحو الذي يكفل وصولها لكل من يحتاج إليها بالشكل المناسب والقدر المناسب في الوقت المناسب. كما يشمل أيضا تهيئة المجتمع لاستثمار ثروة المعلومات بما في ذلك التربية المعلوماتية ومحو الأمية المعلوماتية.

ومن بين المصطلحات التي استعملت في غضون العقود الثلاثة الأخيرة، للدلالة على دعم مقومات استثمار المعلومات "عصر المعلومات"و "مجتمع المعلومات" و "إضفاء الطابع المعلوماتي Informatization". وفضلا عما يكتنفها من غموض، هناك من يرى استبدال "المعرفة" بـ "المعلومات" في المصطلحين الأولين، ظنا منه أن الأولى أعلى مرتبة من الثانية، بينما العكس هو الصحيح، على ضوء ثقافتنا الإسلامية ومعطيات نظامنا اللغوي العربي، ونرجو أن يكون المصطلح الثالث أقل غموضا من سابقيه.
إضفاء الطابع المعلوماتي، أو إسباغ الطابع المعلوماتي، أو النسق المعلوماتي، أو النهج المعلوماتي، أو التهيئة المعلوماتية، وكل هذه مقابلات عربية مقترحة للمصطلح الأجنبي Informatization ، يقصد به "التحول الاقتصادي والاجتماعي المعتمد على تقنيات المعلومات والاتصالات" . فتقنيات المعلومات والاتصالات من التقنيات متعددة الأغراض، التي يمكن أن تنهض بدور لا يستهان به في إعادة هيكلة الاقتصاد على نحو جوهري، وعلى عكس التطورات التقنية التدريجية التي يتحقق فيها التغير التقني بخطوات وئيدة، أو يمكن التنبؤ بها، فإن التقنيات متعددة الأغراض تمثل ابتكارات جوهرية، أو اختراقات، عادة ما تسفر عن حدوث تحول في مسار التطورات التقنية. وتقنيات المعلومات والاتصالات ابتكارات قادرة على تيسير ودعم المزيد من الابتكارات إذ تؤدي إلي تيسير الابتكار في مجالات الإنتاج وقطاعات الخدمات إلي حد بعيد، على النحو الذي يؤدي إلي ارتفاع معدلات نمو الأعمال التي تتمتع بحماية حقوق الملكية الفكرية، وبراءات الاختراع التي يتم تسجيلها بمعدلات أسرع مما كان يتحقق من قبل، فضلا عن مضاعفة سرعة أنجاز الأنشطة والعمليات الاقتصادية، على النحو الذي يؤدي إلي تغير الأفق الاقتصادي برمته.
فإضفاء الطابع المعلوماتي إذن ليس مجرد ظاهرة اقتصادية وإنما يدخل أيضا في عداد التحولات الاجتماعية التي تصب في قناة الصالح العام للمجتمع. فتقنيات المعلومات والاتصالات تضفي القيمة بتيسير عمليات وإجراءات تجهيز المعلومات وتنظيمها واختزانها واسترجاعها وبثها. ومن الممكن مقارنة الآثار التي ترتبت على تطور الطباعة؛ فكلاهما يكفل للإنسان القدرة على الحصول على المعلومات بتكلفة يمكن للسواد الأعظم تحملها. ويقوم إضفاء الطابع المعلوماتي على أربع دعامات، هي: الإطار القانوني والتنظيمي لتدفق المعلومات، والبنية الأساس للاتصالات بعيدة المدى، وصناعة تقنيات المعلومات والاتصالات، ومحو أمية تقنيات المعلومات وتنمية مهارات التعامل مع هذه التقنيات.

ولكي لا يكون مصطلح "إضفاء الطابع المعلوماتي" كغيرة من المصطلحات المرتبطة به دلالياً، أشبه بقنابل الدخان التي يمكن أن تحجب الرؤية وتطمس معالم الحقيقة نود توضيح ما يلي :
1) المعلومات هي الأساس في تكوين المجتمعات البشرية وغير البشرية أيضاً. ولكل مجتمع أيا كان موقعه على سلم التنمية الاجتماعية والاقتصادية طابعه المعلوماتي الذي يمكن أن يميزه عن غيره من المجتمعات. فكما أنه من الممكن أن تكون هناك مجتمعات معلومات بعدد ما هنالك من مجتمعات بشرية، يمكن القول بأن جميع المجتمعات، بلا استثناء، معلوماتية بطبيعتها، معلوماتية في سداها ولحمتها. ولا يمكن للمعلومات أن تكون مجرد طلاء خارجي أو سطحي.
2) لا ندري لماذا اقتصرت المقارنة هنا بين تقنيات المعلومات والاتصالات من جهة والطباعة من جهة أخرى. أليست الطباعة من تقنيات المعلومات والاتصالات وهل تفوق أهمية الطباعة أهمية كل ما سبقها من تطورات جوهرية في مجال المعلومات، بدءاً بتطور اللغات وتطور أدوات الكتابة وغيرها. وتاريخ البشرية، كما نعلم، سلسلة متصلة من ثورات المعلومات التي أدت إلي تطور تقنيات المعلومات والاتصالات إلى ما هي عليه الآن وما يمكن أن تكون عليه في المستقبل.
3) لماذا التركيز في مفهوم إضفاء الطابع المعلوماتي على ضلعين فقط من أضلاع مثلث المعلومات من الناحية التنظيمية، وهما الحاسب الآلي، وقنوات التدفق، ومن ثم تجاهل الضلع الأهم الصامد الذي يمد الضلعين الآخرين بمبررات وجودهما ألا وهو المحتوى. فالمعلومات ليست تقنيات فقط، وبدون المحتوى تصبح تقنيات المعلومات مجرد أعجاز نخل خاوية؛ إذ تتوقف حيوية هذه التقنيات على تدفق المحتوى في أوصالها.
4) من الممكن إضافة دعامة خامسة لإضفاء الطابع المعلوماتي، وهي تعزيز قدرات إنتاج المعلومات على النحو الذي يسهم في تنمية المعرفة البشرية، والتصدي لما يواجهه المجتمع من تحديات في قطاعات الإنتاج والخدمات.

بمثل هذه المصطلحات التي تنطوي على مجافاة لطبيعة المعلومات، وبدون هذه المصطلحات تواصل تقنيات المعلومات والاتصالات مسيرة تطورها استجابة لتطور معدلات تدفق المعلومات، وتزايد أهمية دور المعلومات في اتخاذ القرارات ومواجهة التحديات، وتزايد الحرص على استثمار ثروة المعلومات، ذلك الحرص الذي يعد مداه أهم العوامل تميز المجتمعات عن بعضها البعض. كما أن العمل على دعم مقومات هذا الاستثمار احد أهم ميادين تسابق المجتمعات.

بقي القول بأن مثل هذه المصطلحات إنما هي ناتج اهتمام كل من مهندسي الاتصالات ورجال الاقتصاد السياسي بالمعلومات. وفي ظل هذه المصطلحات يعمل البنك الدولي على ترويج قروض تمويل مشروعات البنى الأساس للاتصالات بعيدة المدى، وصناعة تقنيات المعلومات والاتصالات في بعض المجتمعات، وخصوصاً تلك التي تحتل مكانة متدنية على سلم النمو. وبقدر ما نتمنى توجيه البنك الدولي لقدر من اهتمام لإنتاج المعلومات، المحتوي الملك، والإنسان منتج المعلومات المستفيد الأول والأخير من المعلومات، نرجو استغلال هذا الاهتمام بشيء من الوعي والحرص.
للاستشهاد المرجعي:
حشمت قاسم. إضفاء الطابع المعلوماتي. دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات. مج13، ع2 (مايو 2008). متاحة أيضا على:
http://arab-librarians।blogspot.com/2008/07/blog-post_9406.html

١٧ مايو ٢٠٠٨

البحث العلمي بين التخطيط والتنفيذ؛ قراءة في خطة جامعة القاهرة الخمسية للبحث العلمي

البحث العلمي بين التخطيط والتنفيذ ؛
قراءة في خطة جامعة القاهرة الخمسية للبحث العلمي
أ. د. حشمت قاسم
كما هو الحال في أي نظام اجتماعي ، فإن الإدارة تعني بالنسبة للبحث العلمي الكثير ، فنحن ننظر إلى النشاط العلمي بوصفه نظاماً اجتماعياً ، يشكل الاتصال العلمي جوهره ، وتعمل الإدارة علي ترشيد مساراته ، ودعم مقوماته ، والارتفاع بمستوى عائداته. والتخطيط أحد مكونات العملية الإدارية كما نعلم ، ولمصر تاريخها الطويل وخبراتها الثرية في التخطيط للبحث العلمي. وفضلاً عن الخطة الوطنية الشاملة ، هناك الخطط الخاصة بالقطاعات التخصصية ، وتلك الخاصة بالمؤسسات الضالعة في البحث العلمي ، وفي مقدمتها الجامعات ومراكز البحوث . ويشكل البحث العلمي الذي يهدف إلى تنمية المعرفة البشرية الأساسية ، وذلك الذي يرمي إلي تطوير الأداء في قطاعات الإنتاج والخدمات ، إحدى الوظائف الثلاث التي تنهض بها الجامعات في مختلف المجتمعات . وفي مارس من العام 2006م ، أصدرت جامعة القاهرة خطتها الخمسية ( 2006 – 2011 م ) للبحث العلمي . وقد توفر علي إعداد هذه الخطة ، تحت إشراف الأستاذ الدكتور معتـز خورشيد، نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث ، لجنة مركزية وعدد من اللجان القطاعية . ولوثيقة هذه الخطة أهمية تؤهلها لاجتذاب اهتمام الأوساط العلمية والقطاعات الحريصة علي دعم البحث العلمي واستثمار نتائجه ، علي الصعيدين الوطني والعربي ، لأن قناعتنا التي لا تتزعزع هي أن الوطن العربي ليس مجتمعاً لغوياً واحداً فحسب ، وإنما مجتمع علمي ومجتمع معلوماتي واحد أيضاً . واحتفاء بهذه الوثيقة ، وحرصاً علي التعريف بها علي النحو الذي يكفل تحقيق أهدافها ، نحاول في هذه السطور إلقاء الضوء علي بعض جوانبها . ولما بيننا من ود متصل ، حرصت علي إطلاع الأستاذ الدكتور معتز خورشيد علي هذه الكلمة قبل نشرها ، وكان بيننا حوار مثمر ، إذ كان لسيادته بعض الملاحظات التي وضعت في الحسبان عند صياغة هذه الكلمة في شكلها النهائي .
تتكون وثيقة هذه الخطة من ستة مجلدات ، يشتمل أولها (( الإطار العام )) علي المبادئ والأسس والأساليب المنهجية التي روعيت في إعداد الخطة بكل مكوناتها ، وكذلك الرؤى والأهداف والمحاور البحثية التي تقوم عليها الخطة ، بينما تشتمل المجلدات الخمسة الأخرى علي خطط القطاعات التخصصية التالية :
*قطاع العلوم الأساسية .
*قطاع العلوم الطبية .
*قطاع العلوم الهندسية .
*قطاع العلوم الاجتماعية .
*قطاع العلوم الإنسانية والتربوية .
ولم يتسع الوقت لإصدار خطة قطاع العلوم البينية متعددة التخصصات ، واكتفى القائمون علي إعداد هذه الخطة بتسجيل ما يتصل بهذه العلوم في خطط القطاعات التخصصية الأخرى .
ويتكون كل مجلد من هذه المجلدات القطاعية الخمسة من جزءين ، أولهما ((المناخ البحثي والتخطيط الإستراتيجي))، والثاني ((الخطة البحثية للقطاع الأكاديمي)). والجزء الأول نمطي ، مكرر في جميع المجلدات الخمسة ، إذ يشتمل علي أربعة عناصر بالإضافة إلى ملحق ، إلا أنه يختلف في تفصيلات محتواه من قطاع إلى آخر. ويتناول العنصر الأول مناخ البحث العلمي في مجتمعنا المعاصر ، ويتناول الثاني دور الجامعات في البحث العلمي ، في حين يتناول العنصر الثالث الإطار العام لخطة جامعة القاهرة ، ويعالج مستويات الخطة ، ومحاورها ، ومنظومة الخدمات البحثية التي تقدمها الجامعة للمجتمع ، والقوى البحثية المتوافرة لتقديم مثل هذه الخدمات. أما العنصر الرابع الأخير في هذا الجزء الأول فيتناول الخطة القطاعية من حيث مبررات إعدادها ، ومسئولية الإعداد. أما ملحق هذا الجزء فيشتمل على الخطوات التنفيذية التي اتبعت في إعداد الخطط البحثية القطاعية. وتبدأ هذه الخطوات بحصر الهياكل العلمية للكليات والمعاهد والأقسام والتخصصات في كل قطاع من القطاعات الأكاديمية الخمسة ، يليها تحديد المجالات البحثية للخطة الخمسية في كل قطاع ، ثم صياغة الرؤية الموحدة للمجالات البحثية الرئيسية ، بناء علي المواءمة بين العرض والطلب ، وتحديد المجالات البحثية الفرعية بكل مجال بحثي رئيسي ، وتحديد المجالات البحثية الفرعية المشتركة بين كليات القطاع ومعاهده ، أي المجالات البينية متعددة التخصصات ، وإعداد مصفوفات الهياكل العلمية في مقابل المجالات البحثية ، ثم تصنيف الجهود البحثية الحالية في كل قطاع تمهيداً لتحديد الجهود المستهدفة في الخطة الخمسية ، والتحقق من الخصائص البنيوية للمجالات البحثية الرئيسية ، وذلك من حيث احتمالات التطبيق ، ومدى التوافق مع الخطة الوطنية، وتضافر الجهود بين الباحثين وبعضهم البعض ، وبين المؤسسات وقنوات النشر المحلي والعالمي والتحكيم في كل منهما ، والتمويل ومصادره ، وأحجام البحوث تبعاً لحجم التمويل. ولتأكيد الموقف التنافسي لجامعة القاهرة ، كانت الخطوة الأخيرة في السلسة هي التحقق من أوجه التميز في كل قطاع أكاديمي ، وتشتمل هذه الأوجه الخبرات العلمية للأساتذة والباحثين ، والمختبرات ، والتجهيزات ، والأطروحات ، ومشروعات البحوث ، فضلاً عن أوجه التميز الأخرى. وكما سنرى فإن هذا الجزء يكرر كثيراً من محتوى مجلد ((الإطار العام)) وكان من الممكن لدواعي الاقتصاد تجنب هذا التكرار ، ولكن يبدو أن القائمين علي إعداد الخطة قد حرصوا علي أن يكون كل مجلد قطاعي عملاً قائماً بذاته .
ويشتمل الجزء الثاني في كل مجلد من المجلدات القطاعية الخمسة ، كما أشرنا ، علي الخطة البحثية للقطاع ، ويتكون من تسعة عناصر فضلاً عن الملحق. ويحلل العنصر الأول الخطة البحثية الخمسية للقطاع ، ويبدأ بخلفية عامة عن القطاع ، وأهداف الخطة ، وفي مقدمة هذه الأهداف ربط البحث العلمي بأولويات المجتمع وتحدياته ، ثم محاور الخطة التي تشمل الهياكل العلمية ، والمجالات البحثية الرئيسة والفرعية ، ومصفوفات ربط الهياكل العلمية بالمجالات التخصصية ، والمقومات البشرية والمادية والتقنية المتاحة لجامعة القاهرة ، ومصادر تمويل البحوث ، ثم برامج التنفيذ وآلياته . أما العنصر الثاني فيحلل الهياكل العلمية للقطاع الأكاديمي من الكليات والمعاهد والأقسام والتخصصات. ويستعرض العنصر الثالث المجالات البحثية الرئيسة والفرعية مرتبة وفق أولويات. ويشتمل العنصر الرابع علي مصفوفات الهياكل العلمية في مقابل المجالات البحثية الفرعية ، أما العنصر الخامس فيحلل التركيبة البحثية الحالية والتركيبة البحثية المستهدفة للقطاع . ويحلل العنصر السادس الخصائص البنيوية للجهود البحثية في القطاع ، من حيث احتمالات التطبيق ، والتوافق مع الخطة الوطنية ، وتضافر الجهود ، والنشر، ومصادر التمويل. ويتناول العنصر السابع أوجه التميز الكمي والنوعي في القطاع ، ويعالج العنصر الثامن ما يسمى الفجوة البحثية في القطاع. ويقصد بالفجوة البحثية في هذا السياق ، الفرق بين الأداء البحثي وقت إعداد الخطة والأداء البحثي المستهدف في نهاية الخطة . ويشمل تقدير الفجوة البحثية المكونات الثلاثة للنظام ، وهي المدخلات ، والعمليات التي ينطوي عليها النشاط العلمي ، ومخرجات نظام البحث العلمي في القطاع . وقد استخدم في هذا التقدير أسلوب محاكاة السيناريوهات البديلة. ويحلل العنصر التاسع الأخير متطلبات تمويل الجهود البحثية للخطة الخمسية في القطاع وفق ثلاثة تتابعات للأحداث ( سيناريوهات ) ، وهي التتابع الاستمراري ، والتتابع الأكثر احتمالاً أو الأرجح ، والتتابع المتفائل، وذلك تبعاً للجهود البحثية من أطروحات الماجستير والدكتوراه ، وبحوث الترقي في وظائف أعضاء هيئة التدريس ، والمشروعات البحثية ، وكذلك أوجه الإنفاق ، وذلك في كل مجال من المجالات الفرعية . ويشتمل ملحق هذا الجزء علي النماذج المستخدمة في تجميع البيانات .
ومن الجدير بالذكر أن كل مجلد من هذه المجلدات القطاعية الخمسة يمكن أن يكون موضوعاً لدراسة تحليلية متعمقة ، تحاول التحقق من استقامة منهج التصنيف ، ومدى الاطراد في تطبيقه ، ومدى التجانس في الفئات التخصصية الرئيسية والفرعية ، وترتيب الأولويات ... إلى آخر ذلك من عناصر هذه الخطط القطاعية . ويمكن أن يتصدى لمثل هذه الدراسة باحث أو أكثر من المتخصصين في كل قطاع .
ومن جانبنا ينصب اهتمامنا في هذا السياق علي الإطار العام للخطة ، وينقسم مجلد ((الإطار العام)) للخطة ، الذي أعده الأستاذ الدكتور معتز خورشيد، إلى خمسة فصول وملحقين ، ويتناول الفصل الأول مناخ البحث العلمي في مجتمعنا المعاصر ، ويركز علي ثلاث قضايا هي البحث العلمي ومجتمع المعلومات ، والعولمة وتدويل النشاط البحثي ، والفجوة العلمية والتكنولوجية بين الدول المتقدمة والدول النامية. ويشتمل هذا الفصل علي بعض المؤشرات المقارنة الخاصة بالإنفاق علي النشاط العلمي ، وعدد العلماء والباحثين، ومقومات الاتصالات بعيدة المدى. ويتناول الفصل الثاني دور الجامعات في البحث العلمي ، والهيكل المؤسساتي للبحث العلمي ، والإطار التنظيمي في الجامعات المصرية ، والاتجاهات الحديثة للبحث العلمي في الجامعات . ويعالج الفصل الثالث الرؤية والأهداف وإستراتيجيات التطوير في التخطيط للبحث العلمي في الجامعات ، اعتماداً علي نتائج الوصف التحليلي للوضع الراهن من الناحيتين الكمية والكيفية . ويركز الجانب الكمي علي التمويل المحلي والأجنبي والمشترك لمشروعات البحث من عام 1974 م حتى عام 2000م ، في القطاع السلعي ، والقطاع الإنتاجي ، والقطاع الخدمي ، فضلاً عن البحوث الأساسية. أما البعد الكيفي أو النوعي فيركز علي تخطيط البحث العلمي ، واستثمار تقنيات المعلومات والاتصالات ، والمكتبات وخدمات المعلومات ، والأجهزة والمختبرات ، والتكامل بين المجالات التخصصية ، والحرية الأكاديمية ، ومناهج البحث ، ومعايير الجودة ، ومنافذ النشر ، ومدى الاستمرار في ممارسة البحث العلمي ، ومقومات تهيئة المناخ البحثي الملائم ، ومنظومة القيم العلمية ، والرؤية الإستراتيجية ، ورسالة البحث العلمي في جامعة القاهرة ، والأهداف الإستراتيجية للبحث العلمي ، والموارد البشرية ، والمقومات المادية ، والموارد المالية، والأطر المؤسساتية، والبنية المعلوماتية الأساس ، والإمكانات الإدارية والتنظيمية ، والاتجاهات العالمية في البحث العلمي ، والطلب على البحث العلمي على الصعيد الوطني والعالمي ، ومحاور الخطة البحثية الخمسية لجامعة القاهرة.
ويتناول الفصل الرابع الإطار المنهجي للخطة، ويشمل مستويات التخطيط للبحث العلمي، ومحاور خطة جامعة القاهرة، ومنظومة الخدمات البحثية ، ومراحل وخطوات وضع الخطة موضوع اهتمامنا . ويعالج الفصل الخامس المحاور السبعة لخطة جامعة القاهرة الخماسية، وهي "تدويل البحث العلمي" و"القضايا البحثية ذات البعد القومي" و"بحوث الرسائل العلمية" و "تطوير البنية المؤسسية للبحث العلمي" و"الإدارة المتكاملة للأجهزة العلمية والمختبرات" و"دعم شباب الباحثين"، و"تمويل البحوث العلمية وتسويقها". ويحتاج كل محور من هذه المحاور السبعة إلى وقفة، ونولي المحور الأول ، الخاص بتدويل البحث العلمي، قدراً من الاهتمام في هذا السياق، ونرجو أن تتاح الفرصة لبقية المحاور في أعمال لاحقة.
يذكرنا تدويل النشاط العلمي بمبدأ كانت له السيادة يوما ما، وهو أن " العلم لا وطن له ". ويعني هذا المبدأ أن المعرفة العلمية تراث إنساني مشترك، ينبغي أن يتاح للكافة بلا قيد ولا شرط . وربما يكون هذا المبدأ قد ظل صامداً حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، إذ تجلت أهمية العلم بكل جوانبه ومجالاته في غضون تلك الحرب ، كما أسهم بشكل ملحوظ في مجرياتها، على النحو الذي شجع على اتخاذ تدابير التكتم وفرض قيود السرية على نتائج بعض البحوث العلمية، وخصوصاً في المجالات التي تدعم القوة التنافسية للأطراف المتصارعة. واستمرت ممارسات التكتم والسرية هذه حتى بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وربما تكون قد ازدادت ترسخاً في حقبة الحرب الباردة، على النحو الذي أدى إلى اقتران سباق التسلح بسباق البحث العلمي بشكل لا فكاك منه.

ولما كان الأمر كذلك فإننا لا ينبغي أن نتوقف عند حدود مقولة " العلم لا وطن له"، ونستطرد للقول بأن للعالم وطن يشرف بالانتماء إليه، ولا يدخر وسعا في خدمة مصالح هذا الوطن؛ فلكل وطن تحدياته وأولوياته التي ينبغي أن تكون لها الصدارة في استخدام العلماء لأسلحتهم المنهجية. والبحث العلمي والنشر كما نعلم صنوان، فلا غنى لأحدهما عن الآخر. والنشر هو الكفيل بمشايعة المعرفة العلمية ، إلا أن هذا النشر يخضع الآن لمعايير الانتقائية المرتبطة بالعلاقات التنافسية ، ولكل مجتمع دواعيه ومعاييره في هذا الصدد. ويمكن القول أن تدابير الحظر والتكتم قد لا تشتمل سوى قطاع محدود من نتائج البحوث العلمية، كما أن هذا الحظر غالباً ما يكون مؤقتا وإن تفاوت مداه الموضوعي والزمني، كما أنه لا يمس طبيعة النشاط العلمي بوصفة نظاماً اجتماعياً؛ فعبر منافذ النشر على اختلاف أشكالها وتفاوت مستوياتها، يتواصل الباحثون على الصعيدين الوطني والدولي، إذ تتصافح المجتمعات العلمية الوطنية وتتضافر فيما بينها لتشكل النظام العالمي. وعادة ما يتحقق هذا التكامل التفاعلي ، في الظروف السوية على نحو تلقائي، عبر قنوات التواصل العلمي الرسمية وغير الرسمية ، الوثائقية وغير الوثائقية، بما في ذلك الجامعات الافتراضية، والمؤتمرات واللقاءات والمنتديات العلمية.
ويقصد بتدويل البحث العلمي في الخطة الخمسية لجامعة القاهرة "إضفاء البعد الدولي أو متعدد الثقافات على العملية التعليمية والبحثية، بهدف الارتقاء بجودتها وتحقيق أهدافها العلمية والأكاديمية". ويرى القائمون على إعداد هذه الخطة في إضفاء البعد الدولي توجهاً يسعى للانفتاح على ثقافات بحثية متعددة، بمشاركة الأقران في الجامعات ومراكز البحوث، في المشروعات البحثية الأساسية والتطبيقية. كما يرون إن هذا التوجه يختلف عن ظاهرة العولمة، لأنه يمثل استراتيجية يتعين على الجامعات أتباعها، وهو بذلك تدويل لا يهدف إلى الربح المادي بقدر ما يهدف إلى دعم أواصر التفاعل والتكامل.
وكنا نتمنى ألا تتضمن هذه الخطة مجرد إيحاء بارتباط التدويل بالتمويل الخارجي. فنحن على قناعة بأن إضفاء البعد الدولي لا يتحقق إلا بدعم القدرات الذاتية الوطنية، البشرية والمالية والتقنية، على النحو الذي يكفل الندية في التعامل الدولي. لماذا لا يكون الارتفاع بمستوى الأداء في البحث العلمي، والاقتراب بالبحث العلمي إلى حدود التمويل الذاتي من بين أهدافنا الإستراتيجية؟ تستند الخطة الخمسية لجامعة القاهرة ، في اتجاهها نحو تدويل البحث العلمي ، إلى ما أوصت به اليونسكو ، في مؤتمرها العام الذي عقد عام 1998 ، وليس من بين أبعاد التدويل فيما أشارت به اليونسكو ، ما يتصل بتمويل البحث العلمي ، في حين تشير وثيقة خطة جامعة القاهرة إلى مؤسسات التمويل الإقليمية و الدولية ، كما تقدم من البيانات الإحصائية ما يدل على ارتفاع نسبة التمويل الأجنبي للبحث العلمي من حوالي 36.6% في الأعوام من 1974 إلى 1980م ، إلى حوالي 60.6% في الأعوام من 2001 إلى 2005م. ويرجع القائمون على وضع هذه الخطة هذه الزيادة في نسبة التمويل الأجنبي إلى المشروعات البحثية المشتركة، والاتفاقات العلمية والثقافية التي أبرمتها جامعة القاهرة من جامعات مناظرة. كما تسجل هذه الوثيقة "أن الاستفادة من هذه الفرص التمويلية المتاحة تتطلب إعداد مقترحات بحثية معقدة وفق توجهات بحثية تحددها جهات التمويل" (ص 152 من مجلد "الإطار العام"). ترى ، هل يمكن لتلك التوجهات أن تتوافق دائما مع الأولويات والتحديات المصرية؟ ألا يدعو ذلك للمراجعة المنهجية لتداعيات التمويل الأجنبي وانعكاساته على النشاط العلمي في مصر ، وخصوصا فيما يتعلق بقيم هذا النشاط وأخلاقياته ، وسلوك الباحثين واتجاهاتهم ، وقدرتهم على المبادرة ، وارتباط الجهود العلمية بالأولويات المصرية؟ إن هناك شروطا ينبغي أن تتوافر في توجهات البحث العلمي لكي يحقق أهدافه في دعم مقومات التنمية الاجتماعية والاقتصادية . هل يمكن لهذه الشروط أن تتوافر في ظل طغيان التمويل الخارجي؟
وفضلا عما سبق ، يشتمل المجلد الخاص بالإطار العام لخطة جامعة القاهرة الخمسية للبحث العلمي ، على ملحقين ، يشتمل أولهما على استمارة تجميع بيانات تقييم الوضع الراهن للبحث العلمي في جامعة القاهرة ، بينما يشتمل الملحق الثاني على نتائج التحليل النوعي للنشاط العلمي بجامعة القاهرة في الوقت الراهن . ويشمل هذا التحليل إدارة النشاط العلمي وتنظيمه ، واستخدام تقنيات المعلومات والاتصالات ، والمكتبات وخدمات المعلومات ، والأجهزة العلمية والمستلزمات البحثية ، ومستويات التضافر وتكامل الجهود ، وحرية البحث ، ومناهج البحث ومعايير الجودة ، والنشر ، والاستمرارية في ممارسة النشاط العلمي ، وسبل تحسين المناخ العلمي ، والأهمية النسبية لمصادر المعلومات، ومدى توافر الخدمات المعاونة في غير أوقات العمل الرسمية. ولنا بعض الملاحظات على الأداء المنهجي في هذا الملحق ، تتعلق باتساع مدى تنوع القضايا والموضوعات ، وحجم العينات ، ومستوى التحليل وأساليبه . ففي كثير من قضايا هذا الملحق مجال لاستخدام أساليب قياسات النشاط العلمي Scientometrics بوجه عام ، والقياسات الورقية Bibliometrics على وجه الخصوص الأمر الذي يتطلب الاعتماد على عينات من حجم مناسب يكفل التحقيق من الفروق الدقيقة ، واستخلاص النتائج التي يمكن الاعتداد بها.
وختاماً ، نحن مع هذه الوثيقة إزاء خطة منهجية ، توافرت لها مقومات التميز ، واستغرق إعدادها الآلاف من ساعات العمل على اختلاف المستويات الموضوعية والتحريرية والفنية للفئات المشاركة . ونرجو أن تحظى هذه الوثيقة باهتمام الأوساط العلمية ، كما نرجو أن نرى أثرها على أرض الواقع في التنفيذ الفعلي. كما نرجو أيضا أن تستثمر الخبرات المكتسبة في وضع هذه الخطة وتنفيذها ، في الارتفاع بمستوى الأداء في التخطيط للبحث العلمي على الصعيدين الوطني والمؤسساتي والقطاعي، والله تعالى وراء القصد ، وهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل .

للاستشهاد المرجعي:
حشمت قاسم. البحث البحث العلمي بين التخطيط والتنفيذ ؛ قراءة في خطة جامعة القاهرة الخمسية للبحث العلمي. دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات. مج12، ع2 (مايو 2007). ص ص 7-15. متاحة على:
http://arab-librarians.blogspot.com/2008/05/blog-post_56.html

القراءة في الوطن العربي والعبث بالمنهج

القراءة في الوطن العربي والعبث بالمنهج
أ. د. حشمت قاسم


لنتائج دراسات القراءة و الإفادة من المعلومات أهميتها في مختلف حلقات نظام تدفق المعلومات، فضلاً عن ترشيد مسارات جهود تنمية مهارات المستفيدين في التعامل مع أوعية المعلومات ومرافق المعلومات. إلا أنه من الملاحظ أن مثل هذه الدراسات كثيراً ما تعاني قصوراً منهجياً يحول دون استخلاص نتائج عامة قابلة للتطبيق. وربما كان مرد ذلك إلى نظرة بعض الباحثين إلى هذه الدراسات بوصفها هدفاً في حد ذاتها ، وكذلك عدم استثمارالخبرات المنهجية للدراسات السابقة. وقد فاجأتنا إحدى مؤسسات بحوث التسويق العالمية، عشية الدورة التاسعة والثلاثين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب (23 يناير-4 فبراير2007) بتقرير المرحلة الأولى من دراسة للقراءة في الوطن العربي، ظهر بالإنجليزية بعنوان "ماذا يقرأ العرب؛ دراسة وصفية تحليلية للقراءة في الوطن العربي" (1). و تشمل هذه المرحلة الأولى من الدراسة خمس دول هي مصر، ولبنان، والسعودية ، وتونس، والمغرب. ويتكون هذا التقرير، الذي يشغل ثلاثمئة وستًا وعشرين صفحة من القطع الكبير، بالإضافة إلى تسع و ثلاثين صفحة في ترقيم مستقل، يشغلها الملحق, يتكون من خمسة عناصر، هي ملخص ما انتهت إليه الدراسة من نتائج، وبيان أهداف الدراسة، ووصف المنهج، والنتائج التفصيلية موزعة على الدول الخمس، والملحق المشتمل على الاستبانة وقائمة المراجعة المستخدمتين في تجميع البيانات.
وتهدف هذه الدراسة، في نظر المسئولين عنها، إلى ما يلي:
· التحقق من العادات القرائية للمتعلمين في الوطن العربي، واتجاهات هؤلاء المتعلمين نحو القراءة.
· الإحاطة بالوضع الراهن للقراءة في الوطن العربي، والتحقق من فئات القراء.
· الكشف عن الوسائط أو القنوات أو الأوعية المتوافرة، والمفضلة من جانب القراء.

ويبدأ عرض النتائج التفصيلية للدراسة الخاصة بكل دولة من الدول الخمس، بالنسبة المئوية للقراء في المجتمع، وينتهي بخلاصة، ويصنف النتائج في سبع فئات رئيسة على النحو التالي:
1. العادات القرائية ، وتشمل:
1/1 قنوات القراءة.
1/2 كثافة القراءة.
1/3 أماكن القراءة.
2. اتجاهات القراءة ، وتشمل:
2/1 دوافع القراءة.
2/2 مدى انتشار القراءة في مختلف الشرائح الاجتماعية والاقتصادية، والفئات النوعية والعمرية.
2/3 التوزيع اللغوي لما يُقرأ.
3. الفرص المتاحة للحصول على الكتب، وتشمل:
3/1 قنوات الإعلام والتوثيق.
3/2 قضايا الترويج والتسويق.
3/3 قضايا التسعير والقدرة الشرائية.
3/4 إعارة الكتب واستعارتها.
4. محتوى ما يُقرأ ، ويشمل:
4/1 الموضوعات.
4/2 المؤلفين.
5. قضايا اللغـة ، وتشمل:
5/1 اللغات المفضلة.
5/2 الترجمات.
6. اتجاهات القراء، وتشمل:
6/1 اتجاهات القراء نحو الكتاب.
6/2 اتجاهات القراء نحو القراءة.
6/3 اتجاهات غير القراء.
7. أسلوب حياة القراء ، وتشمل:
7/1 أنشطة شغل الوقت.
7/2 توزيع الوقت على الأنشطة خلال أسبوع العمل.
7/3 توزيع الوقت على الأنشطة في نهاية الأسبوع.
7/4 شغل وقت الفراغ.
7/5 أسلوب حياة غير القراء.

هذه هي القضايا والموضوعات التي حظيت بالاهتمام في هذه الدراسة. ومن الملاحظ الامتداد الأفقي الذي يحول دون التعمق في دراسة أي من هذه القضايا، في الوقت الذي ينبغي أن تجنح فيه مثل هذه الدراسات نحو التركيز على القضايا الدقيقة المحددة. وبصرف النظر عما انتهت إليه هذه الدراسة من نتائج، فإن لنا علي منهجها بعض الملاحظات ، تتعلق أولاها بالعينة ، وتتعلق الثانية بمستوى التحليل، وتتصل الثالثة بتوقيت إجراء الدراسة، في حين تتصل الرابعة الأخيرة بلغة الاستبانة.
أما فيما يتعلق بالعينة، فقد التزم المسئولون عن هذه الدراسة بحجم موحد للعينات في الدول الخمس، وهو ألف فرد فقط من كل دولة، علي الرغم من اختلاف الظروف السكانية لكل مجتمع من المجتمعات الخمسة. ولا نرى مبرراً لتوحيد حجم العينة. أضف إلى ذلك تميز الظواهر التي تتعامل معها هذه الدراسة بالدقة، الأمر الذي يستلزم الاعتماد علي عينات كبيرة نسبياً حتى تتضح معالم مثل هذه الظواهر والنتائج المتصلة بها. وفضلاً عن ذلك فإن مجتمع القراء عادة ما يتسم بالتنوع، وكثرة أسس تقسيمه إلى فئات، إذ لا يضارع تنوع فئات الكتب وأوعية المعلومات، من حيث أشكالها المادية، وأساليب التعبير، ومدى الأصالة في المحتوى، والفئات النوعية، والفئات الوظيفية، والتوزيع الجغرافي، والفئات اللغوية، والفئات الموضوعية ... إلى آخر ذلك من خصائص مجتمع أوعية المعلومات، لا يضارع ذلك إلا تنوع القراء، التي لا تقتصر علي العيش في المجتمعات الحضرية والمجتمعات الريفية، والنوع ، والطبقة الاجتماعية، والظروف الاقتصادية، والفئات العمرية، كما حدث في هذه الدراسة وإنما تشمل أيضاً المستويات القرائية، والتخصصات الموضوعية، والالتزامات الوظيفية ... إلى آخر ذلك من الأسس المحتملة لتقسيم مجتمع القراء إلى فئات لها انعكاسها علي الاتجاه نحو القراءة، ودوافع القراءة، والاهتمامات القرائية، ومدى كثافة القراءة ... إلى آخر ذلك من عوامل ومتغيرات. وبتوزيع عينة الدراسة الصغيرة هذه علي مختلف الفئات يصبح نصيب الفئة عدداً لا يذكر من المفردات، لا يكفل التمثيل المناسب للمجتمع، ولا يمكن أن يسفر بالتالي عن نتائج يعتد بها. ومن الملاحظ أيضاً أن هذه الدراسة لم تراعي تنوع الكتب وغيرها من أوعية المعلومات، ومن ثم تنوع فئات القراء ودوافعهم للقراءة. ولعل من أهم ما يميز الكتاب كسلعة، ومن منظور التسويق، كثافة التنوع في العرض، المرتبط وثيقاً بالتنوع في الطلب .
وقد انعكس صغر حجم العينات سلباً علي مستوى تحليل النتائج، إذ اقتصر التحليل على حساب النسب المئوية. والغريب في الأمر أن المسئولين عن الدراسة، علي الرغم من إدراكهم لهذا القصور المنهجي، لم يفعلوا شيئاً لتداركه أكثر من مجرد تسجيل ملاحظة في ذيل كل صفحة من صفحات التقرير، ربما كانت بمثابة اعتذار ضمني، مفادها أن النسب المئوية وإن كانت تعطي مؤشرات من البيانات المعتمدة في التحليل، فإنها لا قيمة لها نظراً لقلة عدد الاستجابات. ولم نجد بالطبع في هذا التقرير أبسط محاولات التحليل العاملي علي الرغم من أهميته في مثل هذه الدراسات .
وعلي الرغم من صدور تقرير الدراسة باللغة الإنجليزية، وهو أمر لا تفسير له عندي، صيغت الاستبانة، أداة البحث الرئيسية المكونة من مئة وثمانية أسئلة، بالإنجليزية أيضاً مصحوبة بما يقابل الأسئلة بلهجة عامية عربية. وهذه الاستبانة موجهة، نظرياً على الأقل، للقراء في جميع الدول العربية المزمع دراسة القراءة فيها، ولا ندري لماذا تجاهل المسئولون عن هذه الدراسة استخدام اللغة العربية الفصحى، التي تشكل نظرياً قاسماً مشتركاً بين جميع القراء في الوطن العربي. ولا ندري أيضاً أي اللهجات العامية العربية استخدمت في هذه الاستبانة التي جاءت ملحقاً لنتائج الدراسة في خمس دول عربية. وهل من المنتظر استخدام لهجات عامية عربية تناسب مختلف الدول العربية التي ستشملها الدراسة في المستقبل؟ وإذا كان المسئولون عن هذه الدراسة يرون في اللهجات العامية أنسب سبيل لمخاطبة القراء العرب، فلماذا لم يستخدموا أيضا إحدى اللهجات العامية الإنجليزية؟ أم أن الإنجليزية لا يمكن أن تمس لأن لها من يحميها، بينما تبدو العربية وقد هانت علي أهلها؟ أليس هذا هو العبث بعينة؟ ومن الجدير بالذكر أن كثيراً من الأخطاء اللغوية قد تسللت للنص الإنجليزي. وإن دل ذلك علي شيء ، فإنما يدل علي أن المسئولين عن هذه الدراسة لا يجيدون الإنجليزية، ويستهينون بالعربية، فما هي لغتهم يا ترى؟
ومن بين مظاهر تدني مستوى الأداء اللغوي في هذا العمل أن العربية العامية قد وردت في هذا التقرير "عربي عامي" وأن العربية الفصحى وردت "عربي فصحة" (ص 37 في الملحق) . أما عن الأخطاء في الإنجليزية فنكتفي الإشارة إلى عناوين أجزاء الاستبانة، ( ص3 ، و11 ، و19 ، و20 ، و24 ، و27 ، و31 ، و33 ) علي سبيل المثال لا الحصر. وإذا كان هذا هو مستوى الأداء اللغوي في دراسة للقراءة وتسويق الكتاب، فكيف يمكن أن يكون الأداء في دراسة لتسويق المسلي الصناعي ومساحيق الغسيل؟
ولتوقيت إجراء مثل هذه الدراسات أهميته بالنسبة لما يمكن أن تسفر عنه من نتائج، إذ ينبغي تجنب إجراءها في الأوقات التي يمكن أن تتأثر بالمناسبات والتقلبات الموسمية، ولم نجد في تقرير هذه الدراسة إشارة إلى الوقت الذي أجريت فيه، سوى ما ورد في رأس الصفحة الأولي من الاستبانة " الخامس من يوليو- مصر " . وهى إشارة غامضة لا تدل علي شيء.
وهناك الكثير مما يمكن أن يسجل علي هذه الدراسة من مآخذ تتصل بتطبيق المنهج . وبقدر إمعان النظر في تقرير المرحلة الأولى من هذه الدراسة يتكشف المزيد من مظاهر العبث بالمنهج، الأمر الذي يثير الشكوك في هذه الدراسة وجدواها، ومصداقية ما انتهت إليه من نتائج. ويمكن القول بأن تصنيف نتائج هذه الدراسة في الأقسام السبعة التي حرصنا على تسجيلها، إنما هو في واقع الأمر مجرد هيكل بلا مضمون، حيث لم تتخذ هذه الدراسة من المنهج سوى الشكل، كما بدا بعض ما انتهت إليه من نتائج وكأنه قد أعد سلفاً لتأكيد صورة نمطيه تقليدية للمجتمع الثقافي العربي.
وفي هذه الدراسة درس ولا شك، إذ تقدم نموذجاً واضحاً للعبث بالمنهج. إن دراسة تسويق الكتاب، كما نعلم، ينبغي أن تضع خصوصية الكتاب كسلعة في العرض، وخصوصية الطلب علي هذه السلعة، في الحسبان. كما ينبغي أن تلتزم مثل هذه الدراسة بقواعد المنهج وأصوله (2) حتى تدعم الثقة فيما يمكن أن تسفر عنه من نتائج، وتعزز احتمالات الإفادة من النتائج في رسم السياسات وتوجيه الإعراب عن مدى حرصها علي احترام قيم مجتمعها وثوابته .
الحواشي :
(1) What Arabs Read: a Pan – Arab Survey of readership : Phase one : Egypt, Lebanon, Saudi Arabia, Tunisia, Morocco. Synovate, n. p. , 2007 . 326 , 39p .

(2) وانج ، بيلنج . مناهج البحث وطرائقه في دراسة سلوك المستفيدين من المعلومات، ترجمة حشمت قاسم. دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات، مج11 ، ع1 ، يناير 2006م. ص ص 105– 191.

للاستشهاد المرجعي:
حشمت قاسم. القراءة في الوطن العربي والعبث بالمنهج. دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات. مج12، ع1 (يناير 2007). ص ص 7-13. متاحة على:

http://arab-librarians.blogspot.com/2008/05/blog-post_17.html