أصدرت مجلة «وجهات نظر» عددا خاصا متميزا عن الثورة ووقائعها، منذ قيامها يوم الثلاثاء 25 يناير، سبقت به وسائل الإعلام والصحف والمجلات الأخرى فى العالم العربى. اشتمل على ثلاثة مجلدات تغطى شهور فبراير ومارس وأبريل، تتضمن رصدا دقيقا بالصور والمقالات وتسلسل الأحداث.. يستحق أن يكون وثيقة تاريخية لتلك الفترة الحاسمة من تاريخ مصر والعالم العربى.
يقلب القارئ صفحات العدد المصور من ثلاثية «وجهات نظر»، ليبدأ بيوم الغضب الذى كان يوما للاحتفال بعيد الشرطة. وبعناوين ضخمة ينشر «الأهرام» صور العادلى فى حديثه الأخير يتبرأ فيه من مسئولية تفجير الكنيسة فى الإسكندرية. ويزعم أنه من فعل تنظيم إرهابى من 19 انتحاريا لتفجير دور العبادة.. تتوالى وتتصاعد مظاهر الغضب وصدامات الشرطة والمتظاهرين. حتى تقع انتفاضة يوم الجمعة التى تجمع فيها عشرات الألوف فى معارك مروعة مع قوات الأمن يسقط فيها عدد كبير من الشهداء!
تضم صفحات المجلة صورا لم تنشر من قبل عن ضباط للشرطة يطلقون النار على المتظاهرين من فوق سطح أقسام البوليس، وتفاصيل المذابح التى وقعت فى السويس والإسكندرية والمحافظات. وحين يتدخل الجيش يوم الثلاثاء ويعلن أنه لن يستخدم العنف ضد أبناء مصر، وأنه يؤيد المطالب المشروعة للمواطنين ويكفل لهم حرية التعبير طبقا للدستور.. يكون ذلك ايذانا بمرحلة سقوط النظام وتراجع مبارك.
تنشر المجلة صورا ناطقة «لموقعة الجمل» ظهرت فيها بوضوح وجوه البلطجية فوق ظهور البغال والحمير والجمال فى طريقهم إلى ميدان التحرير. وحين يلتقى المعتصمون يوم جمعة الرحيل التى آذنت بنهاية عصر مبارك، كانت مصر الغاضبة قد دخلت مرحلة التغيير. وبدأت أوراق الحزب الوطنى وفلوله تتساقط ويلقى القبض على أركان النظام من الوزراء والأعوان وتجميد أموالهم ومنعهم من السفر. ويختتم العدد صفحاته بيوم انتصار الشعب وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة زمام الحكم.. وبداية مرحلة بناء النظام الجديد!
لقد كان لثورة 25 يناير أبعاد دولية واسعة النطاق بما آثرته من اهتمامات عالمية. فبرزت تحليلات عديدة تتحدث عن تكنولوجيا المعلومات ودور الفيس بوك والتويتر واليوتيوب فى نشر مفاهيم الثورة وتوسيع نطاق الحرية السياسية والاجتماعية. وكيف أدت هذه الأساليب الحديثة إلى تعبئة القوى السياسية وتوسيع المجال العام مما خلق مزيدا من التعددية لتحقيق استقلالية الأخبار والتعليقات والمعلومات. وهذا ما اهتمت «وجهات نظر» فى مقالاتها بتقديمه للقراء، حتى يدرك الكثيرون أن وسائل الاتصال الحديثة كانت أقوى من طلقات الرصاص والهراوات وأساليب التعذيب التى طبقت بضراوة فى عهد النظام البائد!
وفى صورة تاريخية جمعت رءوس الاستبداد الحاكم فى الأمة العربية: مبارك، والقذافى، وصالح، وزين العابدين والبشير تقرأ دراسة تحليلية عميقة لم تنشر لتقرير التنمية الإنسانية العربية، الذى صدر بدونها عام 2004 عن دولة الثقب الأسود. تقدم رؤية تنبئ بالأحداث التى أطاحت بأنظمة الحكم فى تونس ومصر وليبيا وباتت تدق أبواب دول عربية أخرى. وتقدم الدراسة التى كتبها د. عبدالوهاب الأفندى الأستاذ بجامعة ديستمنستر وصفا دقيقا لخصائص دول الثقب الأسود، التى يجمع بينها اعتمادها على التهميش الاستراتيجى لكل المؤسسات والقوى الاجتماعية بما فى ذلك مؤسسات الدولة. والتسييس الكامل للفضاء الاجتماعى. واستخدام الإرهاب ضد كل من تسول له نفسه استخدام إمكانياته ضد الحكم.
وطبقا لهذه الدراسة فإن المناخ الدولى الذى جعل دولا كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا تنتهج نفس الممارسات التى كانت تنتقد أنظمة عربية بسببها، مثل الاعتقال بدون محاكم والإعدام خارج نطاق القانون والخطف والاخفاء.. عزز من هذه الممارسات فى دول الثقب الأسود.
وفى سلسلة من المقالات تعرض المجلة كيف هبت رياح التغيير التى شهدها ربيع الديمقراطية فى ليبيا واليمن وسوريا.. حيث كان القذافى يمسك بكل مقاليد السلطة بدون دستور أو برلمان أو أحزاب سياسية. وكيف بلغ تألهه درجة لا حدود لها.. وفى اليمن حيث بدأت لعنة التوريث تطارد الأوضاع فى اليمن منذ عام 2000 عندما برز دور ابن على عبدالله صالح فى الجيش. وأخذ نظام الحكم يتهاوى داخليا نتيجة للصدام بين صالح وحلفائه القدامى.. وفى سوريا يتضح أن ارتباط نظام الأسد بالمؤسسة الأمنية زاد من الغضب الشعبى بسبب اتساع الفجوة الاجتماعية بين النخبة والأغلبية المهمشة!
الدراما العربية لها وجوه كثيرة. ولكنها تنحشر جميعا فى ثقب أسود يصعب اختراقه!
سلامة أحمد سلامة ، الشروق الجديد ، 4/6/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق