١٩ ديسمبر ٢٠٠٨

الحذاء يستعيد اعتباره!

الحذاء يستعيد اعتباره!
" كل حذاء وأنت بخير "
دهشت عندما وجدت هذه الرسالة القصيرة على هاتفي المحمول من رسام الكاريكاتير الموهوب عصام حسن، فعصام يعرف، منذ كارثة حرب الخليج الثانية، أن فكرة العيد تبدو لي كعربي ترفاً لا أستحقه، لذا لا أعايد أحداً ولا أرد على المعايدات، وما زادني اندهاشاً هو أن عصام فنان مرهف يدرك أن الحذاء في ثقافتنا متصل بالتحقير، والإتيان على ذكره في بطاقة معايدة قد يبدو أمراً مكدراً لكثيرين. وبما أنني كنت ولا أزال على ثقة تامة من أن عصام الدمث لا يمكن أن يفكر بتكديري، فقد فتحت التلفزيون فوراً وبالمصادفة المحضة رأيت الصحفي العراقي منتظر الزيدي يقذف فردة حذائه الأولى نحو الرئيس الأمريكي بوش فيتفاداها بمهارة من أمضى حياته وهو يُضرَب بالأحذية، وبينما كان الزميل منتظر يقذف بوش بفردة حذائه الثانية انفجرت بنوبة غير طبيعية من الضحك استطالت حتى بللت خدّي بالدموع! ‏
أعتقد أن حذاء الزميل الزبيدي عبر بعمق وتكثيف شديدين عن مشاعر المواطنين العرب أكثر من كل ماكتب وقيل في الصحافة العربية المقروءة والمسموعة والمرئية، منذ بدء الإحتلال الأمريكي للعراق وحتى الآن. ‏
تعلمون أن للحذاء في ثقافتنا مكانة مفرطة في الوضاعة، فقد جاء في أمثالنا العربية: أذل من الحذاء، وأذل من النعل، وإذا كان تقبيل النعل في نظرنا من أشنع ضروب المذلة، فإن الضرب بالنعل يعد أحقر أنواع الضرب وأشد أنواع التحقير. ومن مشاهير الأحذية المشؤومة في ماضينا حذاء أبو القاسم الطنبوري وخفي حنين، وأظن أن حذاء الزميل منتظر سيخلد في ذاكرة الناس بصفته أوّل حذاء محترم في تاريخ صرامي منطقتنا! ‏
لقد حظي الحذاء الطائر بتغطية عالمية استثنائية. فجريدة نيويورك تايمز وصفت ضرب بوش بالحذاء بأنها «لحظة لا توصف» والـ إندبندنت البريطانية وصفت الزبيدي بأنه «الصحافي الذي صوّت برجليه على عهد بوش وحكمه». وقد وضع شريط الفيديو على موقع يو تيوب تحت عنوان «رُبّ حذاء أعاد كرامة» كما وضعه آخر تحت عنوان «خلّي الحذاء صاحي»! ‏
لا أحد يعرف متى صنع أول حذاء لكنّ عالماً من جامعة واشنطن يعتقد ان الانسان ارتدى أول حذاء منذ فترة تزيد عن 26 الف عام. فمنذ تلك الفترة اصبحت أصابع قدم الانسان ضعيفة مما يدل على اعتماده على أشياء خارجية تمكنه من إحكام التشبث بالارض. ‏
يقول المثل الكندي: «شيئان في الحياة يتسمان بأهمية قصوى، هما فراش نوم مريح وحذاء جيد، فإن لم تكن ممدداً على الأول، فلا بد أن تكون منتعلا الثاني». ‏
والحق أن تطوير الحذاء يحظى بكثير من الاهتمام على الدوام، فقد اختُرع مؤخراً حذاء يبعد القدم تلقائيا عن الألغام، كما اخترع «حذاء ذكي» ينبه الكفيف وضعيف البصر، وحذاء يشحن بطارية الهاتف النقال وحذاء مكيف، وحذاء مزيل للروائح الكريهة. كما اخترع حذاء للقفز مثل الكنغـر، وحذاء يتحول إلى صندل بنقرة خفيفة، وحذاء يكنس أرضية البيت خلال المشي، وآخر يتنفس!! كما اخترع مؤخراً حذاء بكعب عالٍ من الصلب يمكن أن يتغير ارتفاعه بحسب رغبة المرأة التي ترتديه. كما اخترع حذاء باسم ماكس الدودة قابل للاتساع ليتلاءم مع نمو أقدام الأطفال. وحذاء يحدد أماكن الأطفال التائهين، وحذاء متكلم يزود الرياضي بمعلومات عن حالة جسده والمسافة التي قطعها. ‏
يقال أن فكرة الحذاء ولدت في إحدى ممالك الشرق عقب قيام الملك بجولة تفقدية على مختلف أقاليم مملكته، وقد تورمت قدما الملك بسبب وعورة الدروب فأصدر أمراً لوزيره بأن يغطي مسالك المملكة بالجلد، ففكر الوزير بأمر الملك فوجد أن تنفيذه يتطلب الكثير من المال والجهد كما يتطلب كمية كبيرة من الجلود من المتعذر توفيرها. غضب الحاكم صارخاً: ما العمل إذاً هل تريد مني أن أعاني كلما خرجت من قصري في جولة تفقدية؟ ‏
بعد كثير من التفكير قال الوزير: نقوم بصنع قطعة جلد صغيرة نضعها تحت قدمي سيادتكم فقط. ومن هنا جاءت فكرة اختراع أول حذاء في التاريخ. ‏
خلال الأيام الماضية تم وضع لعبة على الإنترنت يمكن الوصول إليها على الرابط التالي:
http://www.sockandawe.com/ ‏
يستطيع المرء من خلال هذه اللعبة أن يرشق بوش المبتسم والمتحرك الى الأعلى والأسفل واليمين واليسار بفردة حذاء، فإن أصاب الحذاء وجه بوش قطب وازرقَّ لونه، وإن لم يصبه احتفظ بابتسامته! الظريف في هذه اللعبة أنها تسجل عدد الأحذية التي أصابت وجه بوش منذ إطلاقها. وقد بلغ عدد الأحذية حتى لحظة الانتهاء من كتابة هذه الزاوية 6864359 صرماية في الساعة الثالثة والربع من بعد ظهر الأربعاء. وقد عيرت الساعة فتبين أن بوش يصاب عن طريق هذه اللعبة بحوالي ألف صرماية كل دقيقة! ‏
أعتقد أن الحذاء الذي ارتبط اسمه بالوضاعة وألصقت به كل الصفات الشائنة قد استعاد اعتباره مؤخراً فقد أثبت حذاء الزميل منتظر الزيدي أنه أكثر قدرة وكرامة من كل الرؤوس الخالية من النخوة! ‏
حسن م. يوسف ، صحيفة تشرين (السورية)، 18/12/2008

ليست هناك تعليقات: