٢٢ نوفمبر ٢٠١١

الوقوع في أسر شبكة الإنترنت

الوقوع في أسر شبكة الإنترنت

فرع جديد في الطب يختص بأمراض الميديا والتكنولوجيا الحديثة

إدمان الإنترنت من الاضطرابات الناشئة حديثا في مجال علم النفس والطب النفسي، التي أخذت في الازدياد نتيجة للتطور المتسارع والمتزايد في وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة وسوء استخدامها والتعامل معها، وبخاصة من قبل الأطفال والمراهقين والشباب، وقد أسس بعض الأطباء مجالا جديدا في الطب يختص بأمراض الميديا والتكنولوجيا الحديثة، يضم كافة أنواع الإدمان على الكومبيوتر والإنترنت والألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو، بالإضافة إلى الأمراض الجسمية الناجمة عنها، وأصبح هناك حاليا مستشفيات ومراكز متخصصة لعلاج حالات الإدمان على الإنترنت، كما تزايدت الدراسات والبحوث والمؤلفات والدوريات المتخصصة لبحث ودراسة الآثار النفسية والاجتماعية والجسمية لسوء استخدام شبكة الإنترنت.

وقد صدر حديثا كتاب بعنوان «إدمان الإنترنت: دليل ومرشد للتقييم والعلاج»، من تحرير كل من الدكتورة كيمبرلي يونغ، والدكتور كريستيانو نابوكو دي إبريو، ويعد هذا الكتاب دليلا شاملا ومتكاملا عن موضوع إدمان الإنترنت، حيث يقدم لمحة عامة وحديثة عن الأنواع المختلفة للإدمان على الإنترنت، والتي من بينها إدمان الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو، وإدمان المواد الإباحية، وإدمان ألعاب القمار على الإنترنت، وإدمان الشبكات الاجتماعية على الإنترنت، كما يوفر الكتاب للمتخصصين معلومات عملية مفيدة يمكن استخدامها في تقييم وعلاج مشكلة إدمان الإنترنت المتزايدة وشديدة الخطورة، حيث يستكشف الكتاب أدوات وطرق التقييم المصادق عليها للتمييز بين الأنماط العادية وغير العادية لاستخدام الكومبيوتر والإنترنت، كما يتناول أنشطة وإشكاليات إدمان الإنترنت، وأنواعه الوبائية، وكذلك النظريات الحالية حول عوامل الخطورة المرتبطة بتطور اضطراب الإدمان على الإنترنت. ويستعرض الكتاب استراتيجيات وأساليب العلاج المبنية على الأدلة لمساعدة العملاء من مختلف الأعمار الذين يعانون من الاضطرابات الناجمة عن هذا الإدمان، مع الأخذ بعين الاعتبار المشكلات الرئيسية والحالات الفردية والظروف المرتبطة بهذه الاضطرابات، مع مناقشة التأثيرات الثقافية والعالمية لإدمان الإنترنت.

وينقسم الكتاب إلى جزأين، يغطيان 15 فصلا، الجزء الأول بعنوان فهم سلوك إدمان الإنترنت، ويتناول إشكاليات استخدام الإنترنت، ونماذج الإدمان عليه، وأساليب وطرق التقييم، وأمثلة لأنواع إدمان الإنترنت، مثل إدمان الألعاب الإلكترونية وإدمان المواد الإباحية وإدمان ألعاب القمار وإدمان الشبكات الاجتماعية. أما الجزء الثاني بعنوان العلاج النفسي والوقاية والعلاج، فيتناول خصائص إدمان استخدام الإنترنت، والعلاج النفسي لإدمان الإنترنت، وخطوات الوقاية والعلاج، وأساليب العمل مع المراهقين المدمنين لشبكة الإنترنت، وكيفية منع إدمان الإنترنت لديهم.

ومصطلح اضطرابات إدمان الإنترنت، قد وضعه الطبيب النفسي الأميركي إيفان غولدبيرغ، في عام 1995، في دراسة أجراها، وأشار فيها إلى أن مدمني الإنترنت يعانون من أعراض تشبه تلك التي تصيب مدمني المخدرات والكحوليات، مثل اضطرابات في النوم وتشويه لمفهوم الزمان والمكان، بالإضافة إلى صعوبات في التواصل مع الوسط المحيط، والتعرض لحالات قلق وإحباط عند الابتعاد عن شبكة الإنترنت.

وتتعلق ظاهرة إدمان الإنترنت، بالاستخدام الزائد عن الحد وغير التوافقي للإنترنت، الذي يؤدي إلى اضطرابات نفسية إكلينيكية يستدل عليها بمجموعة من الأعراض.

وتعد الدكتورة كيمبرلي يونغ، محررة الكتاب والباحثة الرئيسية، من أوائل الأطباء النفسيين الذين عكفوا على دراسة ظاهرة إدمان الإنترنت وجذب الانتباه لقضية إشكالية استخدام الإنترنت في عام 1996، حيث قامت عام 1999 بتأسيس أول مركز لعلاج إدمان الإنترنت، وتأليف كتاب «الوقوع في قبضة شبكة الإنترنت»، الذي يعد أول كتاب يعالج إدمان الإنترنت. وتعرف كيمبرلي إدمان الإنترنت بأنه اضطراب السيطرة على الاندفاع في استخدام الإنترنت، الذي لا يتضمن فقدان الوعي.

وكانت يونغ قد قامت في التسعينات بأول دراسة موثقة عن إدمان الإنترنت، شملت نحو 500 مستخدم للإنترنت، تركزت حول سلوكهم أثناء تصفحهم لشبكة الإنترنت، حيث أجاب المشاركون في الدراسة بنعم على السؤال الذي وجه لهم، وهو: عندما تتوقف عن استخدام الإنترنت، هل تعاني من أعراض الانقطاع كالاكتئاب والقلق وسوء المزاج؟ وقد جاءت النتائج بأن الأفراد المشمولين في الدراسة، قد قضوا على الأقل 38 ساعة أسبوعيا على الإنترنت، مقارنة بنحو 5 ساعات فقط أسبوعيا لغير المدمنين، كما أشارت الدراسة إلى أن من يمكن وصفهم بمدمني الإنترنت، لم يتصفحوا في الإنترنت من أجل الحصول على معلومات مفيدة لهم في أعمالهم أو دراساتهم، وإنما من أجل الاتصال مع الآخرين والدردشة معهم عبر الإنترنت. وتقسم يونغ إدمان الإنترنت إلى 5 أنواع، هي: إدمان المواقع الإباحية، وإدمان العلاقات السيبرية أي التي تتم عبر الفضاء الإلكتروني مثل علاقات قاعات الدردشة، وإلزام الإنترنت مثل ألعاب القمار أو الشراء عبر الإنترنت، وإدمان الإفراط المعلوماتي، مثل البحث عن المعلومات الزائدة عن الحد عبر الإنترنت، وإدمان الألعاب الإلكترونية.

أما أعراض حالات إدمان الإنترنت، فتشمل الكثير من الجوانب النفسية والاجتماعية والجسمية، والتي تؤثر في مجملها على الحياة الاجتماعية والأسرية للفرد، وقد أظهرت الكثير من الدراسات أن الأعراض النفسية والاجتماعية تشمل، الوحدة والعزلة والاكتئاب والقلق والتأخر عن العمل وحدوث مشكلات زوجية وأسرية وفقدان للعلاقات الأسرية والاجتماعية مثل قضاء وقت كاف مع الأسرة والأصدقاء، أما الأعراض الجسمية لإدمان الإنترنت فتشمل، التعب والخمول والأرق والحرمان من النوم وآلام الظهر والرقبة والتهاب العينين، هذا بالإضافة لمخاطر الإشعاعات الصادرة عن شاشات أجهزة الاتصال والتكنولوجيا الحديثة.

وتكمن إشكالية ظاهرة إدمان الإنترنت في أن معظم مستخدمي الإنترنت، قد لا يعرفون حدود خطورة هذه الظاهرة، وبالتالي فهم عرضة لخطر الإدمان دون أن يشعروا بذلك.

ولذلك بدأت الكثير من المدارس والجامعات ومراكز البحوث حول العالم، بتعريف وتوعية الأفراد والطلاب بطبيعة إدمان الإنترنت، من خلال عقد الندوات العلمية وورش العمل وتقديم المشورة، على اعتبار أن إدمان الإنترنت لا يختلف عن غيره من أنواع الإدمان الأخرى.

وبالإضافة إلى الاستراتيجيات السلوكية التي وضعها الباحثون والمتخصصون لعلاج الإدمان على الإنترنت، فإن هناك أيضا دورا لعوامل إيجابية أخرى في الوقاية والعلاج، كعامل الثقافة والدين والقيم الاجتماعية والأخلاقية المتعارف عليها، والتي يجب مراعاتها والالتزام بها لكي يتجنب الفرد مخاطر إدمان الإنترنت الاجتماعية والنفسية والجسمية.

ولا يعني الحديث عن ظاهرة إدمان الإنترنت التوقف عن استخدام الإنترنت أو تجاهل وجود هذه الظاهرة، بل يعني العمل على ممارسة الاستخدام المعتدل والأمثل للإنترنت ووضع ضوابط وحدود لاستخدامه، مع ضرورة وجود الرقابة والمتابعة الأسرية والتوجيه المستمر عند استخدام الأبناء لشبكة الإنترنت.

الشرق الأوسط ، 16/10/2011

ليست هناك تعليقات: