٢٧ ذو الحجة ١٤٣٢ هـ

نثر الدُّرر في سَجايا تويتر

نثر الدرر في سجايا تويتر

أحمد العرفج

قَبل سَنة تَقريبًا، كَتبتُ قصّتي مَع تويتر، عَبر مَقال يَحمل اسم: (يَا قَوم.. تَتَوْتَروا ولا تَتَوَتَّروا)، مُوضِّحًا أنَّني كُنتُ أظنّه نَوعًا مِن الشّوكولاتة، عَلى وَزن تويكس، وسنكرز، لا أقول ذَلك سَاخرًا، وإنَّما أقوله جَادًّا صَادقًا، وبَعدها نَوّرني صَديقي المُختبئ للدِّراسة في أمريكا «محمود صبّاغ»، وشَرح لي أنَّه مِن أهم مَواقع التَّواصل الاجتمَاعي في العَالَم..!

بَعد ذَلك اقتحمتُ هَذا المنبر، وبَدأتُ أصول، وأجول، وكأنَّني خَيلُ امرئ القيس التي وَصفها قَائلاً:

مكَرٍّ مفَرٍّ مُقبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا

كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلٍ

والحقيقة أنَّني أعقد عَلى هَذا المَوقع الاجتمَاعي آمَالاً كَبيرة، وإليكَ مُبرِّراتي: عُرف عَن العَرب الثَّرثرة والانسيَاح في الكَلام، والاستطرَاد في الحَديث، ولَكن «عمّنا تويتر» جَاءنا وهو يَحمل راية الإيجَاز قَائلاً: إنَّ الإعجَاز في الإيجَاز، أمَّا الثَّرثرة فكُلٌّ يُحسنها، لذلك يُعطيك المُعلِّم الصَّارم «تويتر» 140 حَرفًا، وإذَا لَم تَكن هُدهدًا في الإيجَاز، فإنَّ أخَانا «تويتر» لَن يُجيز مَقولتك، وهو بالمُناسبة رَقيب لا يُحابي، ولا يُجامل، مِثل بَعض الرُّقباء في الصُّحف المُختلفة..!

لذَا عَليك أن تَكون مِثل الهُدهد، الذي ذَهب إلى بلقيس قَائلاً: «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ»..!

وإذَا تَأمَّلتَ رسَالة الهُدهد، وَجدتَ أنَّ فيها تَحيّة، ومَضمون الرِّسالة، والقَصد مِنها، وكُلّ ذَلك مُوجز في بِضع كَلِمَات، إذًا مَرحبًا بتويتر طَالما أنَّه يُعلّمنا الاختصَار..!

ومِن مَزايا تويتر، أنَّه يَجعل النَّاس عَرايا، فأنتَ تَكتشف النَّاس عَلى حَقيقتهم، وتَعرف المُتواضع مِن المُتكبّر، ومَن هو رَديء في الإملاء، ومَن هو جيّد فيهِ، ومَن كَانت صَحيفته تَحميه مِن النَّقد؛ أصبح في تويتر مَكشوف الجَبهة، حَاسر اللسان، قَليل الأعوَان..!

كُلُّ هَذه الفَرحة بتويتر جَعلتني أزور مَدينة الشِّعر، لأكتب تَحيّة شعريّة مُتواضعة، وليَعذرني القُرَّاء لأنَّ عَهدي قَديم بالشِّعر، حيثُ قَدّمتُ استقَالتي إلى دَولة الشِّعر، بُناء عَلى طَلبي طَبعًا..!

حَسنًا، هَذا تويتر، وهَؤلاء أتبَاعه الذين أعتبرهم إخوَتي في تويتر، أُخاطبهم قَائلاً:

يَا أَخِي فِي اللهِ ثُمَّ التَّوْتَرَهْ

قُمْ بِنَا نَخْطُو تِجَاهَ المَحْبَرَهْ

قُمْ بِنَا نَكْتُبْ شَيْئًا جَيّدًا

فَالفَضَاءُ الرَّحْبُ لاَ لَنْ نَخْسَرَهْ

قُلْ كَلاَمًا وَاضِحًا أَشْدُو بِهِ

لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يُجِيدُ الشَّوْشَرَهْ

لاَ تَكُنْ حَقْلاً فَقِيرًا فَارِغًا

لاَ تَكُنْ -فِي الفِكْرِ- تَهْوَى البَعْثَرَهْ

حِينَ تَتْبَعُنِي، أُرَدِّدُ قَائِلاً:

مَرْحَبًا، أَهْلاً، وَكُلِّي مَفْخَرَهْ

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: إنَّهم يَقولون إنَّ المُؤمن مِرآة أخيه، وأنَا أقول إنَّ تويتر مرآة المُجتمع..!

صحيفة المدينة ، 22/9/2011

ليست هناك تعليقات: