لماذا طفش زويل ؟!
تصادف في رحلة عمل قصيرة إلي دبي, أن وجدت رفيقي في مقعد الطائرة المجاور, العالم المصري الصديق الدكتور أحمد زويل, الذي كان في طريقه إلي كوالالمبور للقاء مع الزعيم الماليزي مهاتير محمد, تبادلنا علي امتداد ما يقرب من ثلاث ساعات نقاشا حميما حول الأوضاع الراهنة للبحث العلمي في مصر, وأسباب اخفاق مشروعه الذي كان يهدف إلي إقامة جامعة مصرية, تركز جهودها علي خمسة مجالات علمية يتعلق بها تقدم الحياة الانسانية, الليزر, والهندسة الوراثية, وعلوم الفضاء, وتكنولوجيا المعلومات, وعلوم المواد.
ولأنني أعرف الرجل من قبل أن يحوز جائزة نوبل, جري الحوار بيننا صريحا ودودا, أدركت في نهايته عمق الألم الذي يعتصر الرجل لأن الجميع يسعون إلي الاستفادة من علمه وخبرته: قطر وماليزيا والسعودية ودبي, أما بنو وطنه المصريون فيعرضون عن التعاون معه لأسباب جد صغيرة وتافهة, يدخل ضمنها الغيرة والحسد والحرص علي ابعاد كل كفاءة عن دائرة القرار, واختلاق أسباب غير صحيحة لإحداث وقيعة بين الرجل ووطنه!
حكي لي الدكتور زويل كل التفاصيل في قصة عريضة طويلة تافهة, وجد نفسه غارقا في خزعبلاتها بعد أن وافق الرئيس مبارك علي مشروعه العلمي, وأبدي الرجل رغبته في لقائه مع المسئولين التنفيذيين في أن يكون هناك مقر مؤقت لائق للجامعة, يبدأ منه مشروعه الضخم॥ اقترحوا عليه في البداية مقر وزارة الإعلام القديم في الزمالك الذي كان يعمل منه الوزير منصور حسن, واقترحوا عليه مبني يتبع مجلس الوزراء في جاردن سيتي, كان ملكا لهيئة القناة وتم تجديده في عهد حكومة د।الجنزوري, ثم اعتذروا بعد مناورات ومداورات عن عدم إمكان تخصيص أي من المكانين, بحجة أن أولهما مشغول والثاني مبني أثري رغم أنه لم يقترح أيا من المكانين, وعرضوا عليه في النهاية, أن يبدأ مشروعه من حجرتين في مبني يقع في الزمالك يشارك فيه أحد مراكز المعلومات, أحس الرجل بإهانة بالغة, وأدرك أنهم غير جادين في التعامل معه, وفي النهاية آثر الفرار!
وليس المهم هنا أسماء الأشخاص أو عشرات التفاصيل الصغيرة التي تدعو إلي الضحك والرثاء, ولكن المهم أن الرجل الذي يكرس جهده للبحث العلمي دون أن يضمر أي طموح سياسي, وجد نفسه محاصرا بشكوك وحملات وادعاءات لا قبل له بها, لأنه أراد خدمة وطنه, الذي أعطاه فرصة التعليم وأرضعه قيما عديدة مكنته من النجاح.. والآن يمارس زويل جهدا علميا جديدا في معمله في إحدي الجامعات الأمريكية يمكن أن يسفر عن كشف علمي مثير, محاولا تطبيق إنجازاته العلمية السابقة في دراسة حركة الذرات داخل الخلية الإنسانية, بما يمكن العلم من علاج عيوبها الوراثية, الأمر الذي يفتح بابا جديدا لعلاج الأمراض المستعصية, لكن الرجل الذي لايزال يتوق إلي خدمة وطنه يحس أسفا عميقا يؤرق باله, لأنه لم يتمكن من ذلك.. فهل تستطيع مصر أن تتواصل من جديد مع ابنها الحائز علي جائزة نوبل؟ وهل يمكن لرئيس الوزراء د.أحمد نظيف ان يسمع منه مباشرة دون وسطاء ودون أي أفكار مسبقة, لعله ينجح فيما فشل فيه الآخرون, والمستفيد أولا وأخيرا هو مصر المستقبل وليس زويل.
مكرم محمد أحمد، الأهرام 9/8/2007
مكرم محمد أحمد، الأهرام 9/8/2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق