قبل أن ينتهي معرض الكتاب..
هل غاب الكتاب العربي ؟
هل غاب الكتاب العربي ؟
لم أكن في حاجة لأستدعي كل ما يدور حولي بمعرض هذا العام عن الانكماش الاقتصادي ورياح التغيير المالي العالمي لأدرك أن الأزمة وصلت إلي الثقافة العربية أو - بشكل أكثر تحديدا - إلي الكتاب العربي..
والواقع أن أزمة الكتاب العربي - النشر بالطبع - ليست أزمة طارئة, وإنما كانت تتراوح بين المد والجزر في الزمن الماضي, غير ان العديد من التطورات كانت تدفع بها أكثر عندنا في المنطقة العربية, ففي غيبة الوعي الحضاري بما يحدث لنا وبنا, وفي حضور الأميات_ أبلغها الأمية الثقافية_ لم يتوقف مثقفونا عن التحذير مما تثيره الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية الكبري, غير أننا مع انطلاق رياح التغيير ليس في أزمة القروض العالمية إنما مع آثارها كان لابد أن نجدد التنبه للخطر لما يحيق بنا ونحدد أكثر لمن لايعرف أو يعرف ولا يصدق آثار الأزمة الثقافية التي تحيق بنا..
وكانت أخطر مظاهر الأزمة تدهور حال الكتاب.. والواقع أن حال الكتاب كان في تدهور مستمر- كما ذكرنا_ مع ما انتهي إليه حالنا, غير أن أكثر مظاهره قسوة أتت مع هذه الأزمة الاقتصادية الأخيرة.. كانت مراقبة الواقع الثقافي لنا تشير إلي تدهور حالة الشباب العربي.. وهي' حالة' بدت أكثر قنوطا مما آل إليه الواقع مما زاد من سرعة عجلة التخلف.. ويمكننا أن نلاحظ هذا التراجع المحزن لحركة النشر في كثير من المظاهر حولنا, ويمكن أن نشير في هذا إلي عاملين:
العامل الأول: ما يمكن أن يلاحظه أي مراقب لحركة معارض الكتاب في العام الذي يغرب الآن, وقد لفت نظري إلي ذلك أحد الناشرين حين فاجأني بأن آخر معرض ذهب إليه هناك - وأشار إلي الشرق العربي - خسر فيه الكثير, وما يمكن أن يقال عني- أشار الناشر - يقال عن كثير من الناشرين..
ولم نكن في حاجة لنتعرف أكثر من خلاله علي مصير النشر العربي في الفترة الأخيرة, فمن يتابع ما حدث في المعارض الدولية الأخيرة يلحظ هذه الخسارة العاتية التي تحيق بحركة الكتاب ليس في النشر وحسب وإنما أيضا في التأليف والترجمة والتوزيع..وما إلي ذلك مما يثري حركة نشر الكتاب العربي بشكل عام وجدنا هذا في معرض بيروت للكتاب ومعرض الكويت الدولي للكتاب ومعرض دمشق الدولي وما ينتظره في معرض الكتاب الدولي في مصر.. نجد هذه الأزمة ليس في غياب القارئ العربي وإنما قبله وأكثر دلاله علي ما يحدث لدي دور النشر السورية والعربية والغربية.. وهو ما نستطيع معه أن نشير إلي كثير من الظاهر التي تؤكد علي غياب حركة نشر الكتاب بشكل خاص..
لا نحتاج للبحث عن الكتاب في هذه المعارض لنكتشف غياب الكتاب( كأداة ثقافية) وحضور الخسارة المالية العاتية التي يعاني منها الناشرون فضلا عن المناخ الثقافي الذي نفتقده في هذه الظواهر الحضارية.. وما رأيناه في معارض الكتاب العربية في هذا العام نراه, وسنراه, ونحن نتهيأ لمناخ تصبح فيه بيروت العاصمة العالمية للكتاب2009..
إن ما كان هو هو ما سيكون علي اعتبار أن الواقع هو الحاضر المستمر..والحاضر المستمر هو هو - في امتداده الجغرافي او التاريخي - يعكس المستقبل ويؤكده..
لقد أصبح المناخ العربي العام يعاني من الأمية الثقافية التي نتجت_ لا علي الأزمة الاقتصادية_ وحسب, وإنما لتعميقها في هذه الظروف من أثر الويب وغزو الفضائيات وتدهور مستوي الدخل الفرد إزاء ارتفاع سعر الكتاب وعزوف السلطة المسئولة عن الثقافة في تعزيز دور الكتاب, والقيام بصدور طبعات شعبية تمكن القارئ من الحصول عليها بكثير من اليسر وما الي ذلك من المؤثرات التي كان يمكن أن تحول بين المثقف والوصول إلى "حالة" ميلودرامية تؤكد علي ما أصاب الكتاب العربي من الغياب, ومن ثم, ما أصاب المثقف العربي الذي نستحضره في الأجيال الجديدة خاصة..
وهو ما يصل بنا الي العامل الآخر..ونقصد به, الإمعان أكثر مع الأزمة الاقتصادية وتداعياتها علي المستوي الثقافي إلي انصراف الشباب أكثر إلي وسائل تبدو - في الإطار العام - أنها تعكس التقدم والتطور الاليكتروني الحديث في حين أنها تؤكد غياب الوعي الثقافي أو تأكيد هذه الأمية الثقافية التي أصبحت سائدة في هذه الفترة التي نعيشها..
لم نكن في حاجة في نهايات عام2008 لنعود إلي محركات البحث - علي سبيل المثال - لنري إلي أي مدي ينصرف وعي الشباب واتجاهاتهم.. وهو الوعي والاتجاه الذي يؤكد علي غياب الثقافة, سواء في شكل الكتاب, أو في شكل المعرفة بشكل عام.. ولا نحتاج للتدليل علي هذا حين نرصد بعض التقارير السنوية لعملية البحث أو مراقبة حركة الشباب علي المواقع المختلفة لندرك أن أول اهتمام لدي الشباب لأكثر مواقع تم البحث عنها في بلد كمصر تشير إلي واقع مؤسي.. إن أول اهتمامات الشباب جاءت إلي المواقع الرياضية, ثم إلي مواقع المرأة و'الطبخ' ثم تباينت درجة الاهتمامات حين نحاول رصد تتابعها مع ميادين ومواقع ليس لها في جانب الثقافة العامة أي نصيب..
لا نريد أن نعرض لعديد من الموضوعات والنتائج التي تشير إلي غياب الوعي الثقافي والي حضور الأمية الثقافية لدي شبابنا في عصر تحالفت فيه ضدنا, ليس آثار الأزمة الاقتصادية العالمية وآثارها المريعة وحسب وإنما - قبل هذا وبعده - تعميق هذه الأمية التي نواجهها من الداخل.. لدي اهتمامات شبابنا الذي ينصرف عن الكتاب إلي وسائل أخري ليس لها أية علاقة ثقافية ايجابية بالوسائل الأخري علي الفضاء الرقمي في المواقع الشاسعة.
د. مصطفى عبدالغني ، الأهرام ، 8/2/2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق