٢ يونيو ٢٠١١

أخلاقيات عصر المعلومات

أخلاقيات عصر المعلومات

التكنولوجيا بجميع أشكالها وأنواعها في العصر الحاضر وبخاصة الحديثة منها، مثل أجهزة الكومبيوتر والإنترنت والهواتف المحمولة والكاميرات الرقمية وألعاب الفيديو، قد وجدت لتسهل وتيسر للإنسان والمجتمع حياته ورفاهيته. لكن الواقع الحالي يؤكد على أن هناك من يجهل أو يتجاهل الأهداف الأساسية من اختراع وتطوير هذه التكنولوجيات، كما لا يعرف كيفية استخدامها استخداما أخلاقيا سليما، والمثال على ذلك، الاستخدام غير الأخلاقي لشبكة الإنترنت، من اعتداء على الخصوصيات والتجسس المعلوماتي وسرقة الهويات الشخصية وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، وسرقة البعض للنتاج الفكري للآخرين من بحوث ومقالات ونسبها لأنفسهم، أو سرقة الأرصدة والأموال البنكية عبر التحويل الإلكتروني، أو سرقة البرامج أو إعادة نسخها، أو إتلاف وإزالة وتشويه والتلاعب بالبيانات والمعلومات، أو التخريب والتدمير الإلكتروني لأنظمة الكومبيوتر أو الترويج لمواد ومحتويات ضارة غير هادفة عبر رسائل بالبريد الإلكتروني أو في الإساءة إلى أشخاص وتلويث وتشويه سمعتهم، والمخاطر التي تنجم عن التحاور مع الآخرين عبر مواقع المحادثة أو ما يسمى بغرف الدردشة (الشات). وكذلك من يستخدمون الهواتف الجوالة لإزعاج الآخرين بالمعاكسات أو نشر صور مخلة بالآداب عبر كاميرات هذه الهواتف.

ويقصد بأخلاقيات التكنولوجيا، الأخلاقيات المتعلقة بمستخدميها التي تحكم تصرفاتهم وسلوكياتهم نحوها، وتتضمن مجموعة من القواعد والقوانين لكي يلتزم بها الأفراد وتبنى عليها قراراتهم وأفعالهم عند استخدام هذه التكنولوجيا. وقد تكون هذه الأخلاقيات بين الفرد المستخدم للتكنولوجيا ونفسه أو بينه وبين الآخرين، هذا بالإضافة إلى أخلاقيات بين المستخدم والمكونات المادية للتكنولوجيا، والتي تشمل الحرص على سلامة الأجهزة ومحتوياتها من التكسير والإتلاف.

وحول أخلاقيات التكنولوجيا، صدر حديثا كتاب بعنوان «التكنولوجيا والأخلاقيات: خلافات وتساؤلات واستراتيجيات لأخلاقيات الحوسبة»، للبروفسور هيرمان تافاني، أستاذ الفلسفة بكلية ريفير، بولاية نيوهامبشير الأميركية، ورئيس الجمعية الدولية للأخلاقيات وتكنولوجيا المعلومات، التي تأسست في ولاية فيرجينيا الأميركية عام 2000، والذي يعد من المتخصصين في مجال أخلاقيات التكنولوجيا، فقد قام بتأليف وتحرير 5 كتب عن الجوانب الاجتماعية والأخلاقية لتكنولوجيا المعلومات.

ومن بين التساؤلات المهمة التي يطرحها الكتاب: هل هناك خصوصية في عالم الهواتف المزودة بكاميرات والشبكات اللاسلكية؟، وهل تهدد التكنولوجيا حرياتنا المدنية؟، وكيف ستؤثر علينا تقنية المعلوماتية الحيوية (بيوإنفورماتيكس Bioinformatics) (الجمع بين تقنية المعلومات والتقنية الحيوية)، وتقنية النانوتكنولوجي (التقنيات المتناهية في الصغر)؟

يشير الكتاب إلى أن عصر المعلومات الحالي يفرض العديد من الأسئلة الجادة والخطيرة والمعقدة، في مجال أخلاقيات الفضاء الإلكتروني والتي تتعلق بالعديد من القضايا مثل الخصوصية والأمن والملكية الفكرية، حيث يتناول المؤلف من خلال التداخل والتكامل بين مختلف العلوم والتخصصات، القضايا الأخلاقية الجديدة من جوانب ورؤى متعددة، تقنية واجتماعية وفلسفية وقانونية والتي تفيد المهتمين بعلوم الكومبيوتر من متخصصين وغير متخصصين، للتعرف على التحديات الجديدة في الفضاء الإلكتروني.

على مدى 12 فصلا للكتاب، يتناول المؤلف العديد من الموضوعات والقضايا الحديثة المهمة المتعلقة بأخلاقيات التكنولوجيا في الفضاء الإلكتروني، مثل الخصوصية والأمن والجريمة الإلكترونية والملكية الفكرية، والهوية الشخصية، والتجارة الإلكترونية والكلام في الفضاء الإلكتروني، والجوانب الأخلاقية للتكنولوجيات الناشئة والمتقاربة، مثل التأثيرات المتداخلة بين النانوتكنولوجي وتقنية المعلومات الحيوية، بالإضافة إلى تحليل لقرارات خاصة بقضايا حديثة في المحاكم متعلقة بمجالات التكنولوجيا.

في الفصول الأربعة الأولى من الكتاب يتناول المؤلف مقدمة لأخلاقيات الفضاء الإلكتروني: المفاهيم، الرؤى والأطر المنهجية، والمفاهيم والنظريات الأخلاقية، ومهارات التفكير النقدي والحجج المنطقية باعتبارها أدوات لتقييم قضايا أخلاقيات الفضاء الإلكتروني. ففي الفصل الأول يتساءل المؤلف عن أسباب اختيار مصطلح «أخلاقيات الفضاء الإلكتروني» (Cyberethics)، ويشير بالقول إلى أن العديد من المؤلفين يستخدمون مصطلح «أخلاقيات الكومبيوتر»، للتعبير عن القضايا الأخلاقية المتصلة بتكنولوجيا الكومبيوتر والمعلومات، والبعض الآخر يستخدم تعبير «أخلاقيات المعلومات» للإشارة إلى الأخلاقيات المتصلة بتدفق المعلومات، سواء المعززة لها أو القاصرة على تكنولوجيا الكومبيوتر، ونظرا للقلق والاهتمام بالقضايا الأخلاقية المتعلقة بشبكة الإنترنت، فقد استخدم البعض مصطلح «أخلاقيات الإنترنت»، أما المؤلف فيرى أن استخدام مصطلح أخلاقيات الفضاء الإلكتروني أكثر دقة وصحة، وأكثر شمولية، وغير محدود، ومناسب بدرجة أكبر عن مصطلحي أخلاقيات الكومبيوتر وأخلاقيات الإنترنت، وذلك لتناوله مدى واسع من قضايا الأخلاقيات المتضمنة تكنولوجيا الفضاء الإلكتروني «السيبري» (Cybertechnology) (أجهزة الاتصالات والحوسبة)، مثل القضايا الأخلاقية والاجتماعية والقانونية.

وجدير بالذكر أن مصطلح «الفضاء السيبري» (Cyberspace)، قد وضعه لأول مرة كاتب الخيال العلمي الأميركي الكندي وليام غيبسون المولود عام 1948، في روايته «نيورومانسر» (Neuromancer) عام 1984، والتي نالت العديد من جوائز الخيال العلمي، وتعد من أشهر روايات حركة «السيبربنك» (Cyberpunk Movement)، ويعني المصطلح الفضاء المتخيل الذي نعبره عندما ننتقل في أرجاء شبكة الإنترنت وكل ما يتعلق به من استخدامات، وقد تحدثت الرواية عن عديد من المفاهيم مثل الذكاء الصناعي والواقع الافتراضي وهندسة الجينات، في الثمانينات، وقبل أن تصبح شائعة في عالم اليوم. وتعد حركة «السيبربنك» من أهم اتجاهات الخيال العلمي حاليا، وتعني ثورة الكومبيوتر أو الآلة، وتعبر عن تمرد الأفراد على البقاء داخل النظام الذي يتحكم بالجميع، وهيمنة استخدام مؤسسات السلطة لأجهزة الكومبيوتر بصورة متزايدة. ومصطلح «سيبربنك» يتألف من كلمتين، «سيبر»، و«بنك»، وكلمة « سيبر» مشتقة من مصطلح «سيبرنيتكس» (علم التحكم الآلي Cybernetics)، وتشير إلى العالم الرقمي أو الإلكتروني، أما كلمة «بنك» فتشير إلى الثائر والمشاغب بالمعنى الاجتماعي الذي يرفض القيود والقواعد والنظم الاجتماعية، والمصطلح وضعه كاتب الخيال العلمي الأميركي بروس بيثكي المولود عام 1955، كعنوان لقصة قصيرة له نشرت في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1983 في مجلة قصص الخيال العلمي المذهلة.

الشرق الأوسط ، 29/5/2011

ليست هناك تعليقات: