١١ أغسطس ٢٠٠٧

لماذا طفش زويل ؟‏!‏


لماذا طفش زويل ؟‏!

تصادف في رحلة عمل قصيرة إلي دبي‏,‏ أن وجدت رفيقي في مقعد الطائرة المجاور‏,‏ العالم المصري الصديق الدكتور أحمد زويل‏,‏ الذي كان في طريقه إلي كوالالمبور للقاء مع الزعيم الماليزي مهاتير محمد‏,‏ تبادلنا علي امتداد ما يقرب من ثلاث ساعات نقاشا حميما حول الأوضاع الراهنة للبحث العلمي في مصر‏,‏ وأسباب اخفاق مشروعه الذي كان يهدف إلي إقامة جامعة مصرية‏,‏ تركز جهودها علي خمسة مجالات علمية يتعلق بها تقدم الحياة الانسانية‏,‏ الليزر‏,‏ والهندسة الوراثية‏,‏ وعلوم الفضاء‏,‏ وتكنولوجيا المعلومات‏,‏ وعلوم المواد‏.‏

ولأنني أعرف الرجل من قبل أن يحوز جائزة نوبل‏,‏ جري الحوار بيننا صريحا ودودا‏,‏ أدركت في نهايته عمق الألم الذي يعتصر الرجل لأن الجميع يسعون إلي الاستفادة من علمه وخبرته‏:‏ قطر وماليزيا والسعودية ودبي‏,‏ أما بنو وطنه المصريون فيعرضون عن التعاون معه لأسباب جد صغيرة وتافهة‏,‏ يدخل ضمنها الغيرة والحسد والحرص علي ابعاد كل كفاءة عن دائرة القرار‏,‏ واختلاق أسباب غير صحيحة لإحداث وقيعة بين الرجل ووطنه‏!‏

حكي لي الدكتور زويل كل التفاصيل في قصة عريضة طويلة تافهة‏,‏ وجد نفسه غارقا في خزعبلاتها بعد أن وافق الرئيس مبارك علي مشروعه العلمي‏,‏ وأبدي الرجل رغبته في لقائه مع المسئولين التنفيذيين في أن يكون هناك مقر مؤقت لائق للجامعة‏,‏ يبدأ منه مشروعه الضخم‏॥‏ اقترحوا عليه في البداية مقر وزارة الإعلام القديم في الزمالك الذي كان يعمل منه الوزير منصور حسن‏,‏ واقترحوا عليه مبني يتبع مجلس الوزراء في جاردن سيتي‏,‏ كان ملكا لهيئة القناة وتم تجديده في عهد حكومة د‏।‏الجنزوري‏,‏ ثم اعتذروا بعد مناورات ومداورات عن عدم إمكان تخصيص أي من المكانين‏,‏ بحجة أن أولهما مشغول والثاني مبني أثري رغم أنه لم يقترح أيا من المكانين‏,‏ وعرضوا عليه في النهاية‏,‏ أن يبدأ مشروعه من حجرتين في مبني يقع في الزمالك يشارك فيه أحد مراكز المعلومات‏,‏ أحس الرجل بإهانة بالغة‏,‏ وأدرك أنهم غير جادين في التعامل معه‏,‏ وفي النهاية آثر الفرار‏!‏

وليس المهم هنا أسماء الأشخاص أو عشرات التفاصيل الصغيرة التي تدعو إلي الضحك والرثاء‏,‏ ولكن المهم أن الرجل الذي يكرس جهده للبحث العلمي دون أن يضمر أي طموح سياسي‏,‏ وجد نفسه محاصرا بشكوك وحملات وادعاءات لا قبل له بها‏,‏ لأنه أراد خدمة وطنه‏,‏ الذي أعطاه فرصة التعليم وأرضعه قيما عديدة مكنته من النجاح‏..‏ والآن يمارس زويل جهدا علميا جديدا في معمله في إحدي الجامعات الأمريكية يمكن أن يسفر عن كشف علمي مثير‏,‏ محاولا تطبيق إنجازاته العلمية السابقة في دراسة حركة الذرات داخل الخلية الإنسانية‏,‏ بما يمكن العلم من علاج عيوبها الوراثية‏,‏ الأمر الذي يفتح بابا جديدا لعلاج الأمراض المستعصية‏,‏ لكن الرجل الذي لايزال يتوق إلي خدمة وطنه يحس أسفا عميقا يؤرق باله‏,‏ لأنه لم يتمكن من ذلك‏..‏ فهل تستطيع مصر أن تتواصل من جديد مع ابنها الحائز علي جائزة نوبل؟ وهل يمكن لرئيس الوزراء د‏.‏أحمد نظيف ان يسمع منه مباشرة دون وسطاء ودون أي أفكار مسبقة‏,‏ لعله ينجح فيما فشل فيه الآخرون‏,‏ والمستفيد أولا وأخيرا هو مصر المستقبل وليس زويل‏.‏
مكرم محمد أحمد، الأهرام 9/8/2007

ليست هناك تعليقات: