كيف يرانا العالم ؟ هل محاولة تقديم أنفسنا بصورة جيدة إلي العالم في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تكفي لتحقيق إدارة ناجحة لعلاقاتنا مع العالم في هذا القطاع الذي تتشابك فيه المصالح وتتداخل فيه الأسواق وفرص الاستثمار وعلاقات القوة وينخرط فيه الداخل مع الخارج في علاقات يتأثر كل طرف فيها بالآخر ويؤثر فيه؟ بالطبع لا.. فلكي ندير مع العالم علاقة مثمرة وجادة نحن نحتاح دوما لأن نكون علي دراية بصورتنا كما يراها هو دون مواربة أو تجميل أو تهويل أو تهوين أو نظرة خوف أو جلد للذات, وليس فقط الصورة التي نحاول نحن تقديمها إليه, وهذا بالضبط ما حاولنا التعرف عليه من خلال الندوة التي نظمت في إطار احتفالية لغة العصر بصدور عددها المئوي ودعينا إليها مجموعة من الخبراء الدوليين لنعرف من خلالهم: كيف يرانا العالم؟.. فماذا قالوا؟
للإجابة عن التساؤل ناقشت مع الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في نهاية ديسمبر الماضي هذه الفكرة, وعرضت عليه أن نختار خبيرا يعرض رؤية العالم لمصر فيما يتعلق بمستوي النضج في مجتمع المعلومات, وخبيرا يتناول رؤية العالم لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من حيث البنية والنضج, وخبيرا ثالثا يتناول سوق تكنولوجيا المعلومات في مصر, وتحمس الوزير للفكرة وأضاف إليها أن يكون هناك أيضا خبير يشرح رؤية العالم لصورة مصر في مجال الإنترنت وقضاياها, واقترح الوزير قائمة بالخبراء الدوليين الذين يمكننا أن نسمع منهم حديثا موضوعيا محايدا عن ملامح وصورة مصر في عيون العالم, كما وضع الحدث برمته تحت رعايته وكلف الدكتور شريف هاشم نائب الرئيس التنفيذي لهيئة تنمية صناعة المعلومات بالتنسيق معنا في التنفيذ, ثم تطورت الفكرة لتشمل أيضا رؤية للشركات العالمية العاملة في مصر ليتوازن الأمر بين من ينظرون إلينا من الخارج ومن يعايشون الصورة من الداخل.
فيما يتعلق بالخبراء الدوليين انتهي الأمر إلي اختيار الدكتور بيتر بروك رئيس مجلس المديرين لجائزة القمة العالمية لمجتمع المعلومات في مجال المحتوي والإبداع ليقدم رؤية حول مدي التطور الذي تحقق علي صعيد بناء مجتمع المعلومات في مصر خلال السنوات الماضية, والدكتورة سوزان تيلتشير رئيس إدارة الإحصاء ومعلومات الاسواق بالاتحاد الدولي للاتصالات لتقدم رؤية حول قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من حيث البنية والنضج, والسيدة مارجريت آدامز مديرة الأبحاث بمؤسسة آي دي سي العالمية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتقدم رؤية حول سوق تكنولوجيا المعلومات بمصر, والسيدة تيريزا سوين هارت نائب الرئيس للعلاقات الدولية والاستراتيجية بمنظمة الآيكان وهي المنظمة الدولية المشرفة علي إدارة نطاقات الأسماء والعناوين والأرقام والسجلات الرئيسية للإنترنت, لتقدم رؤية حول مصر وقضايا الإنترنت.
في رؤيته قال الدكتور بيتر بروك أنه لكي يتقدم مجتمع المعلومات المصري فإن علي المصريين أن يقوموا ببنائه بأنفسهم وأن يكون موجها للمصريين, ويجب أن يفكر المصريون في أي مجال يريدون أن يتنافسوا, هل يتنافسون في الشبكات مثلا مع سيسكو أم يريدون التنافس في الأجهزة والمعدات مع إنتل أم يريدون المنافسة مع البرمجيات مع مايكروسوفت أم أنه يريدون المنافسة في المحتوي وتطبيقات الويب؟ وقال الدكتور بروك إن مجال المنافسة الحقيقية بالنسبة لمصر يكمن في الخدمات والمحتوي وتطبيقات الويب لأنهم هم الأدري بالثقافة واللغة ويمكنهم توجيه هذا المحتوي والاستفادة منه لكي يكون مصريا أو عربيا ولصالح مصر وللعرب وبالتالي يمكنهم أن يحققوا تقدما كبيرا في هذا المجال لأنه لا يستطيع غيرهم أن يقوم بهذه المهمة بدلا منهم, وقوتهم تتركز في الموارد البشرية الكبيرة وحيث المعرفة القوية ومصر عليها أن تخطط لأن تصبح( رائدة) صناعة المحتوي بالمنطقة عام2015, وقال: أخشي أن مصر لم تستفد مما لديها من محتوي كما يجب حتي الآن, ولكي تنجح مصر في ذلك يجب أن يركز مجتمع المعلومات المصري علي مشروعات الابتكارات التي يجب أن تشتمل علي مساهمين ومطورين ومؤسسات وشركات وجامعات ومراكز أبحاث وشركات وغرف التجارة والصناعة ووسائل الإعلام في ظل رعاية كاملة وإشراف تام من الحكومة, والحرية والمنافسة المفتوحة, والتعريف والاحتفاء: ينبغي تقدير وتقييم جميع الأعمال علي أساس الابتكار والإبداع وبعد فوزها يجب الاحتفاء بها وتشجيعها.
أما الدكتورة سوزان تيلتشر فقدمت رؤية خلصت فيها إلي أن مصر حاليا تعتبر الأسرع نموما والأقل تكلفة في خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مقارنة بالدول الإفريقية وأغلب الدول العربية, لكن هذا لا ينفي وجود بعض نقاط الضعف في مسيرتها.. وقالت إن مصر استطاعت أن تحقق معدلات نمو في الاتصالات المحمولة أعلي من جميع الدول الإفريقية وفي طريقها للوصول إلي معدل النمو في الدول العربية بفضل معدل نموها السريع خاصة في عامي2006 و2007, وبالنسبة لخطوط التليفون الثابت, حققت مصر نموا كبيرا وتخطت متوسط معدل النمو في الدول العربية والدول النامية والدول الإفريقية, وفي مجال انتشار استخدام الإنترنت حققت مصر نموا عاليا خاصة منذ عام2004 ولهذا يمكننا أن نتوقع أن تتفوق مصر في معدل نمو الإنترنت علي الدول النامية في وقت قريب للغاية, ويقل معدل نمو الاتصالات السريعة بالإنترنت في مصر عن متوسط معدل النمو في الدول النامية, ومع ذلك, فإن النمو الكبير الحديث في أعداد مستخدمي الاتصالات السريعة بالإنترنت يوضح التقدم المهم الذي تحقق في هذا الصدد كثمرة لسياسة الدولة المركزة في نشر الاتصالات السريعة بالإنترنت.
ووفقا لمؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حققت مصر معدل أعلي من مثيلاتها الإفريقية, ولكنه أقل من نظيراتها العربية, أما الدول الخليجية فتعد من أعلي الدول العربية من حيث مؤشر تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات, وقد تحسن أداء مصر في مؤشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنسبة أكبر من40% بين2002 و2007, وهي نسبة أعلي من متوسط الدول النامية, وبالنسبة لتكلفة خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تعد مصر رخيصة نسبيا بل تعد كذلك أرخص من الدول العربية مجتمعة ولكنها أغلي من الجزائر وتونس وعمان والسعودية والكويت والبحرين والإمارات مع ضرورة ارتفاع مستوي الدخول الشهرية في هذه الدول وأرخص من متوسط الدول النامية والدول الإفريقية, ويعد ذلك عاملا مهما للغاية سيساعد علي انتشار تكنولوجيا الإنترنت والاتصالات في مصر في المستقبل القريب.
أضافت الدكتورة تيلتشر أن مصر بحاجة إلي زيادة حصتها من سعة الإنترنت لتلبية الطلب المتزايد, كما تحتاج إلي إطلاق خدمات التوصيل السريع المحمول بالإنترنت وعلاج الفجوة بين الريف والمدن ونشر استخدام التكنولوجيا في المنازل وبين الأفراد, ومن المتوقع أن تعزز التكلفة المنخفضة لخدمات تكنولوجيا المعلومات من اتجاه النمو المستمر في قطاع التكنولوجيا والاتصالات.
وفيما يتعلق بسوق تكنولوجيا المعلومات قالت مارجريت آدمز إن نقاط القوة في هذه السوق تتمثل في زيادة تركيز الحكومة المصرية علي تطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات بمصر وزيادة إنفاق المستهلكين علي شراء الحاسبات وزيادة اهتمام الشركات متعددة الجنسيات بالقدرات في التعهيد المحلي والدولي والزيادة الكبيرة في الاستثمار الأجنبي المباشر الذي وصل إلي10 مليارات دولار في عام2006 و11 مليار دولار في2007, وعملية الخصخصة والإصلاحات والتطوير والتنمية الصناعية ومبادرات الملكية الفكرية ومواجهة القرصنة وتعزيز البنية الأساسية للاتصالات ونهضة قطاع الاتصالات المحمولة والمهارات القوية في التخصيص وتعريب المحتوي.
أما نقاط الضعف فتتمثل في تأثر الاقتصاد بالأزمة المالية العالمية وارتفاع معدلات القرصنة ووجود عدد كبير من المهارات غير المدربة التي لا تتمتع بخبرة, وهجرة المواهب المدربة والمخضرمة إلي المناطق الأخري وضغط ارتفاع الأسعار كما تؤثر المشكلات الاقتصادية خاصة البطالة علي تقويض الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات, كما تؤدي حوادث الانفجارات وعدم الاستقرار السياسي إلي التأثير علي صورة مصر في العالم وبالتالي علي الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات ويظل انتشار تكنولوجيا المعلومات منخفضا للغاية خاصة في قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما أن السوق حساسة للتكلفة بشكل كبير وتمتاز سوق التكنولوجيا في مصر في مجملها بأنها غير ناضجة لأنها كثيفة الاعتماد علي المعدات والأجهزة, بينما ينبغي أن يكون سوق تكنولوجيا المعلومات ما بين18 و25%.
وفي تناولها لأوضاع مصر من قضايا الإنترنت قالت تيريزا سوين هارت أن مصر إذا كانت ترغب في تحقيق الريادة في مجتمع الإنترنت ولو علي المستوي العربي ومنطقة الشرق الأوسط فإن لديها المقومات الكثيرة التي يمكن أن تحقق لها هذه الريادة إذا ما استخدمتها بالشكل الصحيح فهي لديها ثروة في الموارد البشرية والمهارات كما أنها تتميز بالتنوع في الثقافة والتراث الحضاري ولديها أطر وقوانين تنظيمية موجودة يمكن استخدامها لتعزيز دورها التنافسي كما أنها منخرطة في التفاعلات الدولية والإقليمية; إلا أنها يجب أن تأخذ في الاعتبار بعض الأمور المهمة علي المستوي العالمي وعلي المستوي المحلي, فعلي المستوي العالمي يجب أن تأخذ في الاعتبار أن لإنترنت تقنية قوية وطاغية يمكنها تدعيم الاقتصاديات والأفراد
وأنها تتطور بالمشاركة الجماعية والتعاون وهي تقنية لا تعرف حدودا أو سياسات, وأنه ينبغي الحفاظ علي إنترنت واحدة تدار داخليا لأن ذلك أمر مهم لاستمرار عملها وتطورها, ولابد من إشراك المتعاملين مع الإنترنت في حل مشكلات محددة والبناء علي الخبرات الموجودة. وعلي المستوي المحلي يتعين علي مصر نشر استخدام البرودباند في جميع أنحاء الجمهورية وتصميم التطبيقات علي مقاس أو احتياجات المستخدمين النهائيين في التعليم والصحة والخدمات العامة والبنوك إلخ والتي تتطلب وعيا وبناء للثقة في استخدام هذه التطبيقات والحرص علي وجود تطبيقات عربية وأدوات وواجهات استخدام ومحتوي عربي,واتباع منهج شامل لمقاومة القرصنة والجرائم الإلكترونية, ومشاركة جميع المتعاملين من الحكومة وشركات توفير خدمة الاتصال بالإنترنت والشركات الخاصة في التخطيط للانتقال إلي بروتوكول الإنترنت الإصدار السادس.
وقالت تيربزا إن زيادة دور مصر في المشاركة في المنتديات الدولية وفي منظمة الأيكان وفي منتدي الإنترنت الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بالإضافة إلي دورها الإقليمي ومشاركتها في المبادرات المختلفة ويؤدي إلي تأهيلها للريادة حيث تشارك مصر منظمة الايكان في إدارة الإنترنت بكونها عضوا في لجنة المستشارين الحكوميين منذ عام2000 وتتولي حاليا نائب رئيس هذه اللجنة وتساهم مساهمة مهمة خاصة في مجالات نطاقات أسماء الإنترنت, كما أنها عضو في منظمة دعم أسماء رموز البلدان واستضافت اجتماعين للأيكان في2000 و2008. بالإضافة إلي أن مصر مشتركة في عملية حوكمة الإنترنت منذ البدايات وحتي الآن, علاوة علي أن الدورة المقبلة لمنتدي الإنترنت الدولي ستعقد في الرابع من نوفمبر المقبل في شرم الشيخ.
جمال محمد غيطاس، الأهرام، 31/3/2009