١٦ ربيع الأول ١٤٣١ هـ

التحذير من خطورة تحويل اللعب الافتراضي إلى حقيقة

التحذير من خطورة تحويل اللعب الافتراضي إلى حقيقة
اذا كان قتل امرئ جريمة يحاسب عليها القانون، فإن قتل الوقت جريمة يحاسب عليها التاريخ···
بهذه الكلمات ابتدأ القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة كلامه عن ممارسي لعبة البوكر عبر الانترنت، والتي هي حسب رأيه عملية ادمان لا تختلف ابداً عن ادمان المخدرات، كونها تدفع اللاعب إلى التعلق بها وممارستها لساعات يومياً، الأمر الذي ينعكس مع الوقت ادماناً وعدم قدرة على التفلت من هذه اللعبة، وينتقل الامر عند البعض إلى ممارستها بالنقود بعد الاعتياد عليها واستشعار القدرة على الفوز فيها، في حين ان هذه الجريمة هي مما يسأل عنه الانسان يوم القيامة، إذ يسأل عن عمره فيما افناه.
واضاف الشيخ القاضي شحادة بأن من الواجب على الاهل في هذه الايام العصيبة التي تمر بها الأمة التنبه اكثر من اي وقت مضى إلى ما ينجرف الأبناء اليه عبر الانترنت، إذ يمكن لهذه الوسيلة التواصلية بين البشر ان تقود إلى مخاطر كبيرة، فالشبكة متوسعة ومتشعبة والإنسان لا يستطيع تحديد مواقع الاتصال التي قد تكون من بلاد العدو أو من اشخاص يتعاملون مع هذا العدو في العالم ودورهم افساد الجيل الجديد من العرب والمسلمين وما قد نعتبره نحن سليماً وصحيحاً وامرًا اعتيادياً قد يعتبره سوانا وسيلة للنيل منا، واداة لتربية أولادنا وفق مناهج مدروسة لافسادهم وتخريبهم·

وقال: المؤسف ان البعض يتعامل باستخفاف مع مثل هذه الآراء، ويرى بأننا نغرق في نظرية المؤامرة، ولكن هذا البعض لا يسأل نفسه كيف تتم المتغيرات في افكار الجيل الجديد من شبابنا، وما سر هذا الفساد المستشري في اوساطهم، سواء من خلال غرف الدردشة عبر الانترنت، أو رسائل الـ SMS، أو العاب القمار، أو مواقع الأفلام الإباحية، أو المواقع المخصصة لبرامج ومحطات التلفزة في العالم، وكلها وسواها تبث لساعات وساعات عبر الحاسوب وخط شبكة الانترنت ولم يعد بامكان الاهل في معظم الاحيان الرقابة على هذه الامور الا بتغييب الحاسوب عن الدار وهو امر اسوأ لأن الانسان فينا يحتاج احياناً إلى بعض المواد التوثيقية من مختلف دول العالم أو إلى معرفة آخر الاصدارات حول قضية تهمه أو آخر المكتشفات في هذا المجال أو ذاك أو للتواصل مع اهله في المغتربات ؛ وبالتالي فأي قرار يمكنه ان يتخذ؟

الحل برأيي يكمن في التوعية، والتوعية الدينية بالذات، لان الانسان الواعي قادر على ان يمتلك امكانية التحليل ومعرفةابعاد ما يتابعه واتخاذ الموقف الصائب منه، وإلى جانب هذه التوعية تأتي الصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر والبغي عملياً فالمخافة من الله عز وجل تدفع الانسان ترهيباً أو ترغيباً للبعد عن مثل هذه الممارسات الخاطئة التي قد تبدأ بكسب نقاط الكترونية وتنتهي بالشعور بالربح السريع لمال حقيقي فيندفع نحو الاكثر ليخسر ماله وبالتالي ماء وجهه للحصول على المزيد فالمزيد ليخسر بالتالي عبر هذه الشبكة العملاقة ومن يدري ماذا يمكن ان يقدم بعد ذلك. ونحن جميعاً ندرك ان مثل هذه المنتديات ليست بريئة الاهداف بل تقف خلفها المافيا وربما ما هو اسوأ منها وعلى الاقل اعداء امتنا الذين يريدون لأجيالنا الشابة الضياع والإنحراف والتفلت من كل القيم·

قضية ومشكلة
ورأي القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة في موضوع العاب البوكر التي يتابعها شبابنا عبر الانترنت لا يختلف كثيراً عن رأي عالم الاجتماع الدكتور ابراهيم ادهم الذي يعتبر ان كافة الالعاب التي تردنا عبر الانترنت سوء كانت للقمار أو لمجرد تمضية أوقات الفراغ هي ذات نتائج سلبية على الصعيد النفسي إذ ان الجيل الجديد بات يفتقد من خلالها إلى الحياة العائلية والاجتماعية وإلى التواصل مع محيطه الاجتماعي في حين يعتبر نفسه انه يعزز هذا التواصل عبر الدردشة عن طريق الانترنت ومتابعة آخر المستجدات في العالم من خلال المنتديات، ولعل الخطر يكمن هنا في عدة نقاط لا بد لنا من التنبيه اليها :

اولاً: ان التواصل يتم مع شبكة عملاقة، انت تعّرف عن نفسك فيها سواء صدقاً أو كذباً، وسواك يعرف عن نفسه كذلك، وبالتالي فقد تدور اللعبة سواء البوكر أو سواها أو حتى الدردشة بينك وبين اعداء لأمتك دون ان تدري، وخلال هذه الدردشات يتباهى كل فرد بثقافته وبالتالي فهو قد يقدم معلومات سلبية أو ايجابية عن نفسه واهله ووطنه ويصبح خاضعاً لمن يتلقى تلك المعلومات ويستطيع استثمارها·
ثانياً: ان هذا التواصل قد يبدأ بساعة ليتحول مع الوقت إلى عدة ساعات، بلا طائل، بلا هدف، وبلا نتيجة عملية، وبالتالي فهي عملية افناء للعمر في امور لا فائدة منها عملياً وهذا أمر يهدد اوطاننا ومجتمعاتنا إذ بدلاً من التفكير والابتكار والابداع يتحول الشباب إلى البلادة والخمول والكسل والفراغ المميت·
ثالثاً: ان الاعتياد على العاب القمار والمراهنات والمصنفة عملياً تحت عنوان الميسر فيها خروج عن الواقع وعن ما امرنا الله عز وجل بالالتزام به وبالتالي يجازى لاعبها بالخسران في الدنيا - واهمه خسارة الوقت والمال والعمر - والآخرة، وهو خسران مبين، فممارسة هذه الالعاب عبر الانترنت ليست مسألة محصورة بالتسلية ولذا لا نستغرب يوماً إذا ما شاهدنا المزيد من غرق الشباب في الضياع والقمار والمخدرات·
رابعاً: المؤسف ان ذات اللعبة، اي لعبة تعليم القمار والبوكر والربح غير المشروع، تتم بطريقة اخرى ايضاً عبر دعوة الشباب لإجراء الاتصالات لحساب هذه المسألة او تلك ولتوقع ربح هذا الفريق أو ذاك، أو نجاح فنان هنا أو اغنية هناك وما إلى ذلك من العاب القمار المقنعة حيث اضاعة المال (كلفة كل اتصال) والعمر (الانشغال بامور تافهة) والوقت (التفرغ لغير العلم والمعرفة والعلاقات الاجتماعية) وكلها امور تفّرغ الانسان من انسانيته·
خامساً: فقدان السيطرة على الذات، فاللاعب هنا خاضع لألعاب الآخرين، منغمس في اللعبة دون التنبه إلى مخاطرها، منجرف في ما نهى عنه الله ورسوله، منعزل عن مجتمعه المحيط به بدءاً من اهله واقاربه وصولاً إلى مجتمعه ومحيطه الجامعي أو المدرسي وغيره، وبالتالي فإنه عندما يقرر الانقطاع عن هذه اللعبة يشعر بالوحدة والاكتئاب·

البديل··· غائب جزئياً
الباحث التربوي الاستاذ الدكتور محمد منير سعد الدين رأى بدوره ان ممارسة العاب البوكر وسواها عبر الانترنت جريمة بحق من يمارسها لأنه يضيع وقته وبالتالي عمره وذهنه وطموحاته في ما لا طائل منه ولا فائدة ترتجى منه وقد يضيع اكثر إذا ما مارس هذه اللعبة بالمال عملياً وغرق في متاهاتها وارباحها وخسائرها ومعطياتها فأدمن واضاع نفسه وماله·
وبرأي الدكتور سعد الدين فإن البديل عن هذه الممارسات يجب ان يتم تعويد الصغار عليه من خلال الاسرة والمدرسة منذ الصغر عن طريق:

أولاً: توسيع شبكة العلاقات العامة للاسرة بحيث يجد الاطفال دائماً نظيرهم في العمر والبيئة لقضاء اوقات المرح والتسلية معه بعيداً عن العاب الكومبيوتر التي تعزز الفردية والانانية والانغلاق على الذات والعيش في عالم افتراضي غير موجود عملياً على ارض الواقع، وتعزيز هذه العلاقات وخاصة مع الاصدقاء والاقارب بالزيارات واللقاءات العائلية والسهرات المشتركة والرحلات·
ثانياً: الربط ما بين الطفل وما بين الالعاب الجسدية التي يهواها كممارسة كرة القدم أو السلة أو الكرة الطائرة أو كمال الاجسام وسواها من الرياضة التي تعزز ثقة الانسان بنفسه وقدراته وتحميه من الوقوع في الامراض والبدانة والكسل كما انها توفر له شبكة معارف واصدقاء واسعة عبر تلك الاندية·
ثالثاً: تحديد اوقات الجلوس امام الحاسوب والدخول إلى الانترنت عند الأبناء بالاوقات التي يكون الاهل على تواجد فيها في المنزل لمتابعة اولادهم من حين إلى آخر ومتابعة ما يقومون به من العاب على هذه الشبكة والافضل دائماً حتى ولو تعددت الحواسيب داخل البيت الواحد ان يكون موضع الحاسوب ضمن القاعة التي يسهر فيها الاهل أو يستقبلون فيها الضيوف لكي يبقى الصغير وحتى المراهق مدركاً انه تحت الرقابة بصورة غير مباشرة فلا يدخل إلى منتديات تقوده إلى محرمات وفي الوقت نفسه لا يكون الاهل قد اشعروا هؤلاء بأن هناك ما هو ممنوع لأن كل ممنوع مرغوب ولكن بوجود الاهل الطفل والمراهق يدركان عملياً عندما يرتكبون اي خطأ بأنه خطأ بمجرد سؤال الاهل عنه·
رابعاً: لا تتركوا للطفل أو المراهق وقت فراغ طويل امام الشاشة وفي غرفته الخاصة بل لتكن المشاريع الاسرية بمشاركة من الجميع وخارج الدار ولو بزيارة الاهل أو حضور السينما أو القيام برحلة إلى منطقة ما أو بنزهة خلوية ولا تتركوا كمية كبيرة من المال معهم حتى لا تجرفهم مثل هذه المنتديات·
خامساً: نذكر هنا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم <كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته> فلينتبه الاهل إلى ابنائهم لأن خسارة الولد واخلاقه لا تعوضها اية ارباح في العمل أو في حسابك في المصرف أو في موقعك الاجتماعي·
جريدة اللواء (لبنان)، 6/2/2010
العنوان الأصلي للمقالة:العلماء والمختصون يحذرون من خطورة تحويل اللعب الافتراضي إلى حقيقة، ويدعون إلى استثمار الوقت في ما ينمّي طاقات الأمة وينفع أفرادها

ليست هناك تعليقات: