أ. د. حشمت قاسم
أستاذ المكتبات وعلم المعلومات
كلية الآداب – جامعة القاهرة
المعلومات هي العامل المحفز في جميع الأنشطة البشرية ، إذ ينعكس مدي استثمارها ، إيجابيا أو سلباً على نتائج هذه الأنشطة . ومن ثم فإن المعلومات ، سواء نظرنا إليها كظاهرة أو كمورد ، لا تقبل الاستقطاب لأي سباق زمني أو مكاني . فالمعلومات للكافة بلا استثناء ، لأن الإنسان يعيش بالمعلومات كما يحيا بالهواء والماء . والكل ، أيا كان موقعه على خريطة مجتمعه ، مهتم بالمعلومات رضي أو أبى ، سواء أدرك هذه الحقيقة بوعي أم لم يدركها . وبقدر ما تزداد الأمور صعوبة وتتعقد المواقف أو تتأزم ، تزداد الحاجة إلي المعلومات إلحاحاً ما لم تكن الغفلة - والعياذ بالله - طاغية سائدة، وبقدر الحرص والوعي ترتفع وتيرة الجهود الرامية إلي تيسير سبل الإفادة من المعلومات وتهيئة الظروف المواتية لاستثمارها من جانب مختلف الفئات، في شتى المجالات وعلى اختلاف المستويات. وتهيئة سبل الإفادة من المعلومات ليست اختراعا عصريا وإنما تضرب بجذورها في أعماق تاريخ الوعي الإنساني. وتطورت هذه السبل مسايرة لتطور معدلات تدفق المعلومات وتطور مقومات هذا التدفق. ومما لا شك فيه أن العقود الأربعة الأخيرة قد شهدت تطورات علمية وتقنية فاقت في مداها كل ما حققته البشرية من إنجازات عبر تاريخها الطويل.
وقد كان من الطبيعي أن يصاحب هذا التطور غير المسبوق تداول مصطلحات تدور في فلك دعم مقومات استثمار المعلومات لخدمة أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، كما كان من الطبيعي أن تكتسي هذه المصطلحات ببعض سمات العصر لكي تجد لها مكانا في الدلالة على مفاهيم لا جديد فيها من حيث الجوهر وإن كان هناك جديد ففي المظهر فدعم مقومات استثمار المعلومات هو الهدف الأساس لجميع المجتمعات الواعية على مر العصور. ويشمل هذا المفهوم، من بين ما يشمل، استخدام تقنيات المعلومات أيا كان شكلها وآيا كان مدى تطورها في تنظيم تدفق المعلومات على النحو الذي يكفل وصولها لكل من يحتاج إليها بالشكل المناسب والقدر المناسب في الوقت المناسب. كما يشمل أيضا تهيئة المجتمع لاستثمار ثروة المعلومات بما في ذلك التربية المعلوماتية ومحو الأمية المعلوماتية.
ومن بين المصطلحات التي استعملت في غضون العقود الثلاثة الأخيرة، للدلالة على دعم مقومات استثمار المعلومات "عصر المعلومات"و "مجتمع المعلومات" و "إضفاء الطابع المعلوماتي Informatization". وفضلا عما يكتنفها من غموض، هناك من يرى استبدال "المعرفة" بـ "المعلومات" في المصطلحين الأولين، ظنا منه أن الأولى أعلى مرتبة من الثانية، بينما العكس هو الصحيح، على ضوء ثقافتنا الإسلامية ومعطيات نظامنا اللغوي العربي، ونرجو أن يكون المصطلح الثالث أقل غموضا من سابقيه.
إضفاء الطابع المعلوماتي، أو إسباغ الطابع المعلوماتي، أو النسق المعلوماتي، أو النهج المعلوماتي، أو التهيئة المعلوماتية، وكل هذه مقابلات عربية مقترحة للمصطلح الأجنبي Informatization ، يقصد به "التحول الاقتصادي والاجتماعي المعتمد على تقنيات المعلومات والاتصالات" . فتقنيات المعلومات والاتصالات من التقنيات متعددة الأغراض، التي يمكن أن تنهض بدور لا يستهان به في إعادة هيكلة الاقتصاد على نحو جوهري، وعلى عكس التطورات التقنية التدريجية التي يتحقق فيها التغير التقني بخطوات وئيدة، أو يمكن التنبؤ بها، فإن التقنيات متعددة الأغراض تمثل ابتكارات جوهرية، أو اختراقات، عادة ما تسفر عن حدوث تحول في مسار التطورات التقنية. وتقنيات المعلومات والاتصالات ابتكارات قادرة على تيسير ودعم المزيد من الابتكارات إذ تؤدي إلي تيسير الابتكار في مجالات الإنتاج وقطاعات الخدمات إلي حد بعيد، على النحو الذي يؤدي إلي ارتفاع معدلات نمو الأعمال التي تتمتع بحماية حقوق الملكية الفكرية، وبراءات الاختراع التي يتم تسجيلها بمعدلات أسرع مما كان يتحقق من قبل، فضلا عن مضاعفة سرعة أنجاز الأنشطة والعمليات الاقتصادية، على النحو الذي يؤدي إلي تغير الأفق الاقتصادي برمته.
فإضفاء الطابع المعلوماتي إذن ليس مجرد ظاهرة اقتصادية وإنما يدخل أيضا في عداد التحولات الاجتماعية التي تصب في قناة الصالح العام للمجتمع. فتقنيات المعلومات والاتصالات تضفي القيمة بتيسير عمليات وإجراءات تجهيز المعلومات وتنظيمها واختزانها واسترجاعها وبثها. ومن الممكن مقارنة الآثار التي ترتبت على تطور الطباعة؛ فكلاهما يكفل للإنسان القدرة على الحصول على المعلومات بتكلفة يمكن للسواد الأعظم تحملها. ويقوم إضفاء الطابع المعلوماتي على أربع دعامات، هي: الإطار القانوني والتنظيمي لتدفق المعلومات، والبنية الأساس للاتصالات بعيدة المدى، وصناعة تقنيات المعلومات والاتصالات، ومحو أمية تقنيات المعلومات وتنمية مهارات التعامل مع هذه التقنيات.
ولكي لا يكون مصطلح "إضفاء الطابع المعلوماتي" كغيرة من المصطلحات المرتبطة به دلالياً، أشبه بقنابل الدخان التي يمكن أن تحجب الرؤية وتطمس معالم الحقيقة نود توضيح ما يلي :
1) المعلومات هي الأساس في تكوين المجتمعات البشرية وغير البشرية أيضاً. ولكل مجتمع أيا كان موقعه على سلم التنمية الاجتماعية والاقتصادية طابعه المعلوماتي الذي يمكن أن يميزه عن غيره من المجتمعات. فكما أنه من الممكن أن تكون هناك مجتمعات معلومات بعدد ما هنالك من مجتمعات بشرية، يمكن القول بأن جميع المجتمعات، بلا استثناء، معلوماتية بطبيعتها، معلوماتية في سداها ولحمتها. ولا يمكن للمعلومات أن تكون مجرد طلاء خارجي أو سطحي.
2) لا ندري لماذا اقتصرت المقارنة هنا بين تقنيات المعلومات والاتصالات من جهة والطباعة من جهة أخرى. أليست الطباعة من تقنيات المعلومات والاتصالات وهل تفوق أهمية الطباعة أهمية كل ما سبقها من تطورات جوهرية في مجال المعلومات، بدءاً بتطور اللغات وتطور أدوات الكتابة وغيرها. وتاريخ البشرية، كما نعلم، سلسلة متصلة من ثورات المعلومات التي أدت إلي تطور تقنيات المعلومات والاتصالات إلى ما هي عليه الآن وما يمكن أن تكون عليه في المستقبل.
3) لماذا التركيز في مفهوم إضفاء الطابع المعلوماتي على ضلعين فقط من أضلاع مثلث المعلومات من الناحية التنظيمية، وهما الحاسب الآلي، وقنوات التدفق، ومن ثم تجاهل الضلع الأهم الصامد الذي يمد الضلعين الآخرين بمبررات وجودهما ألا وهو المحتوى. فالمعلومات ليست تقنيات فقط، وبدون المحتوى تصبح تقنيات المعلومات مجرد أعجاز نخل خاوية؛ إذ تتوقف حيوية هذه التقنيات على تدفق المحتوى في أوصالها.
4) من الممكن إضافة دعامة خامسة لإضفاء الطابع المعلوماتي، وهي تعزيز قدرات إنتاج المعلومات على النحو الذي يسهم في تنمية المعرفة البشرية، والتصدي لما يواجهه المجتمع من تحديات في قطاعات الإنتاج والخدمات.
بمثل هذه المصطلحات التي تنطوي على مجافاة لطبيعة المعلومات، وبدون هذه المصطلحات تواصل تقنيات المعلومات والاتصالات مسيرة تطورها استجابة لتطور معدلات تدفق المعلومات، وتزايد أهمية دور المعلومات في اتخاذ القرارات ومواجهة التحديات، وتزايد الحرص على استثمار ثروة المعلومات، ذلك الحرص الذي يعد مداه أهم العوامل تميز المجتمعات عن بعضها البعض. كما أن العمل على دعم مقومات هذا الاستثمار احد أهم ميادين تسابق المجتمعات.
بقي القول بأن مثل هذه المصطلحات إنما هي ناتج اهتمام كل من مهندسي الاتصالات ورجال الاقتصاد السياسي بالمعلومات. وفي ظل هذه المصطلحات يعمل البنك الدولي على ترويج قروض تمويل مشروعات البنى الأساس للاتصالات بعيدة المدى، وصناعة تقنيات المعلومات والاتصالات في بعض المجتمعات، وخصوصاً تلك التي تحتل مكانة متدنية على سلم النمو. وبقدر ما نتمنى توجيه البنك الدولي لقدر من اهتمام لإنتاج المعلومات، المحتوي الملك، والإنسان منتج المعلومات المستفيد الأول والأخير من المعلومات، نرجو استغلال هذا الاهتمام بشيء من الوعي والحرص.
للاستشهاد المرجعي:
حشمت قاسم. إضفاء الطابع المعلوماتي. دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات. مج13، ع2 (مايو 2008). متاحة أيضا على:
http://arab-librarians।blogspot.com/2008/07/blog-post_9406.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق