٢٩ رجب ١٤٢٨ هـ

الالتزام غير المرغوب فيه‏!‏

الالتزام غير المرغوب فيه‏!
شاركت منذ أيام في مناقشة رسالة دكتوراه في الطب لإحدي جامعاتنا العريقة‏..‏ وكم كان حزني وأسفي عندما أوصيت في نهاية المناقشة بعدم قبول الرسالة وإعادة صياغتها وإصلاح مابها من عيوب جسيمة‏..‏ ويرجع حزني وأسفي إلي أمرين‏:‏
الأول‏:‏ ان هذا الرفض نادر الحدوث في جامعاتنا حيث تنتهي الغالبية العظمي من هذه المناقشات بقبول الرسالة وتوزيع الشربات وأكل ماتيسر من الحلوي ثم تنضم الرسالة إلي جانب مثيلاتها علي أرفف المكتبات لتأخذ نصيبها من التراب والفئران‏!‏
الثاني‏:‏ أن المتضرر الرئيسي من هذا الرفض هو مقدم الرسالة الشاب المكافح الذي يجب ان أشاركه حزنه من هذا الموقف الذي لم يكن يتوقعه بعد أن أدي حسب تصوره وإمكاناته ماعليه ولكنه لم يجد من يوجهه إلي الطريق السليم‏.‏
ولكن ماذا يعني هذا؟
إنه يعني أولا‏:‏ اننا بالفعل ـ جميعا ـ نخدع أنفسنا ونعيش الوهم الذي صنعناه بايدينا ونطلق الشعارات الزاعقة بأن هناك بحوثا علمية حقيقية مع أننا ندرك في حقيقة أنفسنا أن هذا وهم وخداع وتضليل وإفساد‏.‏
ثانيا‏:‏ لن تقوم للبحث العلمي في مصر قائمة مالم يكن علي قمة أولويات الحكومة والدولة بأسرها‏..‏ ماديا ومعنويا فباحث الدكتوراه يحصل علي حفنة من الجنيهات ويحصل الاستاذ الجامعي الذي يشارك في البحث والمناقشة علي مثلها في حين يحصل لاعب الكرة أو الراقصة أو الممثل أو المغني علي الملايين‏..‏ وهذه هي قمة التراجيديا السوداء
ثالثا‏:‏ هناك نوع من العصيان المدني غير المعلن في الأوساط الجامعية‏,‏ الكل يلهث وراء البحث عن المتطلبات الأساسية للحياة الكريمة‏,‏ والبعض فقد الاهتمام‏,‏ والولاء‏,‏ وفقد القدرة علي الاجادة والتجديد فضلا عن الابداع‏.‏
إنني أقدم اعتذاري علانية لابني الشاب وأعلم يقينا أن الالتزام بالواجب الأخلاقي والمهني في مناقشة الرسائل الجامعية‏,‏ والمشاركة في الامتحانات الجامعية علي جميع مستوياتها ليس مرغوبا فيه ومن الأفضل لي ولأمثالي ان يعتذروا عن القيام بهذه المهام فيما تبقي لنا من العمر‏..‏ حتي لانظلم أبناءنا ولانخالف ضمائرنا‏.‏
وتبقي كلمة أوجهها لمن يحملون مسئولية البحث العلمي في مصر‏.‏
يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا‏..‏ وهناك إلي ذلك طريقان لا ثالث لهما‏!‏ إما ان تكون لدينا إرادة حقيقية للحاق بركب العلم والحضارة والتقدم بما يستلزمه ذلك من تحديات كبيرة ونفوس عظيمة‏,‏وأما ان نغلق هذا الباب‏,‏ وننكفيء علي أنفسنا ونكتفي بما لدينا من الهزل‏,‏ والعبث والتفاهة‏,‏ وهو كثير‏.‏
دكتور أسامة الغزالي حرب
أستاذ بطب القاهرة
باب: بريد الأهرام
الأهرام، 12/8/2007

ليست هناك تعليقات: