حلم 2009 في عالم الاتصالات وتقنيات المعلومات
أسير إخفاقات 2008 ما هو حلم 2009 في دنيا الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؟..
العديد من المؤشرات علي الساحة تقول إنه حلم غير قادر علي التحليق والانطلاق نحو الآفاق المستقبلية بحرية وعنفوان كما كان معتادا في العديد من السنوات الماضية, وحلم يختلف عما عودتنا أيضا صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بما فيها من زخم وتسارع في التطوير وقدرة ناردة علي الإبداع المتواصل, بعبارة أخري هو حلم يبدو في كثير من ملامحه وجوانبه تمنيات بالإفلات والانعتاق من قيود موروثة من عام ماضي أكثر منه بحثا عن جديد في عام يجيئ.
ومن بين المؤشرات العديدة الدالة علي ذلك ما يلي:
أولا: من الناحية الاقتصادية ـ أي فيما يتعلق بالإنتاج والبيع والشراء وأسعار المنتجات وحركة الاستثمار والعوائد والخسائر ـ نجد أن أقصي ما يحلم به المنتجون والمسوقون في2009 أن تخف آلامهم الموروثة عن عام2008 والناجمة عن وصول نيران الأزمة المالية إليهم بأسرع وأعمق مما كان متوقعا, فهم يدخلون العام الجديد وأمامهم طلب ينكمش ومشروعات تؤجل وآلاف يفقدون وظائفهم, وزبائن وعملاء40% منهم يخططون لخفض ميزانياتهم و34% يخططون لتثبيت ميزانياتهم الحالية بلا زيادة.
واللافت في هذا الصدد أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يدخل العام الجديد بحلم مقيد منكسر من الناحية الاقتصادية والمالية, علي الرغم من أنه كان من يبشر بتقديم وإبداع النظم والآليات والأدوات التي من شأنها إدارة الأعمال والتنبؤ بالمشكلات ورصدها قبل وقوعها, لكن الأزمة انفجرت وطالت الجميع دون أن تفلح أدوات ونظم تكنولوجيا المعلومات في التنبؤ بها ومحاولة تفاديها, وفوجئ بها قطاع تكنولوجيا المعلومات مثله مثل باقي القطاعات, لقد أظهرت عدة إحصائيات أجراها موقع سي آي أو في مارس ويوليو وأكتوبر أن الاتجاه إلي خفض النفقات أصبح سمة واضحة للفترة الماضية والقادمة القريبة في قطاع تكنولوجيا المعلومات.
ففي مارس الماضي كانت نسبة الذين قالوا إنهم ينوون خفض الميزانية في العام الجديد17% أما في يوليو فقد ارتفعت النسبة إلي26% ثم قفزت إلي40% في آخر استطلاع أجري في أكتوبر الماضي مع بدء ظهور الأزمة, وسرعان ما بدأت ملامح الأزمة ترتسم علي وجهه في صورة خفض للنفقات وإلغاء مشروعات تكنولوجية مستقبلية, وتسريح للموظفين وإلغاء للوظائف بالآلاف في شرق العالم وغربه, وإلغاء مشروعات للتحسين والتطوير وأنشطة التدريب وتأجيل مشروعات أخري وأحيانا امتد التأثير إلي التخلي عن دعم وصيانة بعض المنتجات بسبب تكلفتهما وقامت شركات بالتوقف عن تعيين موظفين جدد وتسريح البعض الآخر، ثم قيام العديد من الشركات بإعادة تقييم تعاقداتها والتفاوض بناء علي شروط وبنود جديدة مما أدي إلي انكشاف العلاقة بين البائع والمشتري وتخفيض الأسعار, وخصوصا أسعار أنظمة وتطبيقات الشركات والدعوة إلي التراضي والمرونة بين البائع والمشتري في أوقات الأزمات, وجميعها أمور جعلت حلم2009 اقتصاديا أسيرا مكبلا بأزمة خانقة وأقصي أمانيه أن تخف حدة الأزمة في العام الجديد أو يكون قادرا علي تحمل تبعاتها لا أكثر.
ـ ثانيا: علي مستوي المستخدمين والمستهلكين انتهي العام الماضي دون أن يتحقق شيء من الحلم الموروث منذ بداية القرن والمعروف بحلم الجهاز اليدوي المحمول البالغ الخفة من حيث الوزن والنحافة من حيث الحجم, وطويل العمر من حيث زمن تشغيل البطارية التي تعمل لعشرين ساعة بدون إعادة الشحن, ومتعدد الأغراض وسهل الاستخدام من حيث الأداء, فهو يعيد تشكيل نفسه في كسر من الثانية ليقوم بأدوار ووظائف الحاسب الشخصي ذي الشاشة الكبيرة ولوحة المفاتيح المتسعة القابلتين للطي والثني والخفيفتين في وزن الريشة، والتليفون المحمول متعدد الإمكانات القادر علي التواصل السلس بالبيانات والصوت والصورة عبر طيف متنوع من شبكات الاتصالات, والراديو الذي يستقبل مئات المحطات, والتليفزيون الذي يتنقل ما بين البث الفضائي والأرضي وآلاف القنوات, ومشغل الفيديو والموسيقي وبوابة التواصل مع الإنترنت والعالم بكل سهولة وسلاسة.
هذا الجهاز الحلم الذي بدأ الحديث عنه علي مستوي الباحثين والعلماء منذ عام99 وربما ما قبله لم يظهر للوجود حتي الآن, وتوارثته السنوات الواحدة تلو الأخري, وبدا الحديث عن قرب ظهوره منذ عام2007 مع الاندفاعة الكبيرة التي شهدتها تكنولوجيا النانو أو التصغير الفائق, وظهور وحدات التخزين الالكترونية ذات التخزين العملاق التي بدأت تحل محل وحدات التخزين المغناطيسية, وكذلك التطور الكبير الذي ظهر في عالم البطاريات والمعالجات فائقة الخفة والاستهلاك، إلي غير ذلك من التحسينات التي جسدت نفسها في تليفونات ذكية هي أقرب إلي الحاسبات, وحاسبات محمولة خفيفة الوزن بإمكانات التليفونات المحمولة, والعاملة بمختلف أنواع تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية, من البلوتوث إلي الواي فاي إلي الواي ماكس وغيرهما, فضلا عن ظهور تطبيقات ناجحة لتكنولوجيا التواصل السلس واستقبال البث الإذاعي والتليفزيوني حتي علي التليفونات المحمولة.
وعلي الرغم من كل هذه المنجزات التي تحققت خلال السنوات الماضية وخاصة في2008 فإنه لم يتم التوصل إلي حل ناجع وشاف للمشكلتين اللتين لم تجدا حلا ناجعا طوال السنوات الماضية وهما مشكلة الشاشة التي إما تكون أصغر من المطلوب بكثير حينما يكون الحل في الأجهزة الأقرب إلي التليفونات المحمولة, أو تكون أكبر مما تحتمله مواصفات الحلم حينما يكون الحل في الأجهزة الأقرب للحاسبات المحمولة, وهو التحدي نفسه القائم فيما يتعلق بلوحات المفاتيح والكتابة, فأنت إما أمام شاشة تضايقك بصغر الحجم ولوحة مفاتيح تجعل تعاملك جحيما بحروفها الصغيرة المتقاربة التي لم تعتد عليها, أو تكون أمام شاشة مريحة ولوحة مفاتيح يمكن قبولها ولكن بوزن وحجم ومستوي في استهلاك الكهرباء يتعارض مع مواصفات الحلم.
وعلي الرغم من أن الشاشات ولوحات المفاتيح القابلة للطي واللف والمتميزة بخفة الوزن الشديد تمثل أقرب حل وسط منطقي من الناحية النظرية بين هذين التحديين المتعارضين, فإنه لم يظهر من أي منهما نماذج أو أجيال مبكرة تنبيء بأن الحلم علي وشك الدخول في منعطف يقود إلي تحوله لحقيقة, وهذا الوضع يجعلني أقول إن2009 سوف يرث من هذا الحلم أصعب ما فيه, وهو مشكلتا الشاشة ولوحة المفاتيح في الجهاز الحلم, والمعطيات المتاحة تقول إن العام الجديد بأعبائه الثقال علي صعيد الاقتصاد لن يكون متفرغا بشكل كاف لإنجاز هذين التحديين الكبيرين أو علي الأقل فتح الطريق نحو إنهائهما في سنوات قليلة مقبلة.
ثالثا: علي مستوي الإنترنت كان هناك حلم بدأ عام2004 علي يد الدكتور تيم بيرنارد لي ـ الذي اخترع الويب عام1994 ـ وملخص الحلم هو الوصول إلي ما يعرف باسم الويب الدلالية أوالويب التي تعمل علي مستوي مضامين ودلالات ومعاني ما تحتويه من معلومات وليس فقط صورتها الظاهرية, وهو نمط يشكل ثورة جديدة بكل المقاييس لأنه يجعل الهدف النهائي هو الوصول بشبكة الويب عالميا لشكل يجعلها أقرب إلي قاعدة بيانات عالمية موحدة مترابطة ذات نسيج موحد تترابط فيه المعلومات المتاحة عليها مع البرمجيات وأدوات البحث كما هو الحال في قواعد البيانات العادية.
كان الدكتور تيم وهو يصوغ هذا الحلم في2004 يري أن الاثني عشر عاما التي مضت علي اختراعه الويب ليست كافية لأن تجعله يقول إننا دخلنا في عصر الويب, بل كان يري أن العالم بعد12 عاما لايزال في عصر ما قبل الويب, لأن الويب الحالية ليست ذكية بما يكفي لاستغلال كل ما هو متراكم فيها من معلومات ومحتوي, ولا تزال تتعامل فقط وبصعوبة مع القشرة الخارجية أو السطح الظاهري لهذا المحتوي وليس مع قلبه ومضمونه ودلالاته العميقة, وكان الحلم أن الويب حينما تنتقل من الإنترنت السطحية إلي الإنترنت الدلالية العميقة سوف تحدث تغييرات عاصفة في عالم الإنترنت كله, بما في ذلك المحتوي وأدوات البحث وبرامج التصفح وجميع ما تشمله الإنترنت من خدمات.
البعض راح يطلق علي الويب الدلالية الويب الثالثة وقدر أن اربع سنوات ربما كافية لأن تجعل تباشيرها الأولي تظهر إلي العلن, وهكذا جري تمديد جزء من هذا الحلم إلي العام2008 لكي يشهد جزءا من التحقق والتحول إلي واقع ملموس يشعر به مئات الملايين من المستخدمين حول العالم.
لكن ما حدث أن 2008 انتهي قبل أن توضع أسس قوية عريضة النطاق علي طريق تحقيق الويب الدلالية, فالمتصفحات ومحركات البحث وأدوات بناء المواقع ومنهجيات توصيف وتخزين واسترجاع وعرض البيانات علي المواقع وفي قواعد البيانات المختلفة علي الشبكة لم تنتقل بعد للعمل بمفاهيم الويب الدلالية, ولا تزال هناك جهود كبيرة مضنية علي طريق التحول من السطح إلي العمق, ومن الحروف إلي المعاني والدلالات ومن التشرذم إلي البناء المتحد المتسق, وللمرة الثالثة يرث2009 جزءا كبيرا من حلم عريض لم يتحقق منه ما كان مأمولا, وعليه أن يواجه تحديات تحويله لواقع أو علي الأقل المساهمة فيها, والتي يحددها البعض في ستة تحديات منها المراجع الوصفية وتوفير المحتوي الدلالي واستقرار لغات الويب الدلالية وغيرها.
خلاصة القول إن حلم 2009 ولد مكبلا وأسيرا لإخفاقات2008 ونهاياته الصعبة القاتمة, والجوانب الثلاثة السابقة ليست سوي قليل من كثير يؤكد ذلك.. ولننتظر ونر.
جمال محمد غيطاس ، الأهرام، 6/1/2009
العديد من المؤشرات علي الساحة تقول إنه حلم غير قادر علي التحليق والانطلاق نحو الآفاق المستقبلية بحرية وعنفوان كما كان معتادا في العديد من السنوات الماضية, وحلم يختلف عما عودتنا أيضا صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بما فيها من زخم وتسارع في التطوير وقدرة ناردة علي الإبداع المتواصل, بعبارة أخري هو حلم يبدو في كثير من ملامحه وجوانبه تمنيات بالإفلات والانعتاق من قيود موروثة من عام ماضي أكثر منه بحثا عن جديد في عام يجيئ.
ومن بين المؤشرات العديدة الدالة علي ذلك ما يلي:
أولا: من الناحية الاقتصادية ـ أي فيما يتعلق بالإنتاج والبيع والشراء وأسعار المنتجات وحركة الاستثمار والعوائد والخسائر ـ نجد أن أقصي ما يحلم به المنتجون والمسوقون في2009 أن تخف آلامهم الموروثة عن عام2008 والناجمة عن وصول نيران الأزمة المالية إليهم بأسرع وأعمق مما كان متوقعا, فهم يدخلون العام الجديد وأمامهم طلب ينكمش ومشروعات تؤجل وآلاف يفقدون وظائفهم, وزبائن وعملاء40% منهم يخططون لخفض ميزانياتهم و34% يخططون لتثبيت ميزانياتهم الحالية بلا زيادة.
واللافت في هذا الصدد أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يدخل العام الجديد بحلم مقيد منكسر من الناحية الاقتصادية والمالية, علي الرغم من أنه كان من يبشر بتقديم وإبداع النظم والآليات والأدوات التي من شأنها إدارة الأعمال والتنبؤ بالمشكلات ورصدها قبل وقوعها, لكن الأزمة انفجرت وطالت الجميع دون أن تفلح أدوات ونظم تكنولوجيا المعلومات في التنبؤ بها ومحاولة تفاديها, وفوجئ بها قطاع تكنولوجيا المعلومات مثله مثل باقي القطاعات, لقد أظهرت عدة إحصائيات أجراها موقع سي آي أو في مارس ويوليو وأكتوبر أن الاتجاه إلي خفض النفقات أصبح سمة واضحة للفترة الماضية والقادمة القريبة في قطاع تكنولوجيا المعلومات.
ففي مارس الماضي كانت نسبة الذين قالوا إنهم ينوون خفض الميزانية في العام الجديد17% أما في يوليو فقد ارتفعت النسبة إلي26% ثم قفزت إلي40% في آخر استطلاع أجري في أكتوبر الماضي مع بدء ظهور الأزمة, وسرعان ما بدأت ملامح الأزمة ترتسم علي وجهه في صورة خفض للنفقات وإلغاء مشروعات تكنولوجية مستقبلية, وتسريح للموظفين وإلغاء للوظائف بالآلاف في شرق العالم وغربه, وإلغاء مشروعات للتحسين والتطوير وأنشطة التدريب وتأجيل مشروعات أخري وأحيانا امتد التأثير إلي التخلي عن دعم وصيانة بعض المنتجات بسبب تكلفتهما وقامت شركات بالتوقف عن تعيين موظفين جدد وتسريح البعض الآخر، ثم قيام العديد من الشركات بإعادة تقييم تعاقداتها والتفاوض بناء علي شروط وبنود جديدة مما أدي إلي انكشاف العلاقة بين البائع والمشتري وتخفيض الأسعار, وخصوصا أسعار أنظمة وتطبيقات الشركات والدعوة إلي التراضي والمرونة بين البائع والمشتري في أوقات الأزمات, وجميعها أمور جعلت حلم2009 اقتصاديا أسيرا مكبلا بأزمة خانقة وأقصي أمانيه أن تخف حدة الأزمة في العام الجديد أو يكون قادرا علي تحمل تبعاتها لا أكثر.
ـ ثانيا: علي مستوي المستخدمين والمستهلكين انتهي العام الماضي دون أن يتحقق شيء من الحلم الموروث منذ بداية القرن والمعروف بحلم الجهاز اليدوي المحمول البالغ الخفة من حيث الوزن والنحافة من حيث الحجم, وطويل العمر من حيث زمن تشغيل البطارية التي تعمل لعشرين ساعة بدون إعادة الشحن, ومتعدد الأغراض وسهل الاستخدام من حيث الأداء, فهو يعيد تشكيل نفسه في كسر من الثانية ليقوم بأدوار ووظائف الحاسب الشخصي ذي الشاشة الكبيرة ولوحة المفاتيح المتسعة القابلتين للطي والثني والخفيفتين في وزن الريشة، والتليفون المحمول متعدد الإمكانات القادر علي التواصل السلس بالبيانات والصوت والصورة عبر طيف متنوع من شبكات الاتصالات, والراديو الذي يستقبل مئات المحطات, والتليفزيون الذي يتنقل ما بين البث الفضائي والأرضي وآلاف القنوات, ومشغل الفيديو والموسيقي وبوابة التواصل مع الإنترنت والعالم بكل سهولة وسلاسة.
هذا الجهاز الحلم الذي بدأ الحديث عنه علي مستوي الباحثين والعلماء منذ عام99 وربما ما قبله لم يظهر للوجود حتي الآن, وتوارثته السنوات الواحدة تلو الأخري, وبدا الحديث عن قرب ظهوره منذ عام2007 مع الاندفاعة الكبيرة التي شهدتها تكنولوجيا النانو أو التصغير الفائق, وظهور وحدات التخزين الالكترونية ذات التخزين العملاق التي بدأت تحل محل وحدات التخزين المغناطيسية, وكذلك التطور الكبير الذي ظهر في عالم البطاريات والمعالجات فائقة الخفة والاستهلاك، إلي غير ذلك من التحسينات التي جسدت نفسها في تليفونات ذكية هي أقرب إلي الحاسبات, وحاسبات محمولة خفيفة الوزن بإمكانات التليفونات المحمولة, والعاملة بمختلف أنواع تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية, من البلوتوث إلي الواي فاي إلي الواي ماكس وغيرهما, فضلا عن ظهور تطبيقات ناجحة لتكنولوجيا التواصل السلس واستقبال البث الإذاعي والتليفزيوني حتي علي التليفونات المحمولة.
وعلي الرغم من كل هذه المنجزات التي تحققت خلال السنوات الماضية وخاصة في2008 فإنه لم يتم التوصل إلي حل ناجع وشاف للمشكلتين اللتين لم تجدا حلا ناجعا طوال السنوات الماضية وهما مشكلة الشاشة التي إما تكون أصغر من المطلوب بكثير حينما يكون الحل في الأجهزة الأقرب إلي التليفونات المحمولة, أو تكون أكبر مما تحتمله مواصفات الحلم حينما يكون الحل في الأجهزة الأقرب للحاسبات المحمولة, وهو التحدي نفسه القائم فيما يتعلق بلوحات المفاتيح والكتابة, فأنت إما أمام شاشة تضايقك بصغر الحجم ولوحة مفاتيح تجعل تعاملك جحيما بحروفها الصغيرة المتقاربة التي لم تعتد عليها, أو تكون أمام شاشة مريحة ولوحة مفاتيح يمكن قبولها ولكن بوزن وحجم ومستوي في استهلاك الكهرباء يتعارض مع مواصفات الحلم.
وعلي الرغم من أن الشاشات ولوحات المفاتيح القابلة للطي واللف والمتميزة بخفة الوزن الشديد تمثل أقرب حل وسط منطقي من الناحية النظرية بين هذين التحديين المتعارضين, فإنه لم يظهر من أي منهما نماذج أو أجيال مبكرة تنبيء بأن الحلم علي وشك الدخول في منعطف يقود إلي تحوله لحقيقة, وهذا الوضع يجعلني أقول إن2009 سوف يرث من هذا الحلم أصعب ما فيه, وهو مشكلتا الشاشة ولوحة المفاتيح في الجهاز الحلم, والمعطيات المتاحة تقول إن العام الجديد بأعبائه الثقال علي صعيد الاقتصاد لن يكون متفرغا بشكل كاف لإنجاز هذين التحديين الكبيرين أو علي الأقل فتح الطريق نحو إنهائهما في سنوات قليلة مقبلة.
ثالثا: علي مستوي الإنترنت كان هناك حلم بدأ عام2004 علي يد الدكتور تيم بيرنارد لي ـ الذي اخترع الويب عام1994 ـ وملخص الحلم هو الوصول إلي ما يعرف باسم الويب الدلالية أوالويب التي تعمل علي مستوي مضامين ودلالات ومعاني ما تحتويه من معلومات وليس فقط صورتها الظاهرية, وهو نمط يشكل ثورة جديدة بكل المقاييس لأنه يجعل الهدف النهائي هو الوصول بشبكة الويب عالميا لشكل يجعلها أقرب إلي قاعدة بيانات عالمية موحدة مترابطة ذات نسيج موحد تترابط فيه المعلومات المتاحة عليها مع البرمجيات وأدوات البحث كما هو الحال في قواعد البيانات العادية.
كان الدكتور تيم وهو يصوغ هذا الحلم في2004 يري أن الاثني عشر عاما التي مضت علي اختراعه الويب ليست كافية لأن تجعله يقول إننا دخلنا في عصر الويب, بل كان يري أن العالم بعد12 عاما لايزال في عصر ما قبل الويب, لأن الويب الحالية ليست ذكية بما يكفي لاستغلال كل ما هو متراكم فيها من معلومات ومحتوي, ولا تزال تتعامل فقط وبصعوبة مع القشرة الخارجية أو السطح الظاهري لهذا المحتوي وليس مع قلبه ومضمونه ودلالاته العميقة, وكان الحلم أن الويب حينما تنتقل من الإنترنت السطحية إلي الإنترنت الدلالية العميقة سوف تحدث تغييرات عاصفة في عالم الإنترنت كله, بما في ذلك المحتوي وأدوات البحث وبرامج التصفح وجميع ما تشمله الإنترنت من خدمات.
البعض راح يطلق علي الويب الدلالية الويب الثالثة وقدر أن اربع سنوات ربما كافية لأن تجعل تباشيرها الأولي تظهر إلي العلن, وهكذا جري تمديد جزء من هذا الحلم إلي العام2008 لكي يشهد جزءا من التحقق والتحول إلي واقع ملموس يشعر به مئات الملايين من المستخدمين حول العالم.
لكن ما حدث أن 2008 انتهي قبل أن توضع أسس قوية عريضة النطاق علي طريق تحقيق الويب الدلالية, فالمتصفحات ومحركات البحث وأدوات بناء المواقع ومنهجيات توصيف وتخزين واسترجاع وعرض البيانات علي المواقع وفي قواعد البيانات المختلفة علي الشبكة لم تنتقل بعد للعمل بمفاهيم الويب الدلالية, ولا تزال هناك جهود كبيرة مضنية علي طريق التحول من السطح إلي العمق, ومن الحروف إلي المعاني والدلالات ومن التشرذم إلي البناء المتحد المتسق, وللمرة الثالثة يرث2009 جزءا كبيرا من حلم عريض لم يتحقق منه ما كان مأمولا, وعليه أن يواجه تحديات تحويله لواقع أو علي الأقل المساهمة فيها, والتي يحددها البعض في ستة تحديات منها المراجع الوصفية وتوفير المحتوي الدلالي واستقرار لغات الويب الدلالية وغيرها.
خلاصة القول إن حلم 2009 ولد مكبلا وأسيرا لإخفاقات2008 ونهاياته الصعبة القاتمة, والجوانب الثلاثة السابقة ليست سوي قليل من كثير يؤكد ذلك.. ولننتظر ونر.
جمال محمد غيطاس ، الأهرام، 6/1/2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق