٣٠ أكتوبر ٢٠١١

عار الجائزة الثانية

عار الجائزة الثانية

يحدث هذا أحيانا، ويكون متعة مزدوجة: المقدمة أجمل من الكتاب. في المدخل إلى «عصر الإمبراطورية» (العبيكان) تقدم المؤلفة الأميركية الصينية، إيمي شوا، نفسها إلى القارئ بدل تقديم مواضيع الكتاب. وما عليك سوى أن تحصي الأمثولات، أنت وأولادك أيضا.

وصل والداها إلى بوسطن عام 1961 للالتحاق بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، لا يملكان سوى المنحة الدراسية. منع الوالد أطفاله من تناول أي طعام سوى الصيني. ومنع التحدث إلا بالصينية في المنزل. وإذا تلفظ أحدهم بكلمة إنجليزية كانت العقوبة «ضربة واحدة لكنها مؤلمة بأحد عيدان الطعام». ثم: «وعندما كان والدي يعود إلى المنزل من عمله كل مساء، كنت أخلع له نعليه وأحضر له خفيه. وفيما كان رفاقنا يكافأون من قبل أهاليهم إذا حصلوا على تقدير جيد، كان من غير المسموح لنا بالتفكير في أقل من تقدير ممتاز. وعندما كنت في الصف الثاني الإعدادي حصلت على المرتبة الثانية في مادة التاريخ وذهبت مع عائلتي إلى حفل توزيع الجوائز. كان طالب آخر قد فاز بالجائزة الأولى. وبعد الحفل قال لي والدي، لا تلحقي بي هذا العار ثانية. أبدا أبدا».

طالما قرأت وسمعت أن الطلاب الصينيين في هارفارد وسواها، يحلون دائما في المراتب الأولى. الآن عرفت السبب، إنها مسألة متعلقة بالشرف. كم هي عظيمة هذه الحضارة التي ترى في الجائزة الثانية عارا. وكيف تعمل على الحفاظ على نفسها من الذوبان عندما تلتقي بحضارة أكثر تأثيرا وإغراء.

تلك كانت الوسيلة الوحيدة لتجاوز التمييز العنصري الذي لحق بالصينيين: التفوق في كل شيء وترك الجوائز الثانية للآخرين. لم ينسوا أن الكونغرس أصدر عام 1883 قرارا يمنع ذوي الأصول الصينية من دخول البلاد، إضافة إلى العاهرات والمجرمين والمصابين بمرض الجذام.

نال والد إيمي شوا الدكتوراه في عامين وأصبح أستاذا في بيركلي في الحادية والثلاثين ثم اشتهر عالما ومهندسا: «لكن حتى عندما كنا نمثل الولايات المتحدة في الخارج، لم يكن والدانا يسمحان لنا بأن ننسى أننا صينيون. ليس من الناحية التراثية فحسب بل من ناحية الانتماء الطبيعي أيضا. إذ لا بد من نقاء الدم والعرق. والإهانة الكبرى عندنا هي أن يقال لأحدهم إنه متحدر من عشر سلالات، أو هجين».

كل من ليس صينيا ومن عرق «الهان» يعتبر في الصين «همجيا من الخارج». هكذا نظرت إمبراطورية روما أيضا إلى الألمان القادمين، أو البرابرة. (وهم غير البربر الأمازيغ). على أن إيمي شوا سوف تنشأ في مجتمع قائم على تعدد الثقافات والحضارات والأعراق: «فأفضل صديقاتي متحدرة من مزيج من أصول اسكوتلندية آيرلندية إنجليزية هولندية ألمانية».

تخرج جميع إخوة إيمي شوا من هارفارد، كما تخرجت هي من كلية الحقوق. وذابوا فيما بعد في المجتمع الأميركي عبر التزاوج. وإذا كان من أمثولة واحدة في مقدمة إيمي شوا فهي أن الاجتهاد هو الذي يجعل الصينيين أو اليابانيين أو الألمان، شعوبا متميزة.

سمير عطاالله، الشرق الأوسط ، 28/10/2011

هناك تعليق واحد: