٢٤ جمادى الأولى ١٤٢٩ هـ

إنقاذ اللغة إنقاذ الهوية

إنقاذ اللغة إنقاذ الهوية
هموم اللغة العربية في كتاب

مراجعة: ليلـي الراعــي هموم وأزمات عديدة تواجه اللغة العربية‏,‏ وتصاحبها معها هموم وأزمات أخري تكاد تعصف بالهوية العربية‏..‏ فكلتاهما‏:‏ اللغة والهوية متلازمتان ومشتركتان في صنع كياننا العربي الذي كاد يضيع ويغرق في خضم بحور‏(‏ التغريب‏)‏ و‏(‏العولمة‏)‏ و‏(‏تيارات اللإذابة والمحو‏)!‏
لماذا تبدو اللغة العربية جامدة ومعقدة وغير قادرة علي استيعاب مفردات ولغويات عصرنا الحديث؟
ولماذا تعاني من الازمات والمحن العديدة‏..‏ هل يعود السبب الي جمودها وعجز مفرداتها وتراكيبها وقواعدها النحوية والصرفية والبلاغية عن الاستجابة لمتطلبات الحياة العصرية الحديثة؟ أم أن المشكلة الحقيقية تكمن في جمود القائمين علي أمر تعليمها وتدريسها‏,‏ فهم يقدمونها ويعلمونها الي الأجيال الجديدة تماما مثلما كان يفعل اسلافهم القدماء منذ أكثر من ألف عام‏(!)‏
هذا هو الخيط الرئيسي الذي يلتقطه الدكتور احمد درويش في كتابه المركز‏(‏ انقاذ اللغة‏..‏ انقاذ الهوية‏)160‏ صفحة طبعة ثانية‏..‏ ومن أهم الحلول التي يطرحها الكاتب هنا لنهوض اللغة العربية من كبوتها هي الإغفال النسبي لكثير من القواعد الفرعية التي لم تعد تستخدمها العربية المعاصرة والتي تثقل مع ذلك كاهل الدارسين وتنفرهم من تعلم اللغة والاقبال عليها‏,‏ فضلا عن محاولة ايجاد او استحداث قواعد جديدة تتسم بالمرونة وإدارجها ضمن القواعد الحديثة المكتشفة في مناهج تعليم اللغة‏,‏ دون المساس بالقواعد الرئيسية الجوهرية‏.‏
ومن الاخطاء الشائعة التي كثيرا ما نقع فيها ونحن ندرس اللغة العربية هي اننا نقدمها ككتلة واحدة‏,‏ ذات مستوي واحد صلب وجامدا‏!‏ فالذي نقدمه للفلاح يماثل ما نقدمه للمحاسب والمهندس والطبيب والطالب إلخ‏..‏ وهذا بالطبع خطأ كبير‏..‏ يدعو الكاتب هنا كأحد الحلول المقترحة لحل أزمة العربية‏,‏ إلي فصل مستوياتها رأسيا وافقيا‏(‏ درجات ومستويات متعددةـ اختيار المادة اللغوية الملائمة لكل مستوي ـ رسم منهج متدرج يقدم القدر الكافي لكل مستوي ـ مراعاة الفروق بين الاحتياجات اللغوية للمتعلم العام والمتعلم المتخصص‏)‏
وعلي صعيد آخر يؤكد الكاتب أن اللغة العربية لغة متطورة وقادرة علي التجديد والدليل علي ذلك هذه اللغة العربية التي نستخدمها في الصحف ووسائل الاعلام المختلفة ونخاطب بها عامة المثقفين‏..!‏ إنها بالتأكيد لغة مختلفة عن تلك اللغة التي كان يتحدث بها ابن المقفع وعبدالحميد الكاتب والجاحظ في العصور الماضية وهي مختلفة كذلك عن لغة الجبرتي والطهطاوي والنديم والمنفلوطي والمويلحي في القرون القريبة الماضية‏...‏ إنها اذن متحركة ومتطورة وتتسع مفرداتها وتركيباتها واستخداماتها وتقبل كذلك من‏(‏ عصارات‏)‏ اللغات الأخري وربما من هنا تحديدا تصيبها الامراض والاعراض المختلفة‏.‏
ومن اهم الامراض التي نالت من اللغة العربية من جراء الاعتداءات المتكررة من قبل الثقافات واللغات الاجنبية الاخري هي فقدان هويتنا العربية وملامح ثقافاتنا تحت تأثير دعاوي‏(‏ العولمة‏)‏ و‏(‏التطوير‏)‏ ومسايرة مبدأ‏(‏ الحداثة‏)‏ والذي ولد معه فكرة‏(‏ القطيعة مع التراث‏)‏ وقطع الصلة بالماضي ورموزه البارزة وأولها الدين واللغة كشرط للانطلاق نحو آفاق حضارية متقدمة‏(!)‏
وبينما يسعي اليهود الي احياء اللغة العبرية الحديثة من اجل تجمع شتاتهم وبناء دولتهم‏.‏ وتجاهد الحركة الفرانكوفونية علي بقاء نفوذ الثقافة الفرنسية في العالم بعد انحلال امبراطوريتها السياسية‏,‏ نفرط نحن في لغتنا القومية وندير ظهورنا الي تراثنا وثقافتنا ومفرداتنا الشرقية العربية ونتطلع الي الثقافات الغربية والامريكية علي وجه التحديد باعتبارها من علامات التقدم الحضاري والفكري‏(!)‏
ان ارتباط اللغة بالهوية لهو ارتباط وثيق وقوي‏,‏ يحفزنا نحو مزيد من الاهتمام بلغتنا العربية والنهوض بها وعلاج مشكلاتها والتصدي للازمات العديدة التي تمر بها‏..‏ فبدونها لن نستطيع ابدا أن نقدم بطاقتنا للآخر‏..‏ ولن نتمكن كذلك من أن نجد لانفسنا مكانا في خضم حضارات العالم وثقافاته القوية المؤثرة التي تؤصل معها هويتها وتثري مفرداتها بكل السبل وكافة الطرق
صدر الكتاب عن نهضة مصر‏.‏
الأهرام ، 28/5/2008

ليست هناك تعليقات: