٦ يونيو ٢٠١١

يوميات الثورة

يوميات الثورة

أصدرت مجلة «وجهات نظر» عددا خاصا متميزا عن الثورة ووقائعها، منذ قيامها يوم الثلاثاء 25 يناير، سبقت به وسائل الإعلام والصحف والمجلات الأخرى فى العالم العربى. اشتمل على ثلاثة مجلدات تغطى شهور فبراير ومارس وأبريل، تتضمن رصدا دقيقا بالصور والمقالات وتسلسل الأحداث.. يستحق أن يكون وثيقة تاريخية لتلك الفترة الحاسمة من تاريخ مصر والعالم العربى.
يقلب القارئ صفحات العدد المصور من ثلاثية «وجهات نظر»، ليبدأ بيوم الغضب الذى كان يوما للاحتفال بعيد الشرطة. وبعناوين ضخمة ينشر «الأهرام» صور العادلى فى حديثه الأخير يتبرأ فيه من مسئولية تفجير الكنيسة فى الإسكندرية. ويزعم أنه من فعل تنظيم إرهابى من 19 انتحاريا لتفجير دور العبادة.. تتوالى وتتصاعد مظاهر الغضب وصدامات الشرطة والمتظاهرين. حتى تقع انتفاضة يوم الجمعة التى تجمع فيها عشرات الألوف فى معارك مروعة مع قوات الأمن يسقط فيها عدد كبير من الشهداء!
تضم صفحات المجلة صورا لم تنشر من قبل عن ضباط للشرطة يطلقون النار على المتظاهرين من فوق سطح أقسام البوليس، وتفاصيل المذابح التى وقعت فى السويس والإسكندرية والمحافظات. وحين يتدخل الجيش يوم الثلاثاء ويعلن أنه لن يستخدم العنف ضد أبناء مصر، وأنه يؤيد المطالب المشروعة للمواطنين ويكفل لهم حرية التعبير طبقا للدستور.. يكون ذلك ايذانا بمرحلة سقوط النظام وتراجع مبارك.
تنشر المجلة صورا ناطقة «لموقعة الجمل» ظهرت فيها بوضوح وجوه البلطجية فوق ظهور البغال والحمير والجمال فى طريقهم إلى ميدان التحرير. وحين يلتقى المعتصمون يوم جمعة الرحيل التى آذنت بنهاية عصر مبارك، كانت مصر الغاضبة قد دخلت مرحلة التغيير. وبدأت أوراق الحزب الوطنى وفلوله تتساقط ويلقى القبض على أركان النظام من الوزراء والأعوان وتجميد أموالهم ومنعهم من السفر. ويختتم العدد صفحاته بيوم انتصار الشعب وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة زمام الحكم.. وبداية مرحلة بناء النظام الجديد!
لقد كان لثورة 25 يناير أبعاد دولية واسعة النطاق بما آثرته من اهتمامات عالمية. فبرزت تحليلات عديدة تتحدث عن تكنولوجيا المعلومات ودور الفيس بوك والتويتر واليوتيوب فى نشر مفاهيم الثورة وتوسيع نطاق الحرية السياسية والاجتماعية. وكيف أدت هذه الأساليب الحديثة إلى تعبئة القوى السياسية وتوسيع المجال العام مما خلق مزيدا من التعددية لتحقيق استقلالية الأخبار والتعليقات والمعلومات. وهذا ما اهتمت «وجهات نظر» فى مقالاتها بتقديمه للقراء، حتى يدرك الكثيرون أن وسائل الاتصال الحديثة كانت أقوى من طلقات الرصاص والهراوات وأساليب التعذيب التى طبقت بضراوة فى عهد النظام البائد!
وفى صورة تاريخية جمعت رءوس الاستبداد الحاكم فى الأمة العربية: مبارك، والقذافى، وصالح، وزين العابدين والبشير تقرأ دراسة تحليلية عميقة لم تنشر لتقرير التنمية الإنسانية العربية، الذى صدر بدونها عام 2004 عن دولة الثقب الأسود. تقدم رؤية تنبئ بالأحداث التى أطاحت بأنظمة الحكم فى تونس ومصر وليبيا وباتت تدق أبواب دول عربية أخرى. وتقدم الدراسة التى كتبها د. عبدالوهاب الأفندى الأستاذ بجامعة ديستمنستر وصفا دقيقا لخصائص دول الثقب الأسود، التى يجمع بينها اعتمادها على التهميش الاستراتيجى لكل المؤسسات والقوى الاجتماعية بما فى ذلك مؤسسات الدولة. والتسييس الكامل للفضاء الاجتماعى. واستخدام الإرهاب ضد كل من تسول له نفسه استخدام إمكانياته ضد الحكم.
وطبقا لهذه الدراسة فإن المناخ الدولى الذى جعل دولا كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا تنتهج نفس الممارسات التى كانت تنتقد أنظمة عربية بسببها، مثل الاعتقال بدون محاكم والإعدام خارج نطاق القانون والخطف والاخفاء.. عزز من هذه الممارسات فى دول الثقب الأسود.
وفى سلسلة من المقالات تعرض المجلة كيف هبت رياح التغيير التى شهدها ربيع الديمقراطية فى ليبيا واليمن وسوريا.. حيث كان القذافى يمسك بكل مقاليد السلطة بدون دستور أو برلمان أو أحزاب سياسية. وكيف بلغ تألهه درجة لا حدود لها.. وفى اليمن حيث بدأت لعنة التوريث تطارد الأوضاع فى اليمن منذ عام 2000 عندما برز دور ابن على عبدالله صالح فى الجيش. وأخذ نظام الحكم يتهاوى داخليا نتيجة للصدام بين صالح وحلفائه القدامى.. وفى سوريا يتضح أن ارتباط نظام الأسد بالمؤسسة الأمنية زاد من الغضب الشعبى بسبب اتساع الفجوة الاجتماعية بين النخبة والأغلبية المهمشة!
الدراما العربية لها وجوه كثيرة. ولكنها تنحشر جميعا فى ثقب أسود يصعب اختراقه!

سلامة أحمد سلامة ، الشروق الجديد ، 4/6/2011

عندما تعتقد أن الإنترنت يعرفك

عندما تعتقد أن الإنترنت يعرفك

تقول القصة إننا كنا نعيش ذات يوم فى مجتمع البث الإذاعى والتليفزيونى. فى ذلك العصر الغابر ما قبل الإنترنت، لم تكن أدوات التشارك فى المعلومات متاحة على نطاق واسع. فإذا كنت تريد أن تشارك أفكارك مع الجماهير، فينبغى أن تمتلك مطبعة أو نصيبا على موجات الأثير، أو تكون لك صلة بمن يمتلك أيهما.
وكانت نخبة من المحررين والمنتجين وأقطاب وسائل الإعلام تسيطر على تدفق المعلومات، وتقرر ما يراه الناس حول العالم ويسمعونه. فقد كانوا حراس البوابات المتحكمين فى المعرفة.

ثم جاءت شبكة الإنترنت، التى جعلت التواصل مع الملايين أمرا ممكنا بتكلفة ضئيلة أو من دون تكلفة، حيث يمكن لأى شخص عبر الاتصال بالإنترنت تبادل الأفكار فورا مع العالم الأجمع. وهكذا، بزغ فجر حقبة جديدة من ديمقراطية وسائل الإعلام. وربما تكون قد سمعت هذه القصة من قبل ــ لعل ذلك من جلين رينولدز المدون المحافظ عندما كتب إن التدوين «القضاء على حراس البوابات» أو المدون التقدمى ماركوس موليتساس فى كتابه «تحطيم البوابة».
وقد وصفتها باعتبارى ممارسا للسياسة على الإنترنت منذ وقت مبكر بأنها قصة جميلة عن السلطة الثورية للوسائط. لكننى أقتنع على نحو متزايد بأننا توصلنا إلى النتيجة الخاطئة.. وربما هى خاطئة على نحو خطير. فهناك مجموعة من الحراس المتحكمين فى المدينة، وهم هذه المرة ليسوا أشخاصا، وإنما الشفرة.
ويرى عمالقة الإنترنت ــ جوجل، وفيس بوك، وياهوو، ومايكروسوفت ــ الزيادة الملحوظة فى المعلومات المتاحة باعتبارها فرصة. فإذا كان بإمكانهم إمدادنا بالخدمات والبيانات الدقيقة وتزويدنا بالنتائج الأكثر جاذبية وارتباطا باحتياجاتنا، سوف يحصلون على معظم المستخدمين ومعظم الإعلانات. ونتيجة لذلك، فهم يتسابقون لتقديم برامج الحجب الشخصية التى تعرض لنا الإنترنت الذى يعتقدون بأننا نريد أن نراه. وهذه البرامج، فعليا، تتحكم فى المعلومات التى تصل إلى شاشاتنا وتحد منها.
وقد اعتدنا الآن على الإعلانات التى تلاحقنا على الإنترنت، بناء على نقراتنا الأخيرة، لتدخلنا إلى المواقع التجارية. ولكن، على نحو متزايد، وغير مرئى تقريبا، فقد تم إضفاء الصفة الشخصية على دخولنا إلى المعلومات. فربما يحصل شخصان يسعى كل منهما للبحث على جوجل عن كلمة «مصر» على نتائج مختلفة إلى حد كبير، بناء على عمليات بحث كل منهما أخيرا.
ويجرى كل من موقع ياهوو الإخبارى وجوجل الإخبارى تعديلات على صفحتيهما الرئيسيتين وفقا لكل زائر على حدة. وفى الشهر الماضى فحسب، بدأت هذه التكنولوجيا تعرف طريقها إلى مواقع صحفية على الشبكة، مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز.
وهذا كله لا يعتبر ضارا، عندما يتم فرز المنتجات الاستهلاكية داخل وخارج عالمك الشخصى. ولكن عندما لا يؤثر التخصيص الشخصى على ما تشتريه فحسب، ولكن ما تعتقده، تنشأ قضايا مختلفة. حيث تعتمد الديمقراطية على قدرة المواطن على التعامل مع رؤى متعددة، وتحد شبكة الإنترنت من هذا التعامل، عندما لا تقدم سوى المعلومات التى تعكس رؤيتك القائمة بالفعل. وبينما يكون مناسبا أحيانا أن ترى ما تريد أن تراه فحسب، فمن المهم فى أحيان أخرى أن ترى أشياء لم تكن تريدها.
وصار للمهندسين الذين يكتبون شفرة التحكم الجديدة سلطة هائلة فى تحديد ما نعرفه عن العالم، مثلما كان للمتحكمين القدامى. ولكن خلافا لأفضل المتحكمين القدامى، فهم لا يرون أنفسهم أمناء على ثقة الجمهور. فليس هناك معادل لأخلاقيات مهنة الصحافة، فذات مرة قال مارك زوكبيرج المدير التنفيذى بموقع فيس بوك لزملائه: «ربما كان السنجاب الذى يموت فى الفناء الأمامى لبيتك أكثر صلة بمصالحك الخاصة من الناس الذين يموتون فى أفريقيا». وفى فيس بوك، يكاد يكون «الصلة» هى المعيار الوحيد لتحديد ما يراه المستخدمون.
والتركيز على الأخبار الأكثر صلة ــ السنجاب ــ سياسة تجارية كبيرة. لكنها تتركنا نحدق فى الفناء الأمامى، بدلا من أن نقرأ عن الإبادة الجماعية والمعاناة والثورة.
وليست هناك عودة إلى نظام المتحكمين القدامى، ولا ينبغى أن نعود للوراء. ولكن إذا كانت الحسابات سوف تسيطر على وظيفة تحرير وتقرير ما نراه، فنحن نريد التأكد من أنها سوف تحسب وزنا لمتنوعات تتجاوز معيار «الصلة» الضيق. حيث ينبغى أن تطلعنا على أفغانستان وليبيا كما تطلعنا على شركتى آبل وكينى. ويتعين على الشركات التى تستفيد من هذه الحسابات أخذ مسئولياتها فى المعالجة على نحو أكثر جدية عما تفعله حتى الآن. عليها أن تمنحنا سيطرة على ما نشاهد ــ وتوضيح الأمر عندما تكون المعلومات مشخصنة، والسماح لنا بأن نشكل ونضبط الفلاتر الخاصة بنا. فنحن ــ المواطنين ــ نحتاج إلى أن نتحكم فى غاياتنا أيضا ــ وتطوير «محو أمية الفلاتر» المطلوبة لاستخدام هذه الأدوات جيدا، وطلب المحتويات التى توسع من آفاقنا حتى عندما لا يكون ذلك مريحا.
لا شك أنه من مصلحتنا الجمعية ضمان أن شبكة الإنترنت تحقق ما نريده باعتبارها وسيطا للتلاحم الثورى. ولن يحدث ذلك إذا تم حصرنا جميعا فى إطار عوالمنا المشخصنة.

باريسيه إيلاي ، الشروق الجديد ، 29/5/2011

بــدون تعليــق

بــدون تعليــق

الشرق الأوسط ، 5/6/2001



٣ يونيو ٢٠١١

مدونات العلماء العلمية

مدونات العلماء العلمية

حققت المدونات في الآونة الأخيرة انتشارا وازديادا هائلا بصورة لافتة للنظر، خاصة في المجالات السياسية والإعلامية والثقافية، ووصل عددها على مستوى العالم حتى 12 مايو (أيار) الحالي وفقا للموقع الإلكتروني «نبض المدونة» (www.blogpulse.com) إلى أكثر من 161 مليون مدونة. وتعد المدونات وسيلة مهمة حاليا وبديلة عن وسائل الإعلام الخاضعة للرقابة، حيث تتخطى الحدود والحواجز، ويتخذها الأفراد متنفسا للتعبير عن آرائهم ومشكلاتهم وقضاياهم وممارسة النقد تجاه الكثير من الموضوعات والقضايا المجتمعية المهمة المطروحة. ويمكن للمدونات أن تسهم في تغطية الأحداث بتفاصيل دقيقة وبالصور في سرعة ومهنية صحافية عالية قد تنافس الكثير من وسائل الإعلام التقليدية.

والمدونة هي تعريب لكلمة «بلوغ» (Blog) الإنجليزية، المشتقة من «Web Log»، وتعني الدخول على الشبكة، وحرفيا سجلات الشبكة، ويقصد بها يوميات إلكترونية، وقد وضعه هذا المصطلح الأميركي جون بارغر في ديسمبر (كانون الأول) عام 1997، ثم أدمجت الكلمتان فأصبحتا (weblog)، التي اختصرت إلى مصطلح (Blog)، الذي وضعه بيتر ميرهولز في عام 1999. ويسمى صاحب المدونة مدونا، والجمع مدونون «البلوغرز» (Bloggers)، والكتابة في المدونة تسمى تدوين (Blogging). والمدونة نوع أو جزء من المواقع الإلكترونية على الإنترنت، الخاصة بالأفراد أو المؤسسات، وتتضمن الكثير من الأخبار والتعليقات على موضوعات معينة، وقد تكون بمثابة يوميات شخصية. وتمتاز المدونات عن المواقع العادية بقدرة القراء على وضع تعليقاتهم بصورة تفاعلية، كما توفر سجلا أرشيفيا للموضوعات المتاحة بها، تكون مرتبة زمنيا حسب حداثتها، ومن السهل الوصول إليها، كما تسمح المدونة بخلق صفحات ومعلومات جديدة تضاف إليها بسهولة. والمدونات النموذجية تجمع بين النصوص والصور والصوت (بودكاست) ومقاطع الفيديو وروابط مدونات وصفحات ويب أخرى ذات صلة بالموضوعات المطروحة على المدونة.

وقد شهد عالمنا العربي في السنوات الأخيرة انتشارا ملحوظا للمدونات، ووصل عددها إلى الآلاف، وتشتمل غالبيتها على مدونات أدبية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية ورياضية. لكن الملاحظ أن مدونات العلوم والتقنية عموما قليلة للغاية، مع غياب المدونات العلمية للعلماء العرب، التي تتناول بالصوت والصورة والفيديو أعمالهم وإنجازاتهم من أبحاث ودراسات وكتب وندوات ومؤتمرات ومحاضرات وجوائز، وتتضمن سجلا أرشيفيا لأخبار وموضوعات واتجاهات العلوم الحالية والمستقبلية، ويمكن أن تسهم وتشجع على نشر العلوم والاهتمام بها ودراستها وفهمها وبخاصة لدى أجيالنا الناشئة والطلاب وعامة الجمهور.

في الدول المتقدمة التي تهتم دائما بالعلوم وأساليب نشرها والاهتمام بها على أوسع نطاق، نجد أن مدونات العلوم، خصوصا مدونات العلماء، تعد من القضايا العلمية المهمة التي تحظى باهتمام متزايد، وتتناولها الكثير من المؤتمرات التي تتناول اتجاهات وأساليب نشر العلوم على شبكة الإنترنت، حيث تعد المدونات الآن من أساليب التربية العلمية الحديثة التي تسهم في نشر وتعليم العلوم وزيادة الإقبال على دراستها وفهمها. وتشتمل مدونات العلماء على نصوص وصور وملفات صوتية (بودكاست) ومقاطع فيديو، تتضمن أحدث أخبار واتجاهات ودراسات وأبحاث وكتب ومجلات العلوم والتكنولوجيا العالمية، وروابط لمواقع ومدونات علمية أخرى ذات صلة بموضوعات وقضايا العلوم المطروحة بالمدونة. كما تتضمن مدونات العلماء سجلات بإنجازاتهم وأعمالهم من دراسات وأبحاث وكتب ومحاضرات وجوائز وندوات ولقاءات وبرامج تلفزيونية، مصحوبة بفيديوهات علمية لهم ولغيرهم من العلماء تكون ذات صلة بالنصوص والموضوعات العلمية المعروضة بالمدونات، ويعرض العلماء في مدوناتهم لتجاربهم وخبراتهم العلمية والعملية التي يمكن أن يستفيد منها الطلاب والباحثون والمشتغلون بالعلم. ويستطيع القراء إثراء هذه المدونات بالحوار والنقاش والتفاعل مع هؤلاء العلماء بوضع تعليقاتهم وأسئلتهم حول الموضوعات والقضايا المطروحة.

على سبيل المثال، تعد مدونة عالم الفيزياء النظرية الأميركي ميتشيو كاكو، نموذجا رائدا لمدونات العلماء العلمية، على الموقعين «http://mkaku.org»، و«http://bigthink.com/blogs/dr-kakus-universe»، حيث تتضمن أبحاثه ومقالاته ومحاضراته ومنشوراته وملفات صوتية لبرامجه الإذاعية ومقاطع فيديو، وروابط لصفحات ويب أخرى ذات صلة. ويعد البروفسور كاكو من أبرز علماء العالم في الفيزياء النظرية، حيث يعمل أستاذ كرسي هنري سيمات للفيزياء النظرية في جامعة مدينة نيويورك. وهو من المهتمين والمتابعين والمتأثرين بكتابات وأعمال الخيال العلمي، وشهير بتبسيطه للعلوم، حيث يعد متحدثا علميا بارعا، يحظى بالقبول والجاذبية والشعبية، ويحاول أن ينقل للمشاهد والمستمع إحساسه وتعجبه من اكتشافات وعجائب العلوم في الحاضر والمستقبل. وله الكثير من الكتب العلمية العالمية الأكثر مبيعا، منها كتاب «كيف سيغير العلم حياتنا في القرن الحادي والعشرين» عام 1998، وكتاب «فيزياء المستحيل» عام 2008، وحديثا كتاب «فيزياء المستقبل» الصادر في مارس (آذار) الماضي، كما أن له الكثير من البرامج والأفلام العلمية الجادة، منها برنامج «علم الخيال العلمي» على قناة العلوم الأميركية، وبرنامج علمي أسبوعي بالإذاعة لمدة ساعة يبث في جميع أنحاء أميركا، بعنوان «اكتشافات في العلم». كما يقدم برنامج «2057» على قناة «ديسكفري» الأميركية، كما قدم لقناة الـ«بي بي سي» البريطانية سلسلة علمية على مدى ثلاث حلقات بمعدل ساعة لكل حلقة، بعنوان «رؤى المستقبل»، تناولت أهم ثلاثة اتجاهات علمية عالمية وآفاقها الواعدة في الحاضر والمستقبل، وهي البيوتكنولوجي (التقنية الحيوية)، والنانوتكنولوجي (التقنيات متناهية الصغر)، والروبوتات والذكاء الصناعي، وقد تضمنت مشاهد مرئية ولقاءات علمية من داخل معامل ومراكز الأبحاث العلمية العالمية مع الكثير من أبرز علماء العالم في هذه الاتجاهات العلمية.

ومن بين مدونات العلماء الأخرى، مدونة عالم الذكاء الصناعي والمستقبليات، والمخترع الأميركي راي كيرزويل، مخترع آلة تحويل النصوص المكتوبة إلى كلمات مسموعة لمساعدة المكفوفين على القراءة، ومن مؤلفاته كتاب «عصر الآلات الروحية: عندما تتخطى الكمبيوترات الذكاء البشري» عام 1999، وموقع المدونة «www.kurzweilai.net».

وتتعدد المدونات العلمية للعلماء، فمنها ما يتناول علوما وموضوعات ومجالات علمية متعددة، ومدونات أخرى تكون متخصصة في علوم ومجالات وموضوعات وقضايا علمية بعينها، تمثل اتجاهات علمية عالمية حديثة ذات أهمية متزايدة، مثل علوم البيوتكنولوجي، والنانوتكنولوجي، والتغير المناخي، والاحتباس الحراري، والروبوتات والذكاء الصناعي، والخلايا الجذعية، والجينات، وأخلاقيات البيولوجيا أي المخاوف بشأن التأثيرات الاجتماعية والأخلاقية والثقافية والقانونية التي قد تترتب عن التطورات في العلوم البيولوجية، مثل الأبحاث حول الخلايا الجذعية والاستنساخ والتجارب الوراثية.

ومن بين مدونات العلوم العالمية ذات الشعبية والجماهيرية العالية، مدونة مجلة العلوم الأميركية، بعنوان «60 ثانية في العلم» وموقعها «www.scientificamerican.com/blog/60-second-science»، ومدونة مجلة «وايرد» الأميركية، وموقعها «http://blog.wired.com/wiredscience»، ومدونة مجلة «ديسكفري» وموقعها «http://blogs.discovermagazine.com»، ومدونة علماء المناخ عن التغير المناخي والاحتباس الحراري للعامة والصحافيين، وموقعها «www.realclimate.org»، ومدونة البيوتكنولوجي والجينوم والجينات، وموقعها «www.thinkgene.com»، ومدونة أخلاقيات البيولوجيا، وموقعها «http://blog.bioethics.net».

لقد أصبحت مدونات العلوم في العصر الحاضر نمطا جديدا ومهما في التوعية العلمية، وتبدد التوتر بشأنها، وأصبحت تسهم بدور كبير في نشر العلوم والاهتمام بها، حيث تسير جنبا إلى جنب بمحاذاة وسائل الإعلام التقليدية، وتستطيع منافستها والتفوق عليها، في جذب الجماهير وتفاعلها معها، بقوة وتميز محتواها وقدرة وكفاءة مدونيها.

لكن يبقى القول إن إعداد وتصميم مدونات علمية يختلف عن تصميم المدونات الأخرى، إذ يتطلب دروسا نظرية وتدريبات عملية، مع ضرورة وأهمية تحري الدقة والمهارة في اختيار النصوص والموضوعات العلمية والملفات الصوتية والفيديوهات العلمية، وتصميمها بصورة أنيقة ومميزة وجذابة، تجعل من الإقبال على دراسة العلوم وفهمها وتعلمها متعة وفائدة، وبخاصة أن العلوم والتكنولوجيا أصبحت ذات صلة وثيقة بحياتنا اليومية.

الشرق الأوسط ، 20/5/2001

٢ يونيو ٢٠١١

أخلاقيات عصر المعلومات

أخلاقيات عصر المعلومات

التكنولوجيا بجميع أشكالها وأنواعها في العصر الحاضر وبخاصة الحديثة منها، مثل أجهزة الكومبيوتر والإنترنت والهواتف المحمولة والكاميرات الرقمية وألعاب الفيديو، قد وجدت لتسهل وتيسر للإنسان والمجتمع حياته ورفاهيته. لكن الواقع الحالي يؤكد على أن هناك من يجهل أو يتجاهل الأهداف الأساسية من اختراع وتطوير هذه التكنولوجيات، كما لا يعرف كيفية استخدامها استخداما أخلاقيا سليما، والمثال على ذلك، الاستخدام غير الأخلاقي لشبكة الإنترنت، من اعتداء على الخصوصيات والتجسس المعلوماتي وسرقة الهويات الشخصية وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، وسرقة البعض للنتاج الفكري للآخرين من بحوث ومقالات ونسبها لأنفسهم، أو سرقة الأرصدة والأموال البنكية عبر التحويل الإلكتروني، أو سرقة البرامج أو إعادة نسخها، أو إتلاف وإزالة وتشويه والتلاعب بالبيانات والمعلومات، أو التخريب والتدمير الإلكتروني لأنظمة الكومبيوتر أو الترويج لمواد ومحتويات ضارة غير هادفة عبر رسائل بالبريد الإلكتروني أو في الإساءة إلى أشخاص وتلويث وتشويه سمعتهم، والمخاطر التي تنجم عن التحاور مع الآخرين عبر مواقع المحادثة أو ما يسمى بغرف الدردشة (الشات). وكذلك من يستخدمون الهواتف الجوالة لإزعاج الآخرين بالمعاكسات أو نشر صور مخلة بالآداب عبر كاميرات هذه الهواتف.

ويقصد بأخلاقيات التكنولوجيا، الأخلاقيات المتعلقة بمستخدميها التي تحكم تصرفاتهم وسلوكياتهم نحوها، وتتضمن مجموعة من القواعد والقوانين لكي يلتزم بها الأفراد وتبنى عليها قراراتهم وأفعالهم عند استخدام هذه التكنولوجيا. وقد تكون هذه الأخلاقيات بين الفرد المستخدم للتكنولوجيا ونفسه أو بينه وبين الآخرين، هذا بالإضافة إلى أخلاقيات بين المستخدم والمكونات المادية للتكنولوجيا، والتي تشمل الحرص على سلامة الأجهزة ومحتوياتها من التكسير والإتلاف.

وحول أخلاقيات التكنولوجيا، صدر حديثا كتاب بعنوان «التكنولوجيا والأخلاقيات: خلافات وتساؤلات واستراتيجيات لأخلاقيات الحوسبة»، للبروفسور هيرمان تافاني، أستاذ الفلسفة بكلية ريفير، بولاية نيوهامبشير الأميركية، ورئيس الجمعية الدولية للأخلاقيات وتكنولوجيا المعلومات، التي تأسست في ولاية فيرجينيا الأميركية عام 2000، والذي يعد من المتخصصين في مجال أخلاقيات التكنولوجيا، فقد قام بتأليف وتحرير 5 كتب عن الجوانب الاجتماعية والأخلاقية لتكنولوجيا المعلومات.

ومن بين التساؤلات المهمة التي يطرحها الكتاب: هل هناك خصوصية في عالم الهواتف المزودة بكاميرات والشبكات اللاسلكية؟، وهل تهدد التكنولوجيا حرياتنا المدنية؟، وكيف ستؤثر علينا تقنية المعلوماتية الحيوية (بيوإنفورماتيكس Bioinformatics) (الجمع بين تقنية المعلومات والتقنية الحيوية)، وتقنية النانوتكنولوجي (التقنيات المتناهية في الصغر)؟

يشير الكتاب إلى أن عصر المعلومات الحالي يفرض العديد من الأسئلة الجادة والخطيرة والمعقدة، في مجال أخلاقيات الفضاء الإلكتروني والتي تتعلق بالعديد من القضايا مثل الخصوصية والأمن والملكية الفكرية، حيث يتناول المؤلف من خلال التداخل والتكامل بين مختلف العلوم والتخصصات، القضايا الأخلاقية الجديدة من جوانب ورؤى متعددة، تقنية واجتماعية وفلسفية وقانونية والتي تفيد المهتمين بعلوم الكومبيوتر من متخصصين وغير متخصصين، للتعرف على التحديات الجديدة في الفضاء الإلكتروني.

على مدى 12 فصلا للكتاب، يتناول المؤلف العديد من الموضوعات والقضايا الحديثة المهمة المتعلقة بأخلاقيات التكنولوجيا في الفضاء الإلكتروني، مثل الخصوصية والأمن والجريمة الإلكترونية والملكية الفكرية، والهوية الشخصية، والتجارة الإلكترونية والكلام في الفضاء الإلكتروني، والجوانب الأخلاقية للتكنولوجيات الناشئة والمتقاربة، مثل التأثيرات المتداخلة بين النانوتكنولوجي وتقنية المعلومات الحيوية، بالإضافة إلى تحليل لقرارات خاصة بقضايا حديثة في المحاكم متعلقة بمجالات التكنولوجيا.

في الفصول الأربعة الأولى من الكتاب يتناول المؤلف مقدمة لأخلاقيات الفضاء الإلكتروني: المفاهيم، الرؤى والأطر المنهجية، والمفاهيم والنظريات الأخلاقية، ومهارات التفكير النقدي والحجج المنطقية باعتبارها أدوات لتقييم قضايا أخلاقيات الفضاء الإلكتروني. ففي الفصل الأول يتساءل المؤلف عن أسباب اختيار مصطلح «أخلاقيات الفضاء الإلكتروني» (Cyberethics)، ويشير بالقول إلى أن العديد من المؤلفين يستخدمون مصطلح «أخلاقيات الكومبيوتر»، للتعبير عن القضايا الأخلاقية المتصلة بتكنولوجيا الكومبيوتر والمعلومات، والبعض الآخر يستخدم تعبير «أخلاقيات المعلومات» للإشارة إلى الأخلاقيات المتصلة بتدفق المعلومات، سواء المعززة لها أو القاصرة على تكنولوجيا الكومبيوتر، ونظرا للقلق والاهتمام بالقضايا الأخلاقية المتعلقة بشبكة الإنترنت، فقد استخدم البعض مصطلح «أخلاقيات الإنترنت»، أما المؤلف فيرى أن استخدام مصطلح أخلاقيات الفضاء الإلكتروني أكثر دقة وصحة، وأكثر شمولية، وغير محدود، ومناسب بدرجة أكبر عن مصطلحي أخلاقيات الكومبيوتر وأخلاقيات الإنترنت، وذلك لتناوله مدى واسع من قضايا الأخلاقيات المتضمنة تكنولوجيا الفضاء الإلكتروني «السيبري» (Cybertechnology) (أجهزة الاتصالات والحوسبة)، مثل القضايا الأخلاقية والاجتماعية والقانونية.

وجدير بالذكر أن مصطلح «الفضاء السيبري» (Cyberspace)، قد وضعه لأول مرة كاتب الخيال العلمي الأميركي الكندي وليام غيبسون المولود عام 1948، في روايته «نيورومانسر» (Neuromancer) عام 1984، والتي نالت العديد من جوائز الخيال العلمي، وتعد من أشهر روايات حركة «السيبربنك» (Cyberpunk Movement)، ويعني المصطلح الفضاء المتخيل الذي نعبره عندما ننتقل في أرجاء شبكة الإنترنت وكل ما يتعلق به من استخدامات، وقد تحدثت الرواية عن عديد من المفاهيم مثل الذكاء الصناعي والواقع الافتراضي وهندسة الجينات، في الثمانينات، وقبل أن تصبح شائعة في عالم اليوم. وتعد حركة «السيبربنك» من أهم اتجاهات الخيال العلمي حاليا، وتعني ثورة الكومبيوتر أو الآلة، وتعبر عن تمرد الأفراد على البقاء داخل النظام الذي يتحكم بالجميع، وهيمنة استخدام مؤسسات السلطة لأجهزة الكومبيوتر بصورة متزايدة. ومصطلح «سيبربنك» يتألف من كلمتين، «سيبر»، و«بنك»، وكلمة « سيبر» مشتقة من مصطلح «سيبرنيتكس» (علم التحكم الآلي Cybernetics)، وتشير إلى العالم الرقمي أو الإلكتروني، أما كلمة «بنك» فتشير إلى الثائر والمشاغب بالمعنى الاجتماعي الذي يرفض القيود والقواعد والنظم الاجتماعية، والمصطلح وضعه كاتب الخيال العلمي الأميركي بروس بيثكي المولود عام 1955، كعنوان لقصة قصيرة له نشرت في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1983 في مجلة قصص الخيال العلمي المذهلة.

الشرق الأوسط ، 29/5/2011