١٤ شوال ١٤٣٢ هـ

الصوماليون في الفضاء المعلوماتي


الصوماليون في الفضاء المعلوماتي

تزايدت حاجة المجتمع الصومإلى أخيراً إلى بنية معلوماتية للمساعدة فى غوث لاجئيه وكبح جماح الأمراض وإعادة تأهيل قطاع التعليم المنهار، وتمكين الأفراد من التواصل وتجهيزهم لأسواق العمل وغيرها.
فبعد اندلاع الحرب الأهلية في الصومال عام 1991، تفكّكت الدولة. ونزح قرابة 800 ألف شخص تشتتوا خارج بلادهم. واتّجه قرابة 450 ألفاً إلى كينيا، فاستقر أكثرهم فى معسكر «داداب» الشهير الذي يعد أكبر معسكر للاجئين عالمياً. ولجأ قرابة 30 ألفاً إلى الولايات المتحدة. وتفرق الباقون بين إثيوبيا والهند ودول أوروبية عدّة. وانهارت البنية التعليمية. وخُصخِصت المراحل العليا من التعليم. وتقلصت نسبة المتعلمين إلى 25 في المئة مما كانته سابقاً.
في الجانب الآخر من المشهد، عانى اللاجئون الصوماليون فى الشتات من التهميش والاغتراب والإقصاء وبطء الاندماج والتمييز العنصري وغيرها. واضطر معظمهم إلى الاشتغال بأعمال شاقة جسدياً ومتدنيّة الأجر، مثل النظافة وجمع المحاصيل الزراعية وتعليب اللحوم، بسبب افتقادهم المؤهلات العلمية والمهارات التقنية واللغوية الضرورية للعيش فى المجتمعات الغربية.

تجسس رقمي وإغاثة معلوماتية
في دول الغرب خــصوصاً، مورست عمليات تجسس علــيهم تـــضمّنت انتهاكاً لخــصوصياتهم، خصوصاً بعد كارثـــة الحادي عشر من أيــلول/ سبتمبر 2001، وتصاعد نشاط "حركة شباب المجاهدين". واستخدمت وكالات الاستخبارات الغربية الإنترنت، خصوصاً مواقع شبكات التواصل الاجتماعي (فايسبوك، تويتر...)، في جمع معلومات عمن تعاطف مع هذه الحركة من اللاجئين الصوماليين.
وبعد مرور عقدين من اندلاع الحرب الأهلية وانهيار الدولة، ضربت الصومال أخيراً موجة عاتية من الجفاف هي الأسوأ منذ 60 عاماً. وهدّد الجفاف قرابة 3 ملايين صومالي بالموت ظمأً وجوعاً. كما نزح أكثر من 300 ألف من لاجئي المناخ إلى مقديشيو، على رغم كونها العاصمة الأخطر عالمياً.
ولاقى ما يزيد على 30 ألف طفل خلال الشهور الثلاثة الماضية، حتفهم بسبب الجوع وأمراض الكوليرا والحصبة والجفاف وغيرها من الأمراض. وبلغ معدل وفيات الأطفال 125 طفلاً في الألف، في بلد تبلغ نسبة خصوبة المرأة فيه 6,8 في المئة. أضف إلى ذلك أن حوالى 640 ألف طفل وقعوا في قبضة سوء التغذية. ولفتت تقديرات منظمات الإغاثة الدولية إلى أن ألفًا وخمسمئة نازح يعبرون الحدود يومياً إلى معسكر «داداب» هرباً من مخالب الجوع وأنياب المرض وجور الحرب الأهلية.
المعلوم أن نسبة مستخدمي الإنترنت فى الصومال متدنّية للغاية، إذ لا تزيد عن واحد في المئة، بينما يبلغ المتوسط العالمي 30 في المئة. وبلغ عدد مستخدمي موقع «فايسبوك» 29 ألف شخص، أي أقل من نصف في المئة من السكان.
وعلى رغم تدني نسبة مستخدمي الإنترنت بين الصوماليين، فقد تعاظم دور الشبكة العنكبوتية أخيراً في استجلاب جهود الإغاثة، وتنسيق محاولات ترمي لتمكينهم من الوصول إلى فرص مُجدية في التعليم والسياسة والثقافة والصحة. فمثلاً، بث نشطاء الإنترنت عشرات من مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب YouTube بهدف توضيح حجم الكارثة. كما أرسلوا آلاف الرسائل الإلكترونية التي تحض على التبرع للاجئين. ومن أشهر النشطاء فى هذا المجال، المُدوّن الإلكتروني عبدالسلام عاطو.
وسُخّرت المواقع الإلكترونية لشبكات التواصل الاجتماعي، في دعم التواصل بين اللاجئين وذويهم في الداخل. يضاف إلى ذلك أن اللاجئين في الشتات بحاجة إلى خدمات الإنترنت ومواردها للحفاظ على تماسكهم اجتماعياً وهويتهم الوطنية وخصوصيتهم الدينية والثقافية واللغوية.
ونظمت عشرات الحملات على موقع «فايسبوك» لإغاثة لاجئي الصومال. فمثلاً، قام لاعب ريـال مدريد كريستيانو رونالدو بحملة لجمع 30 مليون دولار لمصلحتهم. وجذبت هذه الحملة أكثر من 3400 تعليق وقرابة 22 ألف مشارك.
وعلى غرار ذلك، استخدم الموقع عينه من قبل ائتلاف إنترأكشن InterActionالأميركي الذي يعبر عن شبكة تضمّ عشرات المساجد والكنائس والمنظمات الخيرية التي تساهم فى إغاثة الشعب الصومالي. كذلك نظمت الجالية الصومالية فى مدينة مينيابوليس الأميركية، بالتعاون مع اللجنة الأميركية للاجئين American Committee for Refugees، حملة لغسيل السيارات وتنظيم نشاطات اجتماعية ومارثونات رياضية، يعود ريعها لعمليات الإغاثة. وجاءت في السياق عينه، جملة من النشاطات مثل حملة «عشاق الصومال» و «رابطة الشباب الصومالي في الإمارات» و «القلب الواحد» و «أيام العطاء» و «من بيت المقدس إلى شعب الصومال» و «وحدة عربية من أجل الصومال» و«حملة لجنة الإغاثة الإنسانية لنقابة الأطباء المصرية» و"حملة خادم الحرمين الشريفين لإغاثة الصومال" وغيرها.
واستعانت منظمات الإغاثة مثل «قطر الخيرية»، بشبكة الإنترنت في جمع تبرعات مالية للصوماليين. ومن المتوقع إيصال أضاحي عيد الأضحى المبارك إلى الصوماليين من طريق الشبكة العنكبوتية.
وفي السياق نفسه، استخدمت الخرائط التفاعلية التي يوفرها محرك البحث جوجل بصورها ذات الأبعاد الثلاثية، في وصف مخيمات اللاجئين الصوماليين وشرح ظروفهم صحياً واجتماعياً ومعيشياً.
وتحتاج الصومال إلى نُظُم معلومات جغرافية للإنذار المبكر عن الكوارث والتعامل معها، والحفاظ على الغطاء النباتي وموارد المياه، والتأقلم مع تغير ظروف المناخ، والمحافظة على البيئة وغيرها.

فضاء افتراضي للمعونات
وأطلق «المركز الإسلامي» فى مدينة أوماها الأميركية مبادرة لافتة لردم ما يعرف باسم الفجوة الرقمية Digital Divide في أوساط اللاجئين الصوماليين في المدينة. المعلوم أن مصطلح «الفجوة الرقمية» يستخدم لوصف الفوارق في تقنيات المعلوماتية والاتصالات، بين الدول والشعوب والشرائح الاجتماعية.
وعمد متطوعون إلى إعادة تدوير أجهزة حاسوب مستعملة بعد تجديدها، ثم وزّعوها على اللاجئين. كذلك أعربت شركة كويست Qwest للاتصالات عن استعدادها لإمداد الجالية بخط إنترنت مجاني لتشغيل شبكة اتصال لاسلكي فى مناطق سكناهم. وعرضت جامعة نبراسكا في أوماها تقديم برامج لتدريب الأطفال على الكومبيوتر. ولم يكتمل هذا المشروع لأسباب قد يطول شرحها.
وشملت المبادرة أيضاً جمع ملابس وأجهزة إلكترونية مستعملة، لتوزيعها على دارسي اللغة العربية والقرآن فى المركز.
وفي سياق متّصل، عرض فريق صوت أفريقيا للتنمية المستدامة Africa’s Voice for Sustained Development على جهات مانحة، مشروعاً لردم الفجوة الرقمية لدى اللاجئين الصوماليين فى مخيم «داداب». وذكرت كريستال كيجوني مديرة الفريق أن المشروع يهدف إلى إنشاء شبكة لاسلكي تسمى شبكة داداب DadaabNet لتوصيل خدمات الخليوي والإنترنت اللاسلكي مجاناً لنزلاء المخيم. وذكرت كيجوني أن «مجلس اللاجئين النروجي» يدرس إمكان تمويل المشروع.
وأضافت أنه من المخطط أن يقوم شباب اللاجئين، بمساعدة متطوعين، بتصميم هذه الشبكة وتركيبها وصيانتها، ثم تقديم برامج تدريبية متصلة بها، بهدف زيادة تمكّنهم من هذه التقنيات. وأعلن عدد من المتطوعين استعدادهم للانضمام إلى المشروع، لتدريب شباب اللاجئين الصوماليين. ومن المزمع أن تستخدم الشبكة في التعليم والتدريب والتواصل الاجتماعي وغيرها من خدمات الشبكة العنكبوتية. ومن أهداف هذا المشروع أيضاً، استخدام الوسائط الإلكترونية فى تقديم الرعاية الصحية للحوامل، ونشر برامج تساعد في كبح جماح الأمراض وزيادة الرعاية الصحية للأطفال.
وقد تستخدم الشبكة نفسها في البحث عن المفقودين وتسجيل النازحين والتواصل معهم إلكترونياً. وفي هذا الصدد، ذكرت كيجوني أن الشبكة ساعدت وكالات غوث اللاجئين في تقديم خدماتها والاتصال بمراكزها الرئيسة والتنسيق فيما بينها. وتقدم أيضاً برامج لتأهيل اللاجئين الصوماليين وتدريبهم على استخدام الخليوي والكومبيوتر والإنترنت، خصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.
والخلاصة، نتوصل مما سبق إلى استنتاج أولي مفاده أن من الضروري توجيه بعض المساعدات لردم الفجوة الرقمية في المجتمع الصومالي، مما يساعد في تنظيم جهود الإغاثة ودعم التواصل بين أفراد هذا المجتمع، وعلى رأسهم اللاجئين، وتوفير متطلبات التنمية المستدامة لهم.

الحياة، 11/9/2011

العنوان الأصلي للمقالة: الإنترنت تغيث اللاجئين الصوماليين

ليست هناك تعليقات: