١ فبراير ٢٠٠٩

سحابات الإنترنت.. مستقبل العمليات الحاسوبية

سحابات الإنترنت.. مستقبل العمليات الكومبيوترية
خدمات «سحابية» تتيح للمستفيدين وضع معلوماتهم وسحبها بأي جهاز من كل مكان
شركة «آي بي إم» وصفتها بـ«العمليات الكومبيوترية عند الطلب». والبعض دعاها «العمليات الكومبيوترية من الشبكة الاساسية»، في حين وصفها البعض الآخر بـ«البرنامج المتوفر كخدمة». لكن الاسم الاخير لها هو «العمليات الكومبيوترية السحابية» التي باتت الصرعة الجديدة الاخيرة التي استحوذت على عقول الناس، والتي اكتسحت الصناعة الكومبيوترية. لكن المدير التنفيذي لشركة «أوراكل» الذي كان يتحدث في احد المؤتمرات اخيرا وصف الظاهرة هذه بانها مجرد بدعة.
وأضاف: «قد أكون من الاغبياء، لكنني لا اعرف عن ماذا يتكلمون! وما هي، انها ثرثرة غير مفهومة وجنون»، هذا ما قاله لاري إيليسون. لكن مهلا فانه على الرغم من الشكوك التي ابداها الاخير فان العمليات الكومبيوترية السحابية تعني الكثير.
* خدمة إنترنتية
* والفكرة الاساسية منها بسيطة وسهلة. فبدلا من تعريب معلوماتك وفرزها على جهازك الكومبيوتري تقوم بخزنها على خادم على الانترنت من دون ان تقلق على موقعها، او تدري اين يقع هذا الخادم. وفي الواقع قد تكون هذه المعلومات مبعثرة عبر حفنة من الخوادم موجودة كل منها في مكان ما، كالسحاب مثلا بالمعنى المجازي.
وطالما كنت موصولا مع الانترنت بعرض كاف من النطاق، فانك ستكون قادرا على استحصال صورك ومستنداتك وافلام السينما المنزلية من اي مكان قد تكون فيه، مستخدما الجهاز الذي ترغبه مثل الهاتف الجوال، او كومبيوتر لابتوب، او مشغل للوسائط المتعددة، او حتى كشك الانترنت في احد المطارات. «فالناس سيضعون معلوماتهم الخاصة ليس في بعض الاجهزة، لكن في خدمة ما، تقبع في السحاب مثلا، كمجرد تعبير مجازي ليس أكثر«، كما يقول بول مارتينيز احد المديرين الكبار في «آي بي إم» والذي يشكل برنامجه الخاص بـ«الافتراضية» جزءا اساسيا من الاحجية، أو اللغز السحابي. ومن الامور الاخرى يتيح برنامج Vmware لاصحاب هذه التقنية دمج المئات من الخوادم في مجموعة واحدة من القدرة الكومبيوترية بحيث تعمل التقنيات بشكل اكثر فعالية.
والانتقال الى العمليات السحابية يبعد عنك محاولات التذكر اين تركت التقرير الخاص بحساباتك المالية، سواء كان ذلك في كومبيوتر العمل، او الكومبيوتر المنزلي. كذلك فان هذا الامر يزيل الحاجة الى دعم كل معلوماتك وعملياتك في أمكنة اخرى، أومحاولة نقلها من جهاز الى اخر، كما انه لا حاجة بعد الان الى نسخ جميع موادك ومعلوماتك من كومبيوترك القديم الى كومبيوترك الجديد الذي اشتريته حديثا. ويعني هذا الامر ايضا انك قادر على تأسيس خزين كبير من المعلومات التي تبقى معك، وتظل تنمو وتتوسع ما دمت على قيد الحياة. ويبدو ان الجميع في هذه الصناعة التقنية يوافق انها المستقبل، لان العديد من الشركات والمؤسسات تركت المجال مفسوحا لمطوريها لكي يخرجوا بتقنيات سحابية جديدة. لكن ما زلنا في اول الطريق. فالاتصالات مع الانترنت ليست بالسرعة الكافية، ولا يمكن الاعتماد عليها تماما، وليست متوفرة في جميع الاوقات وفي جميع الامكنة. كما ان بعض الخدمات الشبيهة بالسحابية ليست بتلك الفعالية. كذلك فانها ليست سهلة الاستخدام كما ينبغي ان تكون. والمشكلة الاخرى هي ان كل شخص يبدو وكأنه يقوم بتطوير قطعة من الاحجية هذه، ولكن ما من احد قام بتوحيد هذه الاجزاء كلها. كذلك فان العمليات السحابية تثير بعض المسائل والقضايا الحساسة، ان لم تكن شائكة، وهي التساؤل: من هي الجهة التي تدير المعلومات العائدة اليك. وهذه امور ينبغي توضيحها قبل ان تنطلق هذه التقنية وتنتعش.
* تأجير القدرات الكومبيوترية
* وعمليا فان فكرة العمليات الكومبيوترية السحابية يمكن تطبيقها على صعيد الشركات، فبدلا من تشغيل مراكز معلوماتها الخاصة، فقد تقوم باستئجار قدرة كومبيوترية وفسحات للتخزين من شركة تقدم مثل هذه الخدمات بحيث تسدد كلفة ما تستخدم، كما هي الحال مثلا مع شركات الكهرباء التي نسدد لها ما نستهلكه من الطاقة. وتقوم شركة «أمازون» الشهيرة ببيع الكتب على الانترنت بتشغيل عمليات سحابية رائجة جدا، بحيث تؤجر قدرات كومبيوترية وفسحات تخزين الى نحو 440 الف فرد، او شركة، مع قيام اكثر من 30 الف مشترك جديد بالانضمام الى الخدمة في كل فصل. وبعض زبائن «أمازون» لم يؤسسوا مراكزهم الخاصة بالمعلومات، بل يستخدموا «أمازون» فقط. «ونحن ندعو هذه الشركات التي لا تملك خوادم» كما يقول أدام سيليبيسكي نائب رئيس شركة «امازون» في سياتل.
وبعض هذه الشركات شرعت في استخدام «أمازون» لتشغيل تطبيقات جديدة بدلا من اضافتها الى مراكز معلوماتها. وتأمل «أمازون» في نهاية المطاف قيام الشركات بترحيل عملياتها اليومية الحالية من مراكز معلوماتها الى المنصة السحابية. ومثل هذا التحول بسيط ورخيص الكلفة. وبالنسبة الى البعض فان الانتقال الى المنصة السحابية قد يخفض النفقات الكومبيوترية الى النصف، كما يقول فرانك جينز المحلل في مؤسسة «آي دي سي» للابحاث. ويقدر جينز ان الانفاق على العمليات الكومبيوترية السحابية قد يصل الى 42 مليار دولار في عام 2012 انطلاقا من 16 مليارا في العام الحالي. «فالمنصة السحابية هي الاساس فعلا للسنوات الـ 20 المقبلة في ما يخص صناعة تقنية المعلومات» وفقا الى جينز.
ويرى عمالقة هذه الصناعة من الشركات الامر ذاته، وهذا هو السبب الذي يجعلها تتسابق لتسليم المنتجات من هذا النوع. فـ «مايكروسوفت» من جهتها تقوم حاليا بترويج مجموعة جديدة من البرامج المصممة لتشغيل تطبيقات اساسها الشبكة. وهي تسمي هذه المجموعة «ويندوز أزور» Windows Azure والتي تصفها بانها «نظام تشغيل للمنصة السحابية». وتسميتها هكذا ليست صحيحة تماما، وقد تكون مضللة لكونها ليست نظام تشغيل بالمعنى الحقيقي. والمستخدمون من الافراد لن يروا «ويندوز أزور»، بل انهم يستخدمون فقط تطبيقات تعمل عليها، والتي تخدم كمعالج للكلمات على الشبكة وكتطبيقات لصفحات الـ«سبريد شيت». وحتى «أوراكل»، على الرغم من تعليقات «إيليسون» السلبية، فقد طرحت نسخة من برنامجها الخاص بقواعد المعلومات اساسها العمليات السحابية. وهناك شركات اخرى شرعت تنافس في هذا المجال ايضا. ومزودو هذه الخدمات لا يقرون بذلك، اي المنافسة، لكن حالما يستحصلون على معلوماتك، سيحاولون ان يعثروا على اساليب للاحتفاظ بك قبل ان تتحول الى غيرهم. أما نحن المستخدمين من الافراد والشركات فعلينا في النهاية المقايضة عن طريق التضحية قليلا ببعض الحرية والسيطرة مقابل عامل الراحة والملاءمة. حتى وان كان البديل هذا بعض الفوضى التي نشهدها اليوم، الا ان الناتج يبدو مغريا.
الشرق الأوسط ، 2/12/2008

ليست هناك تعليقات: