٢٤ يوليو ٢٠٠٧

فضاء إلكتروني جديد‏..‏ ومحركات بحث مختلفة


فضاء إلكتروني جديد‏..‏ ومحركات بحث مختلفة
من المعتاد ان تبدأ بحثك علي الانترنت بكلمه او جمله تكتبها في محرك بحث‏,‏ فتتلقي النتيجه اما نصوصا او صورا او فيديو طبقا لنمط الطلب الذي طلبته‏,‏ ومن المعتاد ايضا ان ينتابك احساس بالدهشه والذهول نتيجه ما يوضع علي اطراف اصابعك من نتائج ضخمه كما ونوعا في بضع ثوان‏,‏ لكن قد يدهشك اكثر لو علمت ان كل ما تعجب به وتنبهر به الان في عمليات البحث ليس سوي نقطه بدايه بدائيه في البحث والتجوال علي الشبكه‏,‏ لاننا واقعيا بصدد فضاء الكتروني جديد يتشكل ومحركات بحث مختلفه علي وشك الظهور ستضع بين ايدينا مستقبلا واقعا لم نعهده
كانت هذه هي النتيجه التي استخلصتها من حصيله اعمال اليوم الصحفي العالمي الذي عقدته شركه جوجل صاحبه اكبر محرك بحث علي الشبكه بباريس الثلاثاء الماضي وحضره اكثر من مائه صحفي من مختلف دول العالم‏,‏ وشهد سلسله محاضرات ونقاشات شارك فيها ايريك شميت الرئيس التنفيذي‏,‏ وتشاد هيرلي وسيف تشين موسسا موقع يوتيوب للفيديو الذي يعد من اكثر المواقع شهره واثاره للجدل علي الشبكه حاليا‏,‏ وماريسا ماير نائب الرئيس لبحوث المنتجات وهي عالمه شابه تتمتع بحضور قوي وخلفيه علميه واسعه قدمت اهم ما قيل خلال اللقاء وعرضت اطلاله سريعه حول حاضر ومستقبل محركات البحث علي الشبكه‏,‏ بالاضافه الي نيكاش ارورا رئيس جوجل بمنطقه اوروبا والشرق الاوسط وافريقيا‏।‏ولكي نعرف السمات الاساسيه لفكره فضاء الكتروني جديد ومحركات بحث مختلفه لابد ان نعود للوراء قليلا‏,‏ فحينما بدات الانترنت بالانتشار عالميا في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي كفضاء الكتروني عالمي مترامي الاطراف كانت العلامات البارزه في ساحه هذا الفضاء تتمثل في بضع مئات الالاف من الصفحات والمواقع التي تضم محتوي نصي ثابت بالكامل تقريبا وحجما محدودا من المراسلات الالكترونيه‏,‏ ويتم الوصول لهذا المحتوي عبر الحاسبات المتصله به سلكيا‏,‏ وعبر السنوات العشر الماضيه تغير الموقف بشده حتي وصلنا الي المشهد الراهن الذي تحول فيه المحتوي الجامد الي متغير والطبيعه النصيه المحضه تقريبا الي متعدده الوسائط‏,‏ وعرض المعلومات فقط الي تقديم واداره الخدمات والمعاملات الالكترونيه‏,‏ وتعددت وسائل تحميل ونشر المحتوي ما بين سلكيه ولاسلكيه وارضيه ومحموله وفضائيه
وفي ظل هذه التغييرات العميقه المتسارعه اصبحت هناك اوجه اختلاف كبيره يتوقع ان نشهدها علي الفضاء الالكتروني خلال الفتره المقبله‏,‏ ويمكنني ان استخلص مما قاله الخبراء سمات هذا التغيير في النقاط التاليه‏:‏تسونامي الفيديو علي الشبكه‏:‏ ويقصد بها الزياده غير المسبوقه في ملفات وافلام الفيديو التي يجري تحميلها علي الشبكه ثم مشاهدتها مرارا بعد ذلك عبر مواقع مشاركه الفيديو ونسبه كبيره من المواقع التابعه للمؤسسات الاعلاميه والخدميه والتجاريه ومدونات الفيديو الشخصيه‏,‏ ولعل الارقام التي كشف عنها مؤسسا موقع يوتيوب الاسبوع الماضي تعطينا موشرا مهما علي حجم تسونامي الفيديو علي الشبكه‏,‏ فيوتيوب عند انطلاقته قبيل عام‏2005‏ كان يتلقي ثلاثه ملايين ملف فيديو يوميا معظمها يدور حول اللقطات التذكاريه والمناظر الطبيعيه‏,‏ لكنه الان يستقبل ست ساعات من الفيديو في الثانيه الواحده‏,‏ وبشكل عام يستقبل ويبث‏100‏ مليون شريط فيديو في اليوم‏,‏ وبشكل عام اصبح الفيديو يشكل اكثر من‏60%‏ من حجم المرور علي الانترنت‏,‏ والنسبه مرشحه للازدياد مع الزيادات المستمره في مكتبات الفيديو والاقبال المذهل علي تحميل ملفات الفيديو من قبل الافراد والمؤسسات على السواء
جموح معدلات النمو في محتوي الويب‏:‏ تتوقع موسسه اي دي سي المتخصصه في بحوث تكنولوجيا المعلومات نموا سنويا قدره سته اضعاف في حجم المعلومات الرقميه من عام‏2006‏ وحتي‏2010‏ بما في ذلك المحتوي علي الويب‏,‏ بينما يقول خبراء جوجل انهم في بدايه انشاء وتشغيل محرك بحث جوجل قبل عشر سنوات قاموا بفهرسه وتصنيف‏25‏ الف صفحه علي الانترنت‏,‏ وصلت بعد ذلك الي اكثر من مليار صفحه‏,‏ وفي كل مره يعاد فيها فهرسه الويب ترتفع النسبه بحوالي‏10‏ الي‏25%,‏ والنسبه مرشحه لان تصل الي‏50%‏ خلال وقت قصير‏,‏ وهذا معناه ان حجم المحتوي علي الويب قابل للتضاعف خلال دورات زمنيه قصيره‏,‏ ويتوقع ان يكون‏70%‏ من المحتوي الرقمي علي الشبكه وراءه افراد‏,‏ ويكفي ان نعلم مثلا ان هناك الان اكثر من مليار اغنيه رقميه تتم المشاركه فيها يوميا عبر الانترنت‏,‏ وهناك‏120‏ الف مدونه يضيفها الافراد للانترنت كل يوم
تنوع مصادر التغذيه وقنوات التوزيع‏:‏ حتي وقت قريب كانت الحاسبات هي البوابه شبه الوحيده التي يتم من خلالها توليد واضافه المحتوي علي الشبكه او استقباله ومطالعته‏,‏ لكن في الفضاء الالكتروني الجديد تغير هذا الوضع الي حد كبير‏,‏ ودخلت علي الخط الحاسبات اليدويه والتليفونات المحموله والكاميرات الرقميه والمساعدات الشخصيه التي تعمل سلكيا ولاسلكيا وفي النطاقات الصغيره والواسعه‏,‏ وعلي سبيل المثال تتحدث موسسه اي دي سي عن ان عدد الصور التي تم التقاطها بواسطه الكاميرات الرقميه الثابته في عام‏2006‏ تخطي حاجز‏150‏ مليار صوره حول العالم‏,‏ بينما بلغ عدد الصور التي تم التقاطها بواسطه كاميرات الهواتف المحموله حوالي‏100‏ مليار وتتوقع اي دي سي التقاط اكثر من خمسمائة مليار صورة بحلول عام 2010
توقع طفره في عدد المستخدمين‏:‏ حينما كان عمر الانترنت عامين فقط اي عام‏1996‏ كان هناك‏48‏ مليون شخص فقط يستخدمونها بانتظام‏,‏ وبعد عشر سنوات كسر عدد المستخدمين حاجز المليار وأصبح (واحد ، وواحد من عشرة) مليار شخص‏,‏ لكن الامر لن يستغرق عشر سنوات اخري لكي يضاف مليار مستخدم اخر للشبكه‏,‏ فاي دي سي تتحدث عن‏500‏ مليون مستخدم جديد بعد ثلاث سنوات‏,‏ بينما يتحدث اريك شميت رئيس جوجل عن مليار مستخدم جديد خلال هذه الفتره‏,‏ ومعني ذلك ان المليار الجديد سيولد خلال سنوات قليله فضاء الكترونيا جديدا مختلفا علي صعيد حجم المحتوي ونوعيته وادوات توليده واسترجاعه ومستخدميه ومشكلاته وتحدياته
خلاصة هذه السمات الجديده توكد اننا بصدد فضاء الكتروني جديد‏,‏ وطالما ان هناك فضاء الكترونيا جديدا فلابد ان يكون في الكفه المقابله محركات بحث مختلفه واكثر نضجا‏,‏ لانه بدون محركات بحث قادره علي ترويض هذا المحتوي بالفهرسه والتصنيف والترتيب وسرعه الوصول سيتحول المحتوي الي جبال مصمته من المعلومات غير المفهومه وغير القادره علي القيام بوظيفتها‏,‏ اي تصبح عبئا ثقيلا علي المتعاملين معها ولا قيمه لها‏,‏ وكاستجابه لذلك تحدث خبراء جوجل وخاصه ماريسا ماير عن جيل مختلف من محركات البحث يجري تطويره ليلبي متطلبات الفضاء الالكتروني الجديد‏,‏ ويمكن اجمال خصائصه فيما يلي‏:‏الشمـول‏:‏ اي القدره علي البحث في النصوص والصور وافلام الفيديو والمواقع العاديه والمدونات الشخصيه ومواقع الاخبار وكل مورد من موارد المعلومات علي الشبكه في وقت واحد وبشكل متزامن بدلا من استخدام محرك بحث للصور واخر للفيديو وثالث للمعلومات النصيه‏,‏ اي انك حينما تستخدم جوجل مستقبلا وتكتب اسم شخص ما تبحث عنه‏,‏ فان محرك البحث سياتي لك بافلام الفيديو والتسجيلات الصوتيه والصور الخاصه بهذا الشخص جنبا الي جنب مع المعلومات النصيه التي تاتي في صوره وثائق وصفحات‏,‏ وسيتيح الجيل الجديد تحديد طريقه عرض وتصنيف نتائج البحث‏,‏ سواء بترتيبها في مجموعات او ضمن مجموعه واحده او غير ذلك‏,‏ وخاصيه الشمول تاتي تلبيه لظاهره تسونامي الفيديو والانفجار الكبير في حجم المحتوي علي الويب وتنوع مصادره.السرعـة‏:‏ مع النمو الهائل في حجم البيانات وتنوعها تصبح السرعه تحديا كبيرا بالنسبه لاي محرك بحث‏,‏ فالبحث في‏25‏ الف صفحه ليس كالبحث في مليار او ملياري صفحه وفيلم وتسجيل وصوره‏,‏ ومع ذلك فان جوجل تتحدث عن محرك بحث يعمل وكانه شعاع ضوء يجوب محيطات المعلومات المتلاطمه ويعود للمستخدم بالنتيجه كما لو كان هذا الشعاع يدور بين عده نقاط ويعود لنقطه انطلاقه في كسور من الثانيه‏.‏ العمـق ‏:‏ كل محركات البحث تعمل حتي الان علي مستوي النص‏,‏ بمعني انك حينما تبحث عن مصر فان محرك البحث يقوم بمضاهاه الاحرف الثلاثه الميم والصاد والراء‏,‏ وهي متصله معا مع ما يوجد بقواعد بياناته من نصوص توجد بها الحروف الثلاث متصله‏,‏ وبالتالي فان كل كلمه ترد فيها هذه الحروف الثلاثه يعتبرها من الاشياء المطلوب البحث عنها ويضعها في نتيجه البحث دون ان يعلم اي شيء عما تعنيه او تدل عليه‏,‏ وتعتقد جوجل ومعها الكثيرون حول العالم ان البحث النصي مرحله بدائيه لابد من تجاوزها والبحث عن مستوي اخر تستطيع فيه محركات البحث التعرف علي معاني ودلالات الكلمات‏,‏ فيما يعرف بالبحث الدلالي اي ان محرك البحث في حاله مثال مصر لا يتعامل معها فقط كثلاثه احرف متصله ولكن ككلمه لها معني‏,‏ اي ان مصر تعني دوله بهذا الاسم لها موقع جغرافي وتاريخ ... الخ‏,‏ مما يعطي عمليه البحث مزيدا من العمق ينعكس علي مستوي دقه النتائج ويربط بين معلومات متناثره قد لا يتاح الربط بينها في حاله البحث النصي. الشخصنـة‏:‏ ويطلق عليها احيانا البحث الشخصي بمعني ان تكون عمليه البحث متناسبه ومفصله علي احتياجات وامكانات وتفضيلات القائم بالبحث‏,‏ ولتحقيق هذه الخاصيه تتحدث جوجل عن اكثر من اداه‏,‏ منها اداه تسمح بان تتم عمليه البحث وتعرض نتيجتها بلغه الباحث حتي لو كان البحث يتم في محتوي بلغات اخري‏,‏ وهذا معناه وجود اله ترجمه قويه وسريعه للغايه تعترض طريق امر البحث من الباحث وتترجمه الي كل اللغات المتاحه بمحرك البحث ثم تعترض طريق نتيجه البحث وتترجمها الي لغه الباحث الاصليه قبل ان تعرض عليه‏,‏ وبذلك فان الباحث عن كلمه مصر سيبحث بالعربيه في المواقع غير العربيه ثم يتلقي النتيجه بالعربيه بعد ترجمتها عن اللغات غير العربيه‏,‏ والمفترض ان دمج عمليتي البحث والترجمه معا لن يوثر علي سرعه البحث ولن يطيل زمن الحصول علي النتيجه مترجمه‏,‏ وقد اكد مسئولو جوجل ان الترجمه ستكون للعناوين واسماء الوصلات وملخصات الصفحات فقط‏,‏ اما الوثائق والنصوص الموجوده علي مواقعها الاصليه فلن تتم ترجمتها‏,‏ وقد اطلقت جوجل علي هذه الاداه اسم الارتجاع المعلوماتي العابر للغات
ومن ادوات شخصنه البحث ايضا اداه بناء ملف تفضيلات الباحث الذي يتتبع سلوكياته وتفضيلاته في البحث عن الزمن وتخزين نتائجه اولا باول بما يساعده علي الوصول الي المعلومات او العوده اليها بسرعه اكبر‏,‏ وبما يجعل الباحث يشعر وكان بين يديه محرك بحث خاص به
ان ما فعلته الانترنت خلال السنوات العشر الماضية قد جعل عالم 2007 مختلفا كليه عن عالم‏1997,‏ والاغلب ان حاصل جمع سمات الفضاء الالكتروني الجديد مع خصائص محركات البحث المختلفه ستجعل عام‏2010‏ أي بعد ثلاث سنوات من الان وليس عشره مختلفا عن عالم‏2007‏ لذلك علينا الاستعداد لا الانتظار
جمال محمد غيطاس، الأهرام 26/6/2007

ليست هناك تعليقات: