هناك أناس كثيرون لا يعرفونني ولا يعرفون عني شيئا، ولذا لا يعرفون شيئا عن أهميتهم في حياتي اليومية. مخترع قلم الحبر الناشف والترانزيستور والأسبرين والرجل الذي ينقلني من باريس إلى بيروت في أربع ساعات. وقد غاب المقرئ العظيم محمد صديق المنشاوي من دون أن أستطيع الذهاب إليه لأشكره على ما أحدث في حياتي. ولست أفهم شيئا من نظرية أينشتاين ولا من علومه ولا من سفالته في معاملة عائلته، لكنني أعرف أن أشياء كثيرة في حياتنا لها علاقة مباشرة بالعقل الذي خصه به الله.
لكن معظم الذين غيروا في حياتنا أهل علم ورياضيات، وهذا، مع الأسف، كل ما أعرف عن العلوم والرياضيات.
عندما نفكر في الأشياء المدهشة التي تتألف منها حياتنا، نتعب في التفكر. إن المستر توماس إديسون يضيء لنا المصباح الذي نقرأ على ضوئه في الليل، والمستر بل يعطيني السماعة لأصغي إلى ابنتي وحبيبتي، وأنا في برشلونة. والهر بنز أمن لي السيارة من المطار. وأهم منه ذلك الذي صنع العجل من الكاوتشوك. أو المطاط إذا شئت. لأنه لم يعد مسموحا بأن يكون الدولاب مطاطا. كارثة إذا خطر له أن يعود إلى بداياته كما يخطر لنا. لا شيء ولا أحد يبقى كما هو إلا اللعنة اللاحقة بهذه الأمة، اللهم رد عذابها عنا. لقد غير ستيف جوبز في حياتي وفي حياة العالم. ثمة شريط أسود لفت به الكرة نفسها أمس بسبب غيابه. تخيل لو أنه ولد في حمص، مسقط رأس والده. لما كان الخروج بجنازته مسموحا!
سئل ابني على الـ«إل بي سي» إن كان والده قد سبقه في شيء، فقال: «الآي باد»! هذا المربع المسطح الخفيف الذي أقرأ عليه، أينما كنت، صحافة العالم وأسمع منه أخبار الأمة وحالة حمص وسعادة اليمن في ظل حامي الدستور والديمقراطية والعهود! وعندما أمشي أصغي إلى ما حفظه لي ستيف من أغان أو محاضرات أو دروس في التاريخ. وعلى «الآي باد» أشاهد رسوم الكاريكاتير في «النيويوركر»، الأجمل والأذكى في الدنيا. وأقرأ «السبكتاتور» التي ذكر فيها «تاكي» هذا الأسبوع أن ليا إسحق رابين قالت له إن ياسر عرفات أخف على قلبها ألف مرة من نتنياهو. تخيله على قلوب العرب!
اعتصر ستيف جوبز هذا العالم مثل برتقالة: كهرباء إديسون وهاتف بل وفنون هوليوود وصحف العالم وأخبار حمص ومواقع الشتم العربية. والحمد لله أن معرفتي باستخدام «الآي باد» محدودة: الموجة الأخلاقية. فلم يدم في الأرض زيف وما قامت إلا حقيقة.
سمير عطا الله ، الشرق الأوسط ، 7/10/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق