صفر من الخصوصيـــــة
استخدام خدمات الشبكات الاجتماعية الجوالة الخاصة بالأماكن المحلية، مثل «غوغل بز» Buzz و«تويتر» و«فيس بوك» و«فورسكوير»، قد يؤدي إلى ارتفاع أقساط التأمين على المنازل، أو حتى قد ينتج عنه رفض طلب أي تعويضات، وفقا لما ذكره مؤخرا خبراء بريطانيون في التأمين.
وكان موقع غريب في الشبكة قد دشن أخيرا باسم «أرجوك قم بالسطو علي» Please Rob Me، قد سلط الضوء على حقيقة بشعة، لكنها واضحة جدا، حول الشبكات الاجتماعية الجوالة التي تعتمد على الأماكن المحلية. فعندما تقوم بإبلاغ الناس أين أنت، فأنت تخطر اللصوص أيضا بأنك لست موجودا في المنزل، إذ يقوم الموقعان «تويتر» و«فورسكوير» بعرض نشرة في الزمن الفعلي لهذه التحركات، الأمر الذي قد يثير اهتمام المجرمين أيضا.
لكن «تويتر» بادرت إلى سحب هذه الخدمة، لتبقى جميع نشرات «أرجوك قم بالسطو علي» محصورة في «فورسكوير». وتبدأ كل نشرة باسم المستخدم، يتبع ذلك «غادر المنزل وسجل في..»، ليتبع ذلك أيضا العنوان الصحيح للشخص المعني.
ويبدو أن مراقبي قطاع التأمين، الذين طرحوا تلك التوقعات، انطلقوا من حقيقة أن شركات التأمين ستبدأ فورا في التحري حالما يعلن الزبون أنه تعرض لحوادث سطو، أو عند تقديمه طلبات التعويض عن الممتلكات المنهوبة، وذلك للتأكد مما إذا كان هذا الزبون قد أفشى معلومات عبر المواقع الاجتماعية يمكنها أن تشكل «إهمالا» صريحا. وبمقدور هذه الشركات أيضا أن تصور الزبون المشترك في المواقع الاجتماعية، مثلما تقوم بتصوير المدمنين على التدخين عندما يتعلق الأمر بالتأمين الصحي على حياته، وتطالب بدفع أقساط تأمين أعلى.
* عمليات رصد إجرامية
* ويقول مايك إلغان في مجلة «كومبيوتر وورلد» الإلكترونية إنه كان قد دون مؤخرا في مدونته على «غوغل» مقالة مفصلة بعنوان: «كيف تجري سرقة إنسان ما عن طريق استخدام (غوغل بز)». وكان رأيه أنه حتى «تويتر» و«فورسكوير» يمكنهما تعريض المستخدمين إلى العمليات الإجرامية، بل إن خدمة «غوغل بز» أكثر تساهلا في هذا الموضوع.
وكبنية أساسية فإن استخدام مزية المواقع الجوالة في «غوغل بز»، مع «غوغل بروفايلس»، والخدمات المجانية الأخرى التي أساسها الإنترنت، يتيح للصوص سرعة معرفة شخصيتك (من أنت؟، وأين توجد، وكيف تبدو، وأين تعيش، ومتى تكون في المنزل). وبذلك يستطيع اللصوص الماهرون استغلال كل هذه المعلومات لأغراضهم الدنيئة.
وهذه أخبار سيئة بالنسبة إلى «غوغل»، في أعقاب الكشف عن المشكلات التي رافقت انطلاق «بز». ولدى الظهور الأول لـ«بز» جرى إرسال بيانات مستخدميه أوتوماتيكيا إلى لائحة من الأشخاص الذين يتواصلون معهم بالبريد الإلكتروني. وما لم يكن المستخدمون على دراية كافية لتغيير ترتيبات الحفاظ على الخصوصية في «غوغل بروفايلس»، التي لا يعرف غالبية مستخدمي «جي مايل» أنها موجودة أصلا، فإن قوائم أكثر الأشخاص الذين يجري الاتصال بهم ستصبح مكشوفة بشكل علني. فالأطباء مثلا، والمحامون، لهم مرضاهم وزبائنهم الذين أصبحت لوائحهم جميعها مكشوفة مفضوحة. وانكشفت الاتصالات الشخصية الخاصة بالموظفين أمام أرباب العمل، وارتكبت أخطاء كثيرة، مما دفع «غوغل» للاعتذار وإصلاح العطب، لكن ليس في الوقت المناسب لإيقاف الدعاوى القانونية المرفوعة.
وكان من السهل اختيار «غوغل»، لأن خدماتها رائجة ومطلوبة جدا، خاصة وأن «بز» كان أمرا جديدا. لكن الحقيقة أن «بز» هو جزء صغير واحد من حلقة «عدم الأمان» الاجتماعي، بعدما مهدنا الطريق إلى عالم جديد غريب من السطو على الخصوصيات مع الفوضى التي ترافق ذلك.
* بيانات مخترقة
* ولكن ما مدى الخصوصية التي نتمتع بها؟ نحن نعيش اليوم في عالم من خدمات الإنترنت، حيث يجري التعدي على الخصوصيات بفعل الأمر الدارج، أو الساري. ولكي تدرك ذلك وتستوعبه، وبالتالي تقوم بإجراء حياله، ينبغي عليك أن تكون شخصا متميزا. والمستخدم، أو المستهلك العادي، ليس كذلك، ولا يعرف كيفية الحفاظ على خصوصيته. واتخاذ خطوات احترازية بسيطة على صعيد المحافظة على الخصوصية تتطلب من المستخدمين اتخاذ إجراءات ذكية تتعلق بالترتيبات الأمنية غير الظاهرة إطلاقا، التي لا يناقشها أحد، وغالبا ما تكون مدعاة لتشويش التركيز في مواقع «فيس بوك» و«جي ميل» و«بروفايلس» و«تويتر» وعالم الخدمات الاجتماعية الأخرى على الشبكة، وأهمها ما يتعلق بالهواتف الجوالة.
وهناك الكثير من التساؤلات: الصور على «فيس بوك» هل هي للاستخدام الشخصي أم العام؟ وعندما تنشر صور أولادك، أو أقربائك على هذا الموقع، فهل تكون متوفرة أيضا على مواقع البحث عن الصور؟ وهل يمكن لبعض المحتالين العثور على هذه الصور عن طريق محركات البحث عن الصور في «غوغل» أو «بنغ»، أو «ياهو»، ومن ثم إعادة نشرها على مواقع غريبة مشكوك فيها على الشبكة؟ وعندما تنشر مراسلاتك مستخدما تطبيقات «بز» الجوالة من «غوغل»، فهل تكون موجهة فقط إلى الأشخاص من معارفك، أو للعالم كله؟.
وهل مزية تحديد المواقع عن طريق «جي بي إس» على هاتفك الجوال مطفأة أم تعمل؟ فإذا كانت تعمل، فهل بمقدور أي خدمة، أو شركة، أو شخص الحصول على هذه المعلومات؟ ويقول إلغان إنه مستعد للمراهنة على أن أكثر من 90 في المائة من المستخدمين لا يستطيعون الإجابة عن هذه الأسئلة. ليس هذا فحسب، بل إن حتى المستخدمين الماهرين غالبا لا يستطيعون معرفة مدى الخصوصية التي يجري اختراقها.
ومثال على ذلك، نحن نعلم جيدا أن كومبيوترات بوابة «غوغل» تقرأ بريدنا الإلكتروني كله يوميا، إذ تقوم برمجيات خاصة بمسح الكلمات التي نرسلها ونستقبلها بحيث يمكنها، أي «غوغل»، نشر إعلانات قريبة من محتوى هذه الرسائل، لها علاقة بهذه الأحاديث والمضمون. فهل يقوم موظفو «غوغل» بقراءة رسائل البريد الإلكتروني هذه، ربما في سياق أبحاثهم الخاصة بالتسويق؟ وكيف نعلم أنهم يفعلون ذلك؟ وإذا افترضنا أننا نثق بـ«غوغل»، وهي مؤسسة محترمة فعلا، فهل تكون الحكومة الأميركية مثلا تقرأ بريدك الإلكتروني؟ أو الحكومة الصينية؟ هذا دون أن نتطرق إلى اللصوص والمبتزين وأرباب العمل، والكثير غيرهم. والأمر هنا ليس معرفة من يقرأ بريدك، بل هو إنك لا تدري إن كان هذا يحصل فعلا، لأنك لن تدري به أبدا. وكان أحد الخبراء، وهو سكوت ماك نيلي، يقول، قبل 11 سنة، «أنت لا تملك سوى صفر من الخصوصية في مطلق الأحوال، لذا يتوجب التغلب على ذلك». ولكن الأمور ليست بتلك السهولة، كما كانت من قبل. فقد كان ماك نيلي يتكلم عن القلق من اختراق الخصوصيات من قبل الشركات والحكومات التي قد تستخدم هذه المعلومات الخاصة لأغراض قد لا يوافق الأفراد عليها. ولكن اليوم بفضل الخدمات الاجتماعية التي لم تكن موجودة عندما نطق ماك نيلي بهذه الكلمات، التي تنم عن الواقع، تفجرت جميع القضايا التي تتعلق بالخصوصيات.
صحيح أنه ينبغي علينا الحذر من الحكومات والشركات، لكن يتوجب علينا أيضا أن نقلق من الموظفين والمجرمين، وحتى من أفراد عائلاتنا.
* أساليب متنوعة لاختراق الخصوصية
إليكم خمسة أمثلة عن الأساليب الجديدة لاختراق الخصوصية الفردية 1- وضع الأسماء على صور «فيس بوك»: قد تكون مواطنا صالحا وأحد أعمدة المجتمع. وقد تكون عضوا نشيطا في غرفة التجارة، أو المنظمات الخيرية المحلية. وأنت أيضا موظف كبير في شركتك. وأولادك يظنون أنك كامل الأوصاف، وإذا بأحد أصدقائك من أيام المدرسة ينشر لك صورة معيبة على «فيس بوك» من أيام الشباب مع وضع اسمك عليها. وإذا بالصورة باتت منتشرة بين الجميع: والدتك، وأولادك، ورئيسك في العمل، وزملائك.
2- «غوغل بز»: عندما تطلق «غوغل بز» في هاتف «آي فون» أو «أندرويد»، أو أي هاتف ذكي قريبا، تحصل على لائحة بالمنشورات من الغرباء الذين هم أقرب إليك جغرافيا عن طريق كبس زر بعنوان «القريب» Nearby. ويؤدي النقر على أسمائهم إلى سيرهم الذاتية، ومن الممكن أن يقودك أيضا إلى عناوين بريدهم الإلكتروني. فما الذي يمنع شركة ما من إطلاق هذه الخدمة يوميا لحصاد أكبر كمية ممكنة من أسماء الذين يأتون إلى الجوار!.
3- مناظر الشوارع في «غوغل»: احتمالات أن تظهر شخصيا على صور، أو مناظر الشوارع في «غوغل» Google Street View ضئيلة جدا. لكن احتمالات ظهور الكثير من الأشخاص الذين يفعلون أعمالا سيئة، كبيرة جدا. وذلك بفضل المشاركة الاجتماعية. فأي عملية من هذا النوع، يلتقط هذا الموقع صورتها، يمكن نشرها وإذاعتها والمشاركة بها وتخزينها إلى الأبد على مئات الآلاف، بل الملايين من الأقراص الصلبة عبر العالم. فإذا حدث وكنت أحد هؤلاء القلائل الذين يشاغبون في الشوارع، فقد يكتشف الناس ذلك، ويظل ذلك عالقا بذاكرتهم.
4- نشر ما لا مبرر له: قد يكون من السهل نسيان من الذي يتعقبك. فغالبا ما يقوم مستخدمو «فيس بوك» بنشر معلومات لا يمكن التساهل بشأنها. فقد يفيد أحدهم مثلا أنه مريض، لكنه توجه بدلا من ذلك إلى شاطئ البحر، ناسيا أن رئيسه في العمل هو واحد من أصدقاء «فيس بوك».
5. معلومات نشرناها ثم نسيناها: خدمات اجتماعية جديدة تظهر كل يوم: فنقوم بالتسجيل فيها لننساها ما إن يظهر الجديد منها. ومثال على ذلك، فقد ظهرت خدمة «لاتيتيود» للأماكن من «غوغل» منذ فترة طويلة جدا. فهل قمت بتجربتها؟ فإذا كنت فعلت ذلك فحاول إقفالها نهائيا. فإن كنت لم تفعل ذلك، فما زلت ملاحقا، لأننا لا ندرك الحقيقة المرة بأن غالبيتنا قد خلف خيطا من الخصوصيات وراءه. لذلك كان ماك نيلي محقا في نظريته بأننا نملك صفرا من الخصوصية. فالأشخاص المدربون والمؤسسات التي لها دوافع خاصة، يمكنهم دائما معرفة أمور خاصة بنا نود أن نحتفظ بها لأنفسنا.
يبقى أن نظل نمارس نوعا من المنطق والعقلانية لدى استخدام الإنترنت، من دون أن نترك معلومات خاصة بنا حتى لا يستفيد اللصوص منها. وينبغي الحذر في ما يخص المشاركة بالمعلومات، والأشخاص الذين يتم التشارك معهم بها. وكن حذرا أيضا في إفشاء مكان وجودك، سواء كان ذلك عن قصد، أم من دون قصد، يدويا كان أم أوتوماتيكيا. ويبقى بعد ذلك أن نحاول ونسعى لجعل الأمر صعبا جدا بقدر المستطاع على من يحاول استغلالنا.
الشرق الأوسط ، 16/3/2010