١٠ صفر ١٤٣١ هـ

أطباء ألمان يضعون أسس فرع طبي خاص بـ "أمراض الميديا"

أطباء ألمان يضعون أسس فرع طبي خاص بـ "أمراض الميديا"
الأطفال والفتيان يهربون من عالم مشحون بالتوتر إلى عالم افتراضي مسالم
قضت النمساوية الشابة ناتاشا كامبوش 8 سنوات في قبو المنزل تتعرض للامتهان والتدنيس من قبل والدها، وتم تحريرها قبل ثلاث سنوات ونصف من هذه العذابات، إلا أن معاناتها لم تنته حتى الآن.
وقد اعترفت كامبوش نفسها في إحدى المقابلات بأنها أصبحت «عبدة» للصحافة والميديا، التي تطاردها صباحا ومساء، بعد تحررها من عبودية والدها. وهي تعترف أيضا بأنها تقضي الكثير من الوقت أمام التلفزيون والكومبيوتر في محاولة للبحث عن الذات والاندماج مع المجتمع. لكن البروفسور بيرت دي فيلدت، الباحث في شؤون الإدمان من جامعة هانوفر الألمانية، يرى أن كامبوش معرضة أكثر من غيرها لخطر الإصابة بمرض «إدمان الميديا»، من خلال محاولتها الهروب من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي في الكومبيوتر.
* «إدمان الميديا»
* كشفت دراسة أجراها الاتحاد الألماني لـ«مكافحة إدمان الميديا»، الذي تأسس قبل سنة، معاناة 1.7 في المائة من تلاميذ المدارس الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة من مرض إدمان الكومبيوتر والألعاب الافتراضية والإنترنت، وأن 23 ألفا مهددون بالإدمان في المستقبل القريب. واتضح من الدراسة التي شملت 15 ألف تلميذ أن 14 ألفا يعانون من إدمان الميديا. ومن الطبيعي أن المرض كان ينتشر بين الأولاد أكثر من انتشاره بين البنات، ويحمل أطفال المدارس المرض معهم إلى الجامعات ليشكل حالة اجتماعية مرضية مقلقة. ويقضي الطفل، تحت 15 سنة، 4.8 ساعة يوميا أمام الكومبيوتر والألعاب وداخل الإنترنت. ولو احتسبنا وقت الدوام في المدرسة والنوم فسنجد أن الطفل يقضي معظم وقت فراغه أمام الميديا بعيدا عن الكتب واللعب والرياضة والتفسح.
ودفعت هذه النتائج خبراء المعهد إلى إطلاق دعوة عالمية إلى التعامل مع إدمان الميديا كفرع خاص في الطب يضم كافة أنواع الإدمان على الكومبيوتر والإنترنت والألعاب الافتراضية، إضافة إلى الأمراض الجسدية الأخرى الناجمة عن ذلك مثل «متلازمة العين المكتبية» و«تنميل اليد» وآلام الظهر والرقبة.. إلخ. وإذ تشير متلازمة العين المكتبية إلى جفاف العين جراء كثرة التحديق في شاشة الكومبيوتر، تشي اليد المتنملة بآلام وخدر اليد العاملة على الماوس، وتشبه في أعراضها حالة «يد التنس» التي يعاني منها لاعبو التنس.
ويضم اتحاد مكافحة إدمان الميديا 50 خبيرا في الإدمان يتخصصون في إدمان الكحول والمخدرات والأدوية ويمثلون أهم معاهد مكافحة الإدمان في ألمانيا. وذكر البروفسور بيرت دي فيلدت أن مفهوم إدمان الميديا دخل عالم الصحافة والطب لكن العالم لا يزال يفتقد إلى تعريف موحد له. كما لم يضع العلماء خصائص محددة تتعلق بإدمان الميديا وطرق تشخيصها ومعالجتها، والأهم طرق الوقاية منها. ويعمل الباحثون حاليا بتركيز من أجل وضع هذه المواصفات، وبالتالي إدخال إدمان المخدرات في الطب كحقل اختصاصي منفرد.
* الهروب إلى «العالم الافتراضي»
* دعت الباحثة دوروثي موكن، من مركز الإدمان في كولون، إلى كشف الجذور الاجتماعية للمرض، لأنه من الثابت أن المدمنين على الميديا يجدون في الكومبيوتر مهربا من عالمهم الحقيقي، المشحون بالتوتر والمشاكل، إلى عالم افتراضي مسالم. كما يجد الكثيرون من مدمني الميديا في ألعاب الكومبيوتر الافتراضية منفذا لتحقيق ما يعجزون عن تحقيقه في العالم الواقعي اليومي. ودعت موكن أيضا إلى إبعاد الأطفال الصغار عن الكومبيوتر إلى حين استكمالهم التطور النفسي والذهني الذي يؤهلهم لدخول العالم الافتراضي عن وعي، ودون أن يعرضهم ذلك للإدمان.
وكانت مجموعة أبحاث الإدمان في مستشفى برلين شاريتيه قد قدرت قبل سنة أن إدمان الإنترنت يصيب 10 في المائة من الألمان أو 1.5 مليون شخص. وكان عدد المدمنين عام 2000، حسب نفس المجموعة، لا يزيد عن 20 ألفا. وكشف الدكتور كريستوف موللر، من جامعة هانوفر عن نتائج دراسة جديدة حول إدمان الكومبيوتر والإنترنت والألعاب الإلكترونية تشي بأن معظم الذين يعانون من الإدمان هم من الذين يواجهون صعوبات جمة في الحياة اليومية ويجدون في ألعاب الكومبيوتر والعالم الافتراضي فرصة مناسبة للتعويض.
يعود الفضل، في إدخال مرض إدمان الكومبيوتر إلى القاموس الطبي، إلى عالم النفس الأميركي ايفان غولدبيرغ. وتعرف الانسكلوبيديا الألمانية إدمان الكومبيوتر بأنه شعور لا يقاوم يجبر الإنسان على العمل على الكومبيوتر. ويتعلق الإنسان بالكومبيوتر ويتحول العالم الافتراضي لديه إلى عالم لا مفك منه، الأمر الذي يؤدي إلى انقطاع صلاته الاجتماعية. وتؤدي الحالة إلى إهمال الحالة الشخصية والصحة والحالة النفسية وتتطور إلى «آلية دفاعية» وعدوانية، كما هو الحال مع المخدرات، ضد أي عائق يحول دون المريض ودون عالم الكومبيوتر.
وتشي الدراسات الحديثة بأن معظم المعانين من الإدمان هم من أولئك الذين يواجهون صعوبات جمة في الحياة اليومية ويجدون في ألعاب الكومبيوتر والعالم الافتراضي فرصة مناسبة لتحقيق الذات. والمشكلة بالنسبة لموللر هي أن مادة الإدمان، أي الكومبيوتر والإنترنت والألعاب، تتوفر في كل بيت وغرفة وزاوية وسوق، وبأسعار رخيصة، في حين أن الحصول على المخدرات والكحول يتطلب كثيرا من المال. عدا عن ذلك فإن القوانين تحظر بيع الكحول للشباب تحت سن 17 سنة، لكنها لا تمنع ألعاب العنف الكومبيوترية.
في هذه الأثناء، أعلن الباحث ميشال هوير عن أول مؤتمر حول «إدمان الميديا» في ألمانيا سيتم عقده في مدينة فيلنغن (جنوب) بين 25 و26 مارس (آذار) المقبل. وإضافة إلى دراسة المقترحات التي سيقدمها الحضور بهدف وضع الخصائص المشتركة للمرض، سيستمع المؤتمر إلى العديد من الدراسات مثل: «كيف يستخدم التلاميذ التقنية الافتراضية في حياتهم اليومية؟» و«كيف ينقل الصغار خبرتهم في العالم الافتراضي على العالم الحقيقي؟» و«ماذا يحدث لو تحول العنف الافتراضي إلى عنف واقعي؟»، و«دور الميديا في حصول المجازر في المدارس».. إلخ.
* الألعاب الإلكترونية العنيفة تزيد المشاعر العدوانية
* تشير العديد من الدراسات إلى أن الألعاب الإلكترونية الغنية بالمشاهد العنيفة، يمكن أن تزيد من عدوانية الطفل. كما رصد العلماء ازدياد حدة مشاعر الغضب والعدوانية لدى أعداد كبيرة من الأطفال والمراهقين من الذين مارسوا الألعاب الإلكترونية العنيفة.
وتزداد شعبية الألعاب الإلكترونية حول العالم إذ تقدر مبيعاتها بعشرات المليارات من الدولارات. ويمكن أن تشغل هذه الألعاب عبر أجهزة متنوعة، بما فيها الأجهزة المتخصصة مثل «بلايستيشن» و«ننتيندو» و«إكس بوكس»، إضافة إلى جهاز الكومبيوتر، ونظم ألعاب أخرى، وأخيرا الهاتف الجوال. وتقدم الألعاب الإلكترونية فوائدها في تطوير قدرات الأطفال والكبار، إذ إنها تكسبهم الثقة في أنفسهم عند الفوز فيها. كما أن لها أثرا تربويا إيجابيا يتمثل في تعلم الأطفال مهارات مثل الكتابة والتركيز، والحساب، إضافة إلى تشجيعها الرياضة البدنية. ويشير بعض الباحثين إلى أن هذه الألعاب تساعد في تمكين الأطفال من التعبير عن مشاعرهم وعلى التحكم في غضبهم. إلا أن لها آثارا سلبية تتمثل في تداخل ممارستها مع وقت دراسة الأطفال، مما يؤثر على الأداء الأكاديمي. كما رصد الباحثون صلة قوية بين الألعاب الإلكترونية العنيفة والسلوك العدواني. وتوصي الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال بإبعاد ألعاب الفيديو العنيفة عن المنازل حتى لا يراها الأطفال الصغار أو يلعب بها. كما أن بعض الألعاب تضع اللاعب في دور المعتدي، وتقدم مكافآت إيجابية للسلوك العنيف، مثل الفوز أو تحقيق أعلى النقاط.
الشرق الأوسط ، 6/1/2010

ليست هناك تعليقات: