١ فبراير ٢٠٠٩

الحق في عدم القراءة

الحق في عدم القراءة
منذ عقود وأنا اقرأ مقالا واحدا بأقلام كثيرة، وهو أننا شعب لا يقرأ. وتلك كانت شهادة موشيه دايان فينا ويتناقلها الكتاب والناشرون والموزعون والوراقون العرب كلما تأملوا في بياناتهم المالية. ويميل خبراء الإحصاء إلى المقارنة بيننا وبين أحفادنا في إسبانيا أو مزارعي البقر في الدانمارك أو فلاحي الفستق في الجنوب الأميركي. ولمناسبة معرض الكتاب الأخير في بيروت، عاد المقال إلى الظهور في جميع الصحف وبالحدة نفسها وبمعايير المقارنة نفسها. إسبانيا أو الدانمارك أو رواد المكتبة الوطنية في أوتاوا.
والكتاب أنفسهم ينسون أنهم كتبوا بالأمس مقالات عن نسبة الذين لا يقرأون ولا يكتبون في العالم العربي ونسبة فقراء ما تحت الحزام ونسبة البطالة التي حدثت في فرنسا لتساقطت أو في بريطانيا لتهاوت. إننا نغفل دائماً في معرض البحث عن قراء عدد الباحثين عن رغيف وعدد الباحثين عن مياه صالحة للشرب أو للاستحمام وعدد الباحثين عن عمل وعدد الباحثين عن قسط مدرسي وعدد الباحثين عن ثمن دواء.
القراءة ليست ترفاً، لكن أيضاً الجائع لا يقرأ والجاهل لا يقرأ والعائد إلى أولاده في المساء يفضل أن يحمل إليهم ربطة خبز على أن يتأبط كتاباً فيه دزينة من شعر الحماس ومائة مقال في مرحلة الهجاء من الشعر الأموي وثلاث دراسات عن كيفية إنقاذ الأمة وتحقيق الوحدة واستعادة الباقي من فلسطين بتهجير بقية الفلسطينيين. الجائع لا يقرأ. والخائف لا يقرأ. والغارق في اليأس والفقر والبطالة والسأم وقرف التراكمات، آخر همومه أن يقرأ المزيد من الخوف واليأس والسأم. أعيدوا ترتيب المقاييس والمعايير تجدوا أننا أكثر شعب قارئ في العالم. لا نزال نصدق الذين يكتبون لنا. ولا نزال نتحمل تكرارهم وكسلهم ووقاحة النقل والنسخ والسرقة. ولا نزال نختصر من موازنة الرغيف والزيت من أجل كتاب لم يعلمنا كيف نتعلق به. ولا نزال نذهب إلى المعارض والمكتبات مع أننا نرى كيف يعامل الكتاب مثل البصل والبطاطا والقلقاس خارج موسمه.
أغلفته بالية وأوراقه لا يزال حبرها سائلا ومواضيعه وسادات محشوة بالتبن الذي سقط من تبن الكتاب السابق. وهناك قلة من الشجعان أو الفرسان، قراء وناشرين. وللمناسبة، فقط للمناسبة، ترجم أحدهم أشهر عنوان «الفرسان الثلاثة» إلى العسكر الثلاثة. كأن تقول عسكر وحرامية! تلومهم لأنهم لا يقرأون؟
سمير عطا الله، الشرق الأوسط ، 15/12/2008

ليست هناك تعليقات: