لعل حذاء منتظر الزيدي يُذهّب يوماً
حذاء مواطن عراقي هو الرمز الذي سيعرف به الإرث السياسي لجورج بوش في المستقبل.
كل ما قيل وسيقال عن الحرب على العراق من تزوير معلومات الاستخبارات، الى سوء إدارة الحرب، وانتهاء بالاتفاق الأمني يتضاءل أمام حذاء منتظر الزيدي.
كان الحذاء مستهدِفاً رأس جورج بوش أبلغ من قس بن ساعدة، فالبلاغة هي الإيجاز، وقد عبر الحذاء عن رأي العراقيين، ثم العرب والمسلمين بسياسة إدارة قتلت مليون عراقي ثم جاء رئيسها الى العراق مودعاً وليتلقى التهاني على جريمته، فتلقى ما تلقى تمثال صدام حسين وهو يسقط من على منصته في بغداد.
إذا كان العراق ينعم بالحرية كما يزعم جورج بوش، فإن الصحافي العراقي مارس حـــرية التعبير عن الرأي برمي الرئيـــس الأميركي بحذائه. لو أن هذا الصحافي أطلق الرصاص على جورج بوش أو حاول طعنه بسكـــين، لاعتبرت عمله إرهاباً ولدنته، غير أن رمية الحذاء لا تقتل، وإن أصابت فالجرح بسيط جداً، لذلك أعتبرها ممارسة عملية لحرية الرأي التي بشّر الأميركيون كذباً بها في العراق وأفغانستان، فيما الاحتلال يقتل الأبرياء.
ما بُني على خطأ لا يمكن أن ينتهي بخير، والعراق راح ضحية تزوير متعمد لا خطأ، بامتلاك أسلحة دمار شامل وبعلاقة مع القاعدة، ودفع الثمن من أرواح أبنائه ولا يزال، فيما الإدارة الأميركية، والحكومة العراقية تقولان إن الوضع «تحسّن».
هو كلام يصدق فقط إذا اعتبرنا أن قتل عشرة عراقيين في اليوم أو عشرين «أحسن» من قتل مئة. إلا أنه ليس حسناً البتة، فالاحتلال أطلق حرباً أهلية، ودمر البلد على رأس أهله، وأوجد أوضاعاً مستحيلة أسوأ مما عرف العراقيون أيام صدام حسين التي اعتقدنا يوماً أنه لا يمكن أن يأتي أسوأ منها.
الحرب على العراق زادت طولاً على كل حرب أميركية، ونفقات على كل حرب باستثناء الحرب العالمية الثانية، وفي حين أن جورج بوش يعترف بأن الحرب لم تنته، فهو واهم إذا اعتقد بأن الحرب ستنتهي بنصر أو فوز.
لا نصر يستحق أرواح مليون إنسان بريء، والحرية لا تستحق اسمها إذا لم تكن حماية الروح البشرية علّة وجودها.
ولكن يبدو أن الشيء الوحيد الذي لا تحسب له إدارة بوش حساباً هو أرواح المسلمين، وهي بعدما خاضت حرباً على طالبان والقاعدة أيّدها فيها العالم كله، توقفت قبل أن تنجز أهدافها، وانتقلت الى العراق لأسباب نفطية وإسرائيلية.
لا أقول هذا غضباً، ولا أعبر بالكلمات عما عبر عنه منتظر الزيدي بحذائه، وإنما هناك أدلة ثبوتية تقبل بها بعيدة من نفوذ إدارة بوش، فاللجنة الاقتصادية التي حملت اسم نائب الرئيس ديك تشيني درست في آذار (مارس) 2001، أي قبل ستة أشهر من الإرهاب المعروف، السيطرة على نفط العراق، وتقاريرها موجودة ولم تُنفَ. ورئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت ذهب الى واشنطن ليودع جورج بوش ويشكره علناً على إزالة عدو خطر لإسرائيل هو صدام حسين.
صدام حسين هذا كان عدو شعب العراق، عدو الكويت، وعدو كل مصلحة عربية أو إسلامية، وهو بذلك حليف إدارة طلاب الحرب ولوبي إسرائيل، فقد أعطاها الفرصة لتدمير مستقبل العراق، وتهديد المنطقة كلها.
وفي النهاية، حسم حذاء طائر الجدال حول إرث بوش، فحتى ذلك المؤتمر الصحافي الذي وقف فيه جـــورج بوش ليتــقبل التهاني على جريمته كان حذاء نيـــكيتا خروتوشوف وهو يدق الطاولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1960 أشهر حذاء سياسي في التاريخ، غير أن حذاء الزيدي سيـــسبقه بالتــأكيد، فخروتشوف كان يروج لقضية الشيوعية الخاسرة، أما حذاء الزيدي فكان مقالاً سياسياً مفحماً قصرت عنه الأقلام.
وكما يُذهَّب أول حذاء للطفل وتحتفظ به الأسرة تذكاراً، فلعل حذاء منتظر الزيدي يُذهّب يوماً ويوضع في المتحف العراقي، إلا أن هذا لن يحدث حتى يغادر آخر جندي أميركي العراق، ويعود البلد الى أهله.
جهاد الخازن ، الحياة، 16/12/2008
حذاء مواطن عراقي هو الرمز الذي سيعرف به الإرث السياسي لجورج بوش في المستقبل.
كل ما قيل وسيقال عن الحرب على العراق من تزوير معلومات الاستخبارات، الى سوء إدارة الحرب، وانتهاء بالاتفاق الأمني يتضاءل أمام حذاء منتظر الزيدي.
كان الحذاء مستهدِفاً رأس جورج بوش أبلغ من قس بن ساعدة، فالبلاغة هي الإيجاز، وقد عبر الحذاء عن رأي العراقيين، ثم العرب والمسلمين بسياسة إدارة قتلت مليون عراقي ثم جاء رئيسها الى العراق مودعاً وليتلقى التهاني على جريمته، فتلقى ما تلقى تمثال صدام حسين وهو يسقط من على منصته في بغداد.
إذا كان العراق ينعم بالحرية كما يزعم جورج بوش، فإن الصحافي العراقي مارس حـــرية التعبير عن الرأي برمي الرئيـــس الأميركي بحذائه. لو أن هذا الصحافي أطلق الرصاص على جورج بوش أو حاول طعنه بسكـــين، لاعتبرت عمله إرهاباً ولدنته، غير أن رمية الحذاء لا تقتل، وإن أصابت فالجرح بسيط جداً، لذلك أعتبرها ممارسة عملية لحرية الرأي التي بشّر الأميركيون كذباً بها في العراق وأفغانستان، فيما الاحتلال يقتل الأبرياء.
ما بُني على خطأ لا يمكن أن ينتهي بخير، والعراق راح ضحية تزوير متعمد لا خطأ، بامتلاك أسلحة دمار شامل وبعلاقة مع القاعدة، ودفع الثمن من أرواح أبنائه ولا يزال، فيما الإدارة الأميركية، والحكومة العراقية تقولان إن الوضع «تحسّن».
هو كلام يصدق فقط إذا اعتبرنا أن قتل عشرة عراقيين في اليوم أو عشرين «أحسن» من قتل مئة. إلا أنه ليس حسناً البتة، فالاحتلال أطلق حرباً أهلية، ودمر البلد على رأس أهله، وأوجد أوضاعاً مستحيلة أسوأ مما عرف العراقيون أيام صدام حسين التي اعتقدنا يوماً أنه لا يمكن أن يأتي أسوأ منها.
الحرب على العراق زادت طولاً على كل حرب أميركية، ونفقات على كل حرب باستثناء الحرب العالمية الثانية، وفي حين أن جورج بوش يعترف بأن الحرب لم تنته، فهو واهم إذا اعتقد بأن الحرب ستنتهي بنصر أو فوز.
لا نصر يستحق أرواح مليون إنسان بريء، والحرية لا تستحق اسمها إذا لم تكن حماية الروح البشرية علّة وجودها.
ولكن يبدو أن الشيء الوحيد الذي لا تحسب له إدارة بوش حساباً هو أرواح المسلمين، وهي بعدما خاضت حرباً على طالبان والقاعدة أيّدها فيها العالم كله، توقفت قبل أن تنجز أهدافها، وانتقلت الى العراق لأسباب نفطية وإسرائيلية.
لا أقول هذا غضباً، ولا أعبر بالكلمات عما عبر عنه منتظر الزيدي بحذائه، وإنما هناك أدلة ثبوتية تقبل بها بعيدة من نفوذ إدارة بوش، فاللجنة الاقتصادية التي حملت اسم نائب الرئيس ديك تشيني درست في آذار (مارس) 2001، أي قبل ستة أشهر من الإرهاب المعروف، السيطرة على نفط العراق، وتقاريرها موجودة ولم تُنفَ. ورئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت ذهب الى واشنطن ليودع جورج بوش ويشكره علناً على إزالة عدو خطر لإسرائيل هو صدام حسين.
صدام حسين هذا كان عدو شعب العراق، عدو الكويت، وعدو كل مصلحة عربية أو إسلامية، وهو بذلك حليف إدارة طلاب الحرب ولوبي إسرائيل، فقد أعطاها الفرصة لتدمير مستقبل العراق، وتهديد المنطقة كلها.
وفي النهاية، حسم حذاء طائر الجدال حول إرث بوش، فحتى ذلك المؤتمر الصحافي الذي وقف فيه جـــورج بوش ليتــقبل التهاني على جريمته كان حذاء نيـــكيتا خروتوشوف وهو يدق الطاولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1960 أشهر حذاء سياسي في التاريخ، غير أن حذاء الزيدي سيـــسبقه بالتــأكيد، فخروتشوف كان يروج لقضية الشيوعية الخاسرة، أما حذاء الزيدي فكان مقالاً سياسياً مفحماً قصرت عنه الأقلام.
وكما يُذهَّب أول حذاء للطفل وتحتفظ به الأسرة تذكاراً، فلعل حذاء منتظر الزيدي يُذهّب يوماً ويوضع في المتحف العراقي، إلا أن هذا لن يحدث حتى يغادر آخر جندي أميركي العراق، ويعود البلد الى أهله.
جهاد الخازن ، الحياة، 16/12/2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق