٢٠ أبريل ٢٠١٢

جدل حول وسائل التواصل الاجتماعي.. وهل يمكن اعتبارها صحافة؟


جدل حول وسائل التواصل الاجتماعي.. وهل يمكن اعتبارها صحافة؟
جدل يدور حاليا بين الصحافيين حول التعريف المهني لما يعرف بمواقع التواصل الاجتماعي social media كـ«تويتر»، و«فيس بوك»، و«ماي سبيس»، و«يوتيوب»، و«لينكيد - اين»، و«واين»، و«ديغ»، و«لايف - جورنال»، على سبيل المثال لا الحصر، فهي قمة جبل الثلج الذي يغطس في محيط الاتصالات بين ملايين البشر.
هل هذه الوسائل محيط صحافي جديد؟
المقابل العربي لكلمة media (خطأ لكن القاعدة الصحافية تفضيل الخطأ المفهوم للعامة على الصحيح القاصر فهمه على المثقفين)، الكلمة وصيغ الجمع للمفرد اللاتيني، وسط أو وسيط medium.
تعريفه لغويا medium of communication between people محيط التواصل بين الناس. «محيط».. هنا بمعنى روابط، لأن مياه المحيط متواصلة مهما بعدت المسافة. التواصل أو المواصلة غنية عن التعريف كطريق في اتجاهين.
الصحافة التقليدية (المطبوعة) تبدو وسيلة تواصل واحدة الاتجاه، لكنها عمليا في اتجاهين، بالتمعن في الكلمة المحورية في تعريف الصحافة media، وأقصد «الناس» كمحيط تواصل بينهم.
فالقصة الصحافية دائما عن الناس، وحتى لو عن الحيوان أو العلم أو الظواهر الطبيعية، فهي عن علاقتها بالناس وما يهم الناس منها.
أخبار ناس يقرأها أو يسمعها أو يشاهدها أناس آخرون، وينقلها مجموعة أناس (الصحافيون).
استكشاف رأي الناس وما يهمهم (بشتى الوسائل) قديم قدم صحافة كهوف الإنسان الأول، ويأتي باتجاه محطة الاستقبال - الإرسال (صالة التحرير).
تاريخيا، استغرقت مسافة نقل الخبر أسابيع (بحرا أو بالدواب)، فأياما (بالبريد)، فساعات (بالتلغراف)، فلحظيا «على الهواء» أو على الـ«بلاك بيري» أو الموبيل في حالة «توتير»، لكن تعريف الصحافة لم يتغير.
الـ«فيس بوك»، أشهر هذه الوسائل، بدا كمحيط اتصال اجتماعي، حماتي قبل سنوات اعتبرته وسيلة تعارف الجنسين لانشغالها الدائم بمهمة البحث عن العريس المناسب لمن تجاوزن العشرين من بنات الأسرة.
أكثرية النساء يعرضن صور الأطفال على الـ«فيس بوك» أو التفاخر بتصفيفات الشعر والملابس الجديدة العطلات الفاخرة على الصديقات أو إغاظة شقيقة الزوج. أي مهمة إعلامية في حدود دائرة المعارف ومعارفهم (أصدقاء friends بتعريف «فيس بوك»). وهو للمرشحين السياسيين فاترينة لبضاعتهم، أو إحراج المنافسين.
الـ«فيس بوك» للصحافيين، مع الـ«توتير» (micro – radio) إذاعة مصغرة لسبق المنافسين بالخبر، أو إسالة اللعاب لنشرة الأخبار القادمة في محطة مرسل الـ«تويتر».
أثناء ثورات الربيع العربي، (تعبير خاطئ جغرافيا وتاريخيا وعرقيا، أستخدمه على مضض لشيوعه صحافيا)، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي «لمصدر» عن تحركات الثوار، فينطلق المراسلون لانتظار تجمعهم أو السير معهم، خاصة بكاميرا التلفزيون كالزميلة ألكسندرا كروفورد (شبكة سكاي) في الإسكندرية أثناء الثورة أو سبق المنافسين للقاء ثوار الزاوية انطلاقا لدخول طرابلس بصحبتهم.
وكانت أيضا وسائل للتحقق من تضليل صحافة وزارات إعلام الديكتاتوريات، لكنها لعبت دورا تاريخيا كوسيلة نقل الموجة الثورية من شارع إلى ميدان، ومن مدينة إلى أخرى، كما رأينا في تونس، وكحماية في مصر (اتصالات لاستراتيجية الاحتفاظ بميدان التحرير في ليلة فاصلة عقب موقعة الخيول والجمال؛ وتشكيل لجان حماية الأحياء بعد انسحاب البوليس)، ثم عبر الحدود إلى ليبيا واليمن وسوريا.
بعد انصراف المليونيات من الميادين، أصبحت صحافة المواطن citizen journalism بنقل الخبر وصياغته على يد مستهلكه بالكلمة والصورة والفيديو خاصة «يوتيوب»، و«فيس بوك» و«لايف جورنال»، وكمصدر إخباري إضافي (لم يصبح بديلا بعد) للصحافة التقليدية.
التطوران الآخران، لا بد من تناولهما بحبة ملح، قبل قبول دور وسائل التواصل الاجتماعي «كصحافة» تاريخيا.
كان «فيس بوك» القاعدة التنظيمية منذ 6 أبريل (نيسان) 2008 لطلائع الثورة في مصر، ثم أصبح الـ«تويتر» لاسلكي مظاهرات الثورة وزوارق إنزال المليونيات التي أسقطت رئاسة حسني مبارك. لكن الوسائل نفسها فشلت في إطالة عمر الانتفاضة الإيرانية على تزوير الملالي وأحمدي نجاد لانتخابات الرئاسة الإيرانية، التي أخمدتها وسائل عنف بالغة القسوة والوحشية (وهو ما نصح به الإيرانيون حليفهم ديكتاتور دمشق في التعامل مع المتظاهرين بوحشية القمع الدموي). كما أنها تحولت إلى سلاح مضاد ارتد إلى صدور ثوار سوريا.
المخابرات السورية استخدمت وسائل تجسس متقدمة تكنولوجيا أرضا وبحرا وجوا، وحتى فضاء، بمساعدة الحلفاء الروس. وتمكنت من اختراق كثير من خلايا المعارضة والقضاء عليها عبر الوسائل نفسها التي أشعلت ثورتي تونس ومصر.
«جبهة التحرير» الجزائرية في الستينات وظفت الخلية المثلثة. عضو كل خلية كون خلية أخرى من مناضلين مجهولين تماما لرفيقي خليته الأولى. فقبض الفرنسيين على مناضل (مهما تعرض لتعذيب) اقتصر على خسارة اثنين فقط. بينما اختراق المخابرات السورية لـ«توتير» أو «فيس بوك» قادهم إلى عشرات من «أصدقائه» ومتابعيه followers.
دور نشطاء المواقع السوريين كصحافيين مواطنين جاء بآثار سلبية تفوق الإيجابية. بالتكنولوجيا الروسية حددت المخابرات السورية جغرافيا أماكن وجود الصحافة العالمية التي تتبعت صحافة المواطن، وقصفها النظام الدموي بوحشية (وكان مصرع الزملاء في حمص، وعلى حدود لبنان)، فأحجمت الصحافة عن نشر المراسلين الذين أصبح وجودهم استثناء في سوريا بعكس وجود مئات المراسلين (من جميع الجنسيات) في ميدان التحرير وحده أثناء ثورة اللوتس.
صحافة المواطن في سوريا جاءت بنتائج عكسية. فكشاهد على وحشية النظام، دفعت المواطن في الديمقراطيات الغربية إلى الاشمئزاز من دموية مافيا الأسد، لكن الصور نفسها أقنعته كناخب بمنع حكومته من التدخل.
الأمر التاريخي الآخر تلاحظه في نشرات أخبار الشبكات المحترمة عالميا كـ«سكاي»، و«إي تي إن»، و«بي بي سي». فعند عرض لقطات فيديو أو صور «صحافة المواطن» من داخل سوريا، ستسمع فورا تحذيرا باستحالة التحقق من صدق الخبر، وبالتالي التشكيك في صحته.
وهذه الملاحظة هي محور مناقشتنا لدور هذه الوسائل تاريخيا. فكصحافيين مررنا بتدريب طويل علي يد أسطوات فليت ستريت، ونلتزم بقواعد وتقاليد وسلوكيات للتحقق من الخبر وامتحان مصادره بحيادية. هواة الصحافة من كتّاب المدونات، أو ممارسو صحافة المواطن - لم يتلقوا تدريبا يعترف به؛ ولحداثة الوسائل، تغيب التقاليد ولوائح التنظيم وسوابق نرجع إليها كصحافيين تقليديين لنطمئن إلى حرفية ومصداقية هذه الوسائل، مهما كان نبل غاية أصحابها.
لا شك في أن التقادم بمرور الزمن سيلعب دوره في خلق سوق استهلاكية محدودة (بلا دخل يذكر) لصحافة المواطن أو وسائل التواصل الاجتماعي، لكن لا أعتقد أن التاريخ سيعترف بها كصحافة بالمعنى المتفق عليه لعقود قادمة.

الشرق الأوسط ، 19/4/2012

ليست هناك تعليقات: