جامعة الدول العربية بالتعاون مع اليونسكو ومركز توثيق التراث: مشروع لجمع ذاكرة العرب!
ماذا لو سار العالم كله نحو تدوين تراثه ووقفنا نحن؟ ألن نخرج من بوابة التاريخ إلي ساحة النسيان؟!.. ماذا لو لم ندون تاريخنا وتراثنا علي شبكة الإنترنت؟ ماذا يمكن ان يحدث لو لم نوثق كل الاسهامات العلمية والأدبية التي أنتجها العرب علي مدي تاريخهم الطويل في عالم يتغير كل دقيقة وتسقط الكثير من تفاصيل الماضي بتغيره؟فببساطة إذا لم نتحرك الان فسوف يفقد العالم العربي تاريخه واسهاماته ويصبح العرب بلا ذاكرة وهو ما يعني ان نبدأ من نقطة الصفر لكي يكون لنا اسهام علمي أو ثقافي في هذا العالم المتغير.وكبداية شهد عام2005 ورشة العمل الأولي لمشروع ذاكرة العالم العربي والذي تبناه مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع لمكتبة الاسكندرية بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية ومنظمة اليونسكو وجامعة الدول العربية والتي أكدت الحاجة الي ايجاد مشروع مشترك للتراث العربي عرف باسم مشروع ذاكرة العالم العربي والذي يهدف الي جمع كافة مؤسسات العالم العربي المهتمة بتوثيق التراث ونشرة لإصدار بوابة إلكترونية مشتركة تضم اسهامات التراث العربي لاثنين وعشرين دولة عربية.وكما يقول د.فتحي صالح مدير مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي, هذا المشروع يعد من أهم المشروعات حيث إن للمركز خطوطا رئيسية خاصة بتوثيق التراث الأثري والتراث المعماري في مصر والتراث الشفهي والشعبي ولدينا العديد من المشروعات, منها مشروع ذاكرة مصر الفوتوغرافية للتعرف علي صورة الحياة في مصر منذ مائة عام ووضع ملحمة أبو زيد الهلالي علي قائمة التراث الشفهي العالمي واسهامات الحضارة العربية في العلوم وقد صدر جزء خاص بالعلوم الطبية ثم العلوم الفلكية, وعندما بدأنا الدخول في مشروعات مع الاتحاد الأوروبي لمناقشة تراث منطقة حوض البحر المتوسط وجدنا فرصة للاجتماع ببعض الدول العربية التي تعمل في هذا المشروع وتناقشنا حول توثيق التراث العربي من خلال مشروع قومي.ومنذ عامين اجتمع بالفعل وزراء الاتصالات العرب وطرحوا المشروع وتمت الموافقة عليه تحت مظلة جامعة الدول العربية, فنحن الآن في عالم الانترنت وللأسف معظم المحتوي يكتب باللغة الإنجليزية ثم تأتي اللغة العربية بشكل متواضع, فلابد أن نجمع تراثنا ونضع المعلومات الصحيحة علي الانترنت الذي يحصل منه شبابنا علي المعلومة الخطأ من مصادر غير معروفة, كما اننا إذا لم نؤكد فكرة المنشأ العربي واللغة العربية علي الإنترنت سنجد انفسنا في مأزق حضاري كبير.ويؤكد د.عبد العزيز عبيد ممثل منظمة اليونسكو استعداد المنظمة في المساهمة في هذا المشروع الطموح في إطار برنامجها ذاكرة العالم والذي انطلق عام1992 لصيانة التراث والوثائق العالمية ويحكمه استشارية دولية لتوضيح الرؤية وتعمل مع المؤسسات المختصة مثل المجلس الدولي للتوثيق والهيئة العالمية للمكتبات ويهدف الي صون التراث والوثائق للعالم وتحسين إمكان الانتفاع به باستخدام تكنولوجيا المعلومات الحديثة.فالمشروع يقوم علي الصيانة والانتفاع ويبدو عملا متكاملا. ويضيف د.عبد العزيز عبيد: وبالنسبة للجنة الاستشارية الدولية فهي تتكون من أربعة عشر عضوا يعينهم المدير العام لليونسكو بصفتهم الشخصية ويمثلون مختلف المناطق.وهناك توصيات بتعيين لجنة وطنية تتولي تحديد التراث الوثائقي في كل دولة, ونحن الآن في أشد الحاجة الي انشاء لجنة اقليمية عربية لتجميع عناصر التراث العربي الذي يبدو متسعا للغاية.فإلي الآن تبدو المنطقة العربية ممثلة بثلاث دول فقط وهي مصر ولبنان والمملكة العربية السعودية وتملك خمس موضوعات في مشروع ذاكرة العالم نذكر منها مشروع ذاكرة قناة السويس الذي وضعته مصر.ولهذا لابد من وضع خطة عمل لانجاز مشروع جدي فوجود مكتبة الكترونية عريقة علي شبكة الانترنت صار ضرورة فهناك دول تملك مخطوطات تصل بالآلاف والملايين, ففي افريقيا وحدها توجد مخطوطات عربية في النيجر ونيجيريا والصومال واريتريا وتوجد في مدينة تمبكتو بمالي مراكز للتراث تضم وحدها20 ألف مخطوطة عربية.وتوضح هند مصطفي مدير العلاقات الدولية بمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي أهمية الذاكرة التوثيقية في زمن توجد فيه الكثير من التهديدات المتمثلة في صراعات في منطقة الشرق الأوسط تهدف الي محو الذاكرة الجماعية التي تحفظ تجارب الشعوب وخاصة وان اسرائيل حاولت محو الذاكرة الجماعية للفلسطينيين والعبث بالاحداث التاريخية.ولدينا في مصر مشروع مصر الخالدة الذي استطاع المركز من خلاله اطلاق رؤية عربية لتاريخ معين وهناك توثيق لمساجد في اليمن وتسجيل لوثائق قناة السويس فالمهم الان انشاء مراكز توثيق مركزية وكلية في مختلف الدول العربية وتدريب الكوادر اللازمة واستخدام مناهج التعليم عن بعد.
جهود عربية:
ويعتقد د.زاهر عثمان مدير عام مؤسسة التراث بالرياض بالمملكة العربية السعودية ان وجود مؤسسات خاصة تعمل في مجال التراث يمكن ان يساند الجهود الرسمية.ومؤسسة التراث هي مؤسسة غير ربحية انشئت عام1969 للمحافظة علي التراث العمراني الوطني والعربي والاسلامي, وتعني المؤسسة بالكثير من الانشطة منها النشر والطباعة والمحافظة علي التراث العمراني وهما أهم جناحين تقوم المؤسسة برعايتهما.وقد بدأت المؤسسة بمجموعة من البرامج المتخصصة في العناية بالتراث منها البرنامج الوطني للعناية بالمساجد العتيقة تحت رعاية وزارة الشئون الاسلامية وقد شمل خمسة وستين مسجدا في انحاء المملكة العربية السعودية تمتد الي حقب تاريخية مختلفة.وهناك مجموعة من الأعمال لتطوير التراث العمراني بتطوير البناء بالمواد المحلية بالاضافة الي التعاون مع العديد من مؤسسات التراث في العالم منها مؤسسة امير ويلز للحفاظ علي التراث العمراني في بريطانيا ومؤسسة أرسيكا المعنية بشئون التراث والتاريخ والفنون الاسلامية التابعة لمنظمة المؤتمر الاسلامي والتي تقوم بإنشاء قاعدة معلومات للتراث الاسلامي والتي قامت في السنة الأولي بتوثيق10 آلاف موقع اسلامي عمراني.أما المشروع الأكبر فهو الأرشيف الوطني للصور التاريخية منذ بداية التصوير في الحجاز وبه أول صورة للمدينة المنورة للمصور المصري العقيد محمد صادق والتي قام بالتقاطها عام1861 وهناك نسخة كاملة في رئاسة الحرمين في مكة المكرمة ونسخة أخري في مكتبة الملك عبد العزيز بالرياض, وقد تم جمع27 الف صورة في المرحلة الأولي للأرشيف وكانت هناك قضية تحسين الصور وترميمها وانشاء قاعدة معلومات جديدة مع انشاء مرحلة جديدة من الارشيف.وعن تجربة الارشيف الوطني باليمن يقول علي سعد الطواف وكيل المركز الوطني للوثائق انشئ المركز باليمن عام1991 لجمع ما أمكن من ذاكرة اليمن. وقد تمكنا من جمع5 كيلو مترات من الوثائق تعود الي أكثر من مائة عام تطوف بنا علي موضوعات الوحدة اليمنية والإمامة والعثمانيون في اليمن والصحافة اليمنية التي تعود الي30 عاما مضت والصور الفوتوغرافية النادرة.ويطالب فريد عثمان بالمزيد من العمل علي توثيق التراث السوداني حيث ان السودان دولة واسعة وتعد أكبر دولة في افريقيا وتضم العديد من اللغات والاجناس والثقافات وهو ما يتطلب جهدا خاصا خلال مشروع ذاكرة العالم العربي.ويشير د.خالد عزب من مكتبة الاسكندرية الي الجهود التي تقوم بها المكتبة في مجال التوثيق والدراسات التاريخية والتي كانت من أهمها توثيق تاريخ بعض الاسر المصرية مثل أسرة بطرس باشا غالي التي تمتلك أرشيفا يعود الي عام1870 وتضم الكثير من تفاصيل التاريخ المصري من خلال هذه الاسرة التي تولي العديد من افرادها المناصب المهمة في مصر واسرة محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر قبل ثورة1952 والذي يضم المستند الأصلي لقضية الأسلحة الفاسدة والتي لم تكن موجودة في حال الأصل. فقد أطلق هذا الاسم عليها نتيجة خلاف علي تقييم قيمة السلاح من ايطاليا الي مصر, واقتصر الامر علي خلاف بين ديوان المحاسبة والديوان الملكي, كما تكشف وثائق هذه الأسر عن طبيعة العلاقات المصرية الأمريكية اثناء ثورة.1919
مشروعات خاصة:
وفي التصور المبدئي لمشروع ذاكرة العالم العربي تقول د.هبة نايل بركات منسق المشروع:
ستكون هناك مرحلة أولي هي مرحلة الاعداد وستستغرق عاما وتتبعها مرحلة تالية وهي مرحلة التنفيذ وتستغرق ثلاثة أعوام.أما عن محتويات هذه البوابة الالكترونية فترتكز علي حصر جميع اوجه التراث في جميع الدول الغربية بما فيها من تراث حضاري مادي ويشمل الآثار والفنون والمخطوطات والمدارس والمساجد والاسبلة والبيوت والتراث المعنوي ويشمل الفلكلور والعادات والتقاليد وجميع التراث الشفهي غير المكتوب.
نقلا عن: الأهرام ، 5/6/2007