٢٤ جمادى الأولى ١٤٢٩ هـ

من يقرأ الكتب ومن يقرأ الفنجان

من يقرأ الكتب ومن يقرأ الفنجان
ياسر حارب
عندما دخلت لأول مرة إحدى المكتبات في سنغافورة لم أستطع أن أواصل تقدمي بين الصفوف لشدة الازدحام. ظننت في البداية أن هناك حدثا ما يجري داخل المكتبة، ثم اكتشفت بعد أن تعودت ارتياد تلك المكتبة بأن الوضع هكذا على الدوام. حيث يفد الناس من جميع الأعمار ومن مختلف الأعراق والطوائف على المكتبات العامة والخاصة في سنغافورة إما بحثاً عن كتاب أو مشاركة في نشاط ثقافي بسيط.
في العام 1823 قال "ستامفورد رفلز" مؤسس سنغافورة إن التعليم يجب أن يتسابق مع التجارة حتى يتوازن الخير مع الشر. وفي تلك السنة قام بتأسيس أول مؤسسة تعليمية في الجزيرة وأصّل بذلك لأهمية العلم والمعرفة في تلك البقعة المنسية من العالم. وفي العام 1992 قامت الحكومة بوضع خطة طموحة لوضع بنية تحتية للمكتبات ولتشجيع القراءة، وبعد أن اكتملت البنية التحتية العام 2000 بتأسيس مجموعة كبيرة من المكتبات العامة وتزويدها بأحدث التقنيات لكي يستفيد منها أكبر عدد ممكن من الناس، قامت الحكومة بإطلاق مبادرات عدة لتشجيع الناس على القراءة فأطلقت مبادرة سمّتها ((اقرئي سنغافورة))، حيث تم اختيار 12 كتاباً لكي يقرأها السنغافوريون على مدى عشرة أسابيع، وقامت الحكومة بتقديم الدعم المادي لنوادي الكتاب المنتشرة في أنحاء الجزيرة لتستوعب أكبر عدد ممكن من الزوار حتى يتناقشوا في تلك الكتب.
استطاعت الحكومة من خلال هذه المبادرة أن تقوي أواصر الوحدة الوطنية بين المواطنين، وقد يستغرب البعض من هذا القول، ولكن الحكومة أوجدت 12 موضوعاً أو قضية مشتركة بين الناس ليتناقشوا حولها. فتجد مجموعة من الشباب في أحد المقاهي يتناقشون حول أحد تلك الكتب، وبلا شعور ينضم إليهم عدد من الناس الذين قرأوا الكتاب نفسه وتشكل لديهم رأي تجاهه. كما استطاعت الحكومة أن تروج لثقافة القراءة في المجتمع، وأوجدت طريقة مميزة لكي يكتشف الناس متعة القراءة. فعندما يقرأ المرء كتاباً ويكتشف أن كل من يعرفهم قد قرأوا الكتاب نفسه فإنه يشعر برابط غريب بينه وبينهم يدفع به لقراءة المزيد من (المشتركات) والتمتع بمحاورة الآخرين حولها.
لاحظ القائمون على المشروع أن بعض أفراد المجتمع السنغافوري أصبحوا أكثر قدرة على التعبير عن ذاتهم، ففي مجتمع تتمايز فيه العرقيات وتختلف الأديان بشكل بارز، يصعب على أبناء هذه الطوائف أن يعبروا عما يجول في أنفسهم للآخرين، فلكل اهتمامه ولكل معتقده. إلا أن هذا المشروع أوجد بينهم ثقافة مشتركة ساعدتهم على مشاركة الآخرين أشياء أخرى غير التي في الكتب، وهو أمر أساسي لوحدة أي مجتمع.
أما بالنسبة للصغار فقد أطلقت الحكومة برامج متخصصة لتشجيعهم على القراءة، أجملها هو برنامج موجه للأطفال الذين تقع أعمارهم بين (يوم واحد) وثلاث سنوات. فلقد لاحظت الحكومة أن نصف استعارات الكتب من المكتبات العامة خاصة بالأطفال، ولأن الأطفال لا يستطيعون أن يحصلوا على عضوية في المكتبات يقوم أولياء أمورهم باستعارة الكتب بأسمائهم، فأطلقت الحكومة برنامجاً سمّته (نولد لنقرأ، ونقرأ لنترابط) حيث أثبتت بعض الدراسات التي قامت بها الحكومة بأن القراءة للأطفال والأجنّة أيضاً يساعدهم على تعلّم المفردات اللغوية بسرعة، ويحفز لديهم القدرة التخيلية والإبداعية، وبالتالي يزيد من معدل مهارات التعلم ويجعل القراءة ركناً أساسياً من أركان حياتهم.
فقامت الحكومة بإطلاق حملات تسويق للبرنامج في المكتبات والمستشفيات وفي أقسام الولادة على وجه الخصوص حتى يشجعوا الآباء والأمهات على تسجيل أبنائهم في المكتبات، وما إن يولد الطفل حتى يعطى الوالدان حقيبة بها دفتر لتنظيم مواعيد استعارة الكتب وإرجاعها، وبطاقة اشتراك مجانية باسم الطفل على شكل مفتاح، في إشارة رمزية إلى أن هذه البطاقة هي مفتاح المعرفة لدى الطفل، وعلى الوالدين أن يستعيرا أربعة كتب في اليوم الذي يولد فيه الطفل ليقرآها له على مدى ثلاثة أشهر.
أما الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 4 سنوات فما فوق فإن الحكومة قد خصصت لهم برنامجاً مختلفاً، حيث شجّعت نوادي الكتب لكي تخصص جزءاً من برنامجها للأطفال عن طريق القراءة لهم مرة في الأسبوع. كان الهدف العام 2004 أن يؤسس 15 ناديا للأطفال خلال ثلاث سنوات يشترك فيها 2000 طالب، وكانت النتيجة أن تم تأسيس 45 نادياً اشترك فيها 2250 طفلاً. وتم فتح باب التطوع لمن يرغب في أن يقرأ للأطفال مرة في الأسبوع على ألا يقل سن المتطوع عن 15 عاماً. وقامت الحكومة بتجهيز كتيب تدريبي لهؤلاء المتطوعين وقامت بتدريبهم على أساليب القراءة لمختلف الأعمار لتحويل الجلسة إلى تجربة مسلية يستفيد منها الأطفال والمتطوعون على حد سواء.
يوجد اليوم في سنغافورة أكثر من 9.1 مليون عضو في المكتبات العامة من أصل 3.4 مليون نسمة، وفي هذه المكتبات تمت استعارة أكثر من 28 مليون كتاب العام 2006، والأهم من ذلك أن الكتاب والكاتب يحظيان باحترام وتقدير كبيرين في تلك الجزيرة الصغيرة.
في أقصى الشرق يقرأ الشباب الروايات والكتب، وفي وسط الشرق نقرأ الفنجان ونبحث عن الطوالع، حيث تعد كتب التنجيم هي ثاني أكثر الكتب قراءة في الوطن العربي - الطبخ يحتل المرتبة الأولى. عندما أحجم العالم العربي عن القراءة توقف إنتاجه العلمي والأدبي وتأخر في ركب الحضارة. وفي رأيي، فإننا إن استطعنا أن نلحلح مشكلة القراءة قليلاً فإننا سنتمكن من إيجاد اللبنة الأولى في بناء النهضة.
إن المعرفة حرية والجهل عبودية، ولأن نكون في مؤخرة عالم من الأحرار، خير ألف مرة من أن نكون في مقدمة عالم من العبيد.
الوقت (البحرينية)، 25/4/2008

سعودية تؤسس مكتبة للمكفوفين‏..‏

سعودية تؤسس مكتبة للمكفوفين‏..‏
أنجزت طالبة سعودية أول مشروع من نوعه لإقامة مكتبة متخصصة للمكفوفين تستهدف هذه الشريحة للمجتمع التي تحتاج الكثير من الدعم والمساندة‏.‏
الطالبة اسمها سمية بيت المال بالصف الثاني الثانوي في مدارس دار الفكر للبنات بجدة عرضت مشروعها في فعاليات الندوة السنوية السادسة للتعلم والتقنية تحت عنوان (المواطنة في المنظومة الرقمية ؛ إطلالة ورؤي) التي اختتمت أعمالها برعاية أمير منطقة مكة المكرمة‏.‏ ولفتت الي أنها تسعي الي الحصول علي براءة الاختراع لمشروعها الذي أنجزته علي احد البرامج الهندسية في سي‏.‏ دي‏.‏
الطالبة أوضحت أنها قامت بتصميم مكتبة المكفوفين من خلال تصميم رفوف المكتبة بعدة ألوان‏,‏ وكل لون يشير الي نوعية الكتب علمية او ثقافية او اجتماعية‏,‏ وحين يقترب ضعيف البصر او المكفوف من هذه الرفوف تعطي اشارة ضوئية معينة تمكنه من معرفة الكتاب او المعلومة التي يريد الحصول عليها‏.‏‏
الأهرام ، 6/5/2008م

تعليق: أعتقد أن هناك فرصة لتكريم هذه الطالبة من قبل الجمعيات المهنية المختصة ، كما أن هناك فرصة للشركات العاملة في قطاع المعلومات لبحث إمكانية استثمار هذا الابتكار وتعميمه في المجتمع العربي.

انهيار وشيك للإنترنت

انهيار وشيك للإنترنت مع ازدياد أعداد المستخدمين الذين يشاهدون مواقع الفيديو، مثل «يو توب» و«بي بي سي آي بلاير» BBC iPlayer، فإنّ سرعة تدفق البيانات بشكل دائم عبر الكابلات النحاسيّة وصلت الى اقصاها، ولذا يحذر الخبراء بضرورة إنفاق مليارات الدولارات الأميركيّة لتطوير البنى التحتيّة للإنترنت، وإلا فإنّ السرعات ستصبح بطيئة جدّا، وقد تنهار الإنترنت تحت وطأة كثرة استخدامها، الأمر الذي سيدمّر اقتصاد دول كاملة تعتمد على الإنترنت في تعاملاتها الماليّة والحكوميّة. ويمكن تشبيه هذه المشكلة بشوارع المدن القديمة التي صُمّمت منذ عقود بعيدة لتستوعب عدّدا معيّنا من السيّارات والمشاة، ولكن عدد السيّارات التي تسير فيها في وقت الذروة يفوق قدرتها، الأمر الذي نشهده على شكل ازدحامات خانقة. ويواجه العالم كلّه، والعالم العربيّ خصوصا، تحديات كبيرة في مواكبة الطلب المتزايد على الإنترنت، حيث انّ البنى التحتيّة الحاليّة لا توفر السرعات المرجوّة، كما ان تمديد شبكات ألياف ضوئيّة جديدة هو أمر مكلف جدّا، وخصوصا في العالم العربيّ.
http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=13&issueno=10766&article=471440&feature=1
الشرق الأوسط ، 20/5/2008

الإنترنت ضرورة انتخابية

الإنترنت ضرورة انتخابية مواقع يوتيوب وماي سياس وفيس بوك تمارس تأثيرا قويا علي انتخابات الرئاسة الامريكية.
فوفقا لتقرير صحيفة تايمز ستاندرد فإن مناقشات يوتيوب وآلاف المدونات غيرت العملية السياسية، حيث سمح للشعب الامريكي ان يوصل صوته الي الآخرين‏.‏ ولم يعد المراسلون الصحفيون هم الذين يقررون القضايا المهمة أو الأسئلة التي يجب ان تسأل للمرشحين بل أفراد الشعب الامريكي هم الذين يفرضون قضاياهم واهتماماتهم وأسئلتهم‏.‏المعروف ان لكل من مرشحي الرئاسة صفحته الخاصة علي موقع ماي سباس وفيس بوك ويمكن لآلاف المصوتين ان يضيفوا مرشحهم المفضل كصديق ويرسلوا مقاطع فيديو ومعلومات عن المرشحين علي صفحاتهم‏.‏
من ناحية أخري فتحت هذه التقنيـة مجالات جديدا للوصول الي الشعب، وعندما احتاج المرشحون الي الكثير من المال من اجل الاعلانات منح المتطوعون المال لمرشحهم المفضل عبر الانترنت، وبدأ المرشحون في استخدام المواقع لعرض وجهات نظرهم في كافة الموضوعات بصورة مباشرة‏.‏
الأهرام ، 19/5/2008

انطلاق موقع بوابة الحرمين الإلكتروني

للاستماع لخطب الجمعة مباشرة .. انطلاق موقع بوابة الحرمين الإلكتروني
أنطلق موقع بوابة الحرمين الشريفين الإلكتروني ليمكن ملايين المسلمين من مختلف أنحاء العالم من الاستماع المباشر لخطب الجمعة المباشرة والمسجلة من المسجد الحرام بمكة المكرمة ومتابعة آخر الأخبار، فضلاً عن معرفة كيفية أداء النسك بعدد من اللغات.

إنقاذ اللغة إنقاذ الهوية

إنقاذ اللغة إنقاذ الهوية
هموم اللغة العربية في كتاب

مراجعة: ليلـي الراعــي هموم وأزمات عديدة تواجه اللغة العربية‏,‏ وتصاحبها معها هموم وأزمات أخري تكاد تعصف بالهوية العربية‏..‏ فكلتاهما‏:‏ اللغة والهوية متلازمتان ومشتركتان في صنع كياننا العربي الذي كاد يضيع ويغرق في خضم بحور‏(‏ التغريب‏)‏ و‏(‏العولمة‏)‏ و‏(‏تيارات اللإذابة والمحو‏)!‏
لماذا تبدو اللغة العربية جامدة ومعقدة وغير قادرة علي استيعاب مفردات ولغويات عصرنا الحديث؟
ولماذا تعاني من الازمات والمحن العديدة‏..‏ هل يعود السبب الي جمودها وعجز مفرداتها وتراكيبها وقواعدها النحوية والصرفية والبلاغية عن الاستجابة لمتطلبات الحياة العصرية الحديثة؟ أم أن المشكلة الحقيقية تكمن في جمود القائمين علي أمر تعليمها وتدريسها‏,‏ فهم يقدمونها ويعلمونها الي الأجيال الجديدة تماما مثلما كان يفعل اسلافهم القدماء منذ أكثر من ألف عام‏(!)‏
هذا هو الخيط الرئيسي الذي يلتقطه الدكتور احمد درويش في كتابه المركز‏(‏ انقاذ اللغة‏..‏ انقاذ الهوية‏)160‏ صفحة طبعة ثانية‏..‏ ومن أهم الحلول التي يطرحها الكاتب هنا لنهوض اللغة العربية من كبوتها هي الإغفال النسبي لكثير من القواعد الفرعية التي لم تعد تستخدمها العربية المعاصرة والتي تثقل مع ذلك كاهل الدارسين وتنفرهم من تعلم اللغة والاقبال عليها‏,‏ فضلا عن محاولة ايجاد او استحداث قواعد جديدة تتسم بالمرونة وإدارجها ضمن القواعد الحديثة المكتشفة في مناهج تعليم اللغة‏,‏ دون المساس بالقواعد الرئيسية الجوهرية‏.‏
ومن الاخطاء الشائعة التي كثيرا ما نقع فيها ونحن ندرس اللغة العربية هي اننا نقدمها ككتلة واحدة‏,‏ ذات مستوي واحد صلب وجامدا‏!‏ فالذي نقدمه للفلاح يماثل ما نقدمه للمحاسب والمهندس والطبيب والطالب إلخ‏..‏ وهذا بالطبع خطأ كبير‏..‏ يدعو الكاتب هنا كأحد الحلول المقترحة لحل أزمة العربية‏,‏ إلي فصل مستوياتها رأسيا وافقيا‏(‏ درجات ومستويات متعددةـ اختيار المادة اللغوية الملائمة لكل مستوي ـ رسم منهج متدرج يقدم القدر الكافي لكل مستوي ـ مراعاة الفروق بين الاحتياجات اللغوية للمتعلم العام والمتعلم المتخصص‏)‏
وعلي صعيد آخر يؤكد الكاتب أن اللغة العربية لغة متطورة وقادرة علي التجديد والدليل علي ذلك هذه اللغة العربية التي نستخدمها في الصحف ووسائل الاعلام المختلفة ونخاطب بها عامة المثقفين‏..!‏ إنها بالتأكيد لغة مختلفة عن تلك اللغة التي كان يتحدث بها ابن المقفع وعبدالحميد الكاتب والجاحظ في العصور الماضية وهي مختلفة كذلك عن لغة الجبرتي والطهطاوي والنديم والمنفلوطي والمويلحي في القرون القريبة الماضية‏...‏ إنها اذن متحركة ومتطورة وتتسع مفرداتها وتركيباتها واستخداماتها وتقبل كذلك من‏(‏ عصارات‏)‏ اللغات الأخري وربما من هنا تحديدا تصيبها الامراض والاعراض المختلفة‏.‏
ومن اهم الامراض التي نالت من اللغة العربية من جراء الاعتداءات المتكررة من قبل الثقافات واللغات الاجنبية الاخري هي فقدان هويتنا العربية وملامح ثقافاتنا تحت تأثير دعاوي‏(‏ العولمة‏)‏ و‏(‏التطوير‏)‏ ومسايرة مبدأ‏(‏ الحداثة‏)‏ والذي ولد معه فكرة‏(‏ القطيعة مع التراث‏)‏ وقطع الصلة بالماضي ورموزه البارزة وأولها الدين واللغة كشرط للانطلاق نحو آفاق حضارية متقدمة‏(!)‏
وبينما يسعي اليهود الي احياء اللغة العبرية الحديثة من اجل تجمع شتاتهم وبناء دولتهم‏.‏ وتجاهد الحركة الفرانكوفونية علي بقاء نفوذ الثقافة الفرنسية في العالم بعد انحلال امبراطوريتها السياسية‏,‏ نفرط نحن في لغتنا القومية وندير ظهورنا الي تراثنا وثقافتنا ومفرداتنا الشرقية العربية ونتطلع الي الثقافات الغربية والامريكية علي وجه التحديد باعتبارها من علامات التقدم الحضاري والفكري‏(!)‏
ان ارتباط اللغة بالهوية لهو ارتباط وثيق وقوي‏,‏ يحفزنا نحو مزيد من الاهتمام بلغتنا العربية والنهوض بها وعلاج مشكلاتها والتصدي للازمات العديدة التي تمر بها‏..‏ فبدونها لن نستطيع ابدا أن نقدم بطاقتنا للآخر‏..‏ ولن نتمكن كذلك من أن نجد لانفسنا مكانا في خضم حضارات العالم وثقافاته القوية المؤثرة التي تؤصل معها هويتها وتثري مفرداتها بكل السبل وكافة الطرق
صدر الكتاب عن نهضة مصر‏.‏
الأهرام ، 28/5/2008

١٢ جمادى الأولى ١٤٢٩ هـ

البحث العلمي بين التخطيط والتنفيذ؛ قراءة في خطة جامعة القاهرة الخمسية للبحث العلمي

البحث العلمي بين التخطيط والتنفيذ ؛
قراءة في خطة جامعة القاهرة الخمسية للبحث العلمي
أ. د. حشمت قاسم
كما هو الحال في أي نظام اجتماعي ، فإن الإدارة تعني بالنسبة للبحث العلمي الكثير ، فنحن ننظر إلى النشاط العلمي بوصفه نظاماً اجتماعياً ، يشكل الاتصال العلمي جوهره ، وتعمل الإدارة علي ترشيد مساراته ، ودعم مقوماته ، والارتفاع بمستوى عائداته. والتخطيط أحد مكونات العملية الإدارية كما نعلم ، ولمصر تاريخها الطويل وخبراتها الثرية في التخطيط للبحث العلمي. وفضلاً عن الخطة الوطنية الشاملة ، هناك الخطط الخاصة بالقطاعات التخصصية ، وتلك الخاصة بالمؤسسات الضالعة في البحث العلمي ، وفي مقدمتها الجامعات ومراكز البحوث . ويشكل البحث العلمي الذي يهدف إلى تنمية المعرفة البشرية الأساسية ، وذلك الذي يرمي إلي تطوير الأداء في قطاعات الإنتاج والخدمات ، إحدى الوظائف الثلاث التي تنهض بها الجامعات في مختلف المجتمعات . وفي مارس من العام 2006م ، أصدرت جامعة القاهرة خطتها الخمسية ( 2006 – 2011 م ) للبحث العلمي . وقد توفر علي إعداد هذه الخطة ، تحت إشراف الأستاذ الدكتور معتـز خورشيد، نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث ، لجنة مركزية وعدد من اللجان القطاعية . ولوثيقة هذه الخطة أهمية تؤهلها لاجتذاب اهتمام الأوساط العلمية والقطاعات الحريصة علي دعم البحث العلمي واستثمار نتائجه ، علي الصعيدين الوطني والعربي ، لأن قناعتنا التي لا تتزعزع هي أن الوطن العربي ليس مجتمعاً لغوياً واحداً فحسب ، وإنما مجتمع علمي ومجتمع معلوماتي واحد أيضاً . واحتفاء بهذه الوثيقة ، وحرصاً علي التعريف بها علي النحو الذي يكفل تحقيق أهدافها ، نحاول في هذه السطور إلقاء الضوء علي بعض جوانبها . ولما بيننا من ود متصل ، حرصت علي إطلاع الأستاذ الدكتور معتز خورشيد علي هذه الكلمة قبل نشرها ، وكان بيننا حوار مثمر ، إذ كان لسيادته بعض الملاحظات التي وضعت في الحسبان عند صياغة هذه الكلمة في شكلها النهائي .
تتكون وثيقة هذه الخطة من ستة مجلدات ، يشتمل أولها (( الإطار العام )) علي المبادئ والأسس والأساليب المنهجية التي روعيت في إعداد الخطة بكل مكوناتها ، وكذلك الرؤى والأهداف والمحاور البحثية التي تقوم عليها الخطة ، بينما تشتمل المجلدات الخمسة الأخرى علي خطط القطاعات التخصصية التالية :
*قطاع العلوم الأساسية .
*قطاع العلوم الطبية .
*قطاع العلوم الهندسية .
*قطاع العلوم الاجتماعية .
*قطاع العلوم الإنسانية والتربوية .
ولم يتسع الوقت لإصدار خطة قطاع العلوم البينية متعددة التخصصات ، واكتفى القائمون علي إعداد هذه الخطة بتسجيل ما يتصل بهذه العلوم في خطط القطاعات التخصصية الأخرى .
ويتكون كل مجلد من هذه المجلدات القطاعية الخمسة من جزءين ، أولهما ((المناخ البحثي والتخطيط الإستراتيجي))، والثاني ((الخطة البحثية للقطاع الأكاديمي)). والجزء الأول نمطي ، مكرر في جميع المجلدات الخمسة ، إذ يشتمل علي أربعة عناصر بالإضافة إلى ملحق ، إلا أنه يختلف في تفصيلات محتواه من قطاع إلى آخر. ويتناول العنصر الأول مناخ البحث العلمي في مجتمعنا المعاصر ، ويتناول الثاني دور الجامعات في البحث العلمي ، في حين يتناول العنصر الثالث الإطار العام لخطة جامعة القاهرة ، ويعالج مستويات الخطة ، ومحاورها ، ومنظومة الخدمات البحثية التي تقدمها الجامعة للمجتمع ، والقوى البحثية المتوافرة لتقديم مثل هذه الخدمات. أما العنصر الرابع الأخير في هذا الجزء الأول فيتناول الخطة القطاعية من حيث مبررات إعدادها ، ومسئولية الإعداد. أما ملحق هذا الجزء فيشتمل على الخطوات التنفيذية التي اتبعت في إعداد الخطط البحثية القطاعية. وتبدأ هذه الخطوات بحصر الهياكل العلمية للكليات والمعاهد والأقسام والتخصصات في كل قطاع من القطاعات الأكاديمية الخمسة ، يليها تحديد المجالات البحثية للخطة الخمسية في كل قطاع ، ثم صياغة الرؤية الموحدة للمجالات البحثية الرئيسية ، بناء علي المواءمة بين العرض والطلب ، وتحديد المجالات البحثية الفرعية بكل مجال بحثي رئيسي ، وتحديد المجالات البحثية الفرعية المشتركة بين كليات القطاع ومعاهده ، أي المجالات البينية متعددة التخصصات ، وإعداد مصفوفات الهياكل العلمية في مقابل المجالات البحثية ، ثم تصنيف الجهود البحثية الحالية في كل قطاع تمهيداً لتحديد الجهود المستهدفة في الخطة الخمسية ، والتحقق من الخصائص البنيوية للمجالات البحثية الرئيسية ، وذلك من حيث احتمالات التطبيق ، ومدى التوافق مع الخطة الوطنية، وتضافر الجهود بين الباحثين وبعضهم البعض ، وبين المؤسسات وقنوات النشر المحلي والعالمي والتحكيم في كل منهما ، والتمويل ومصادره ، وأحجام البحوث تبعاً لحجم التمويل. ولتأكيد الموقف التنافسي لجامعة القاهرة ، كانت الخطوة الأخيرة في السلسة هي التحقق من أوجه التميز في كل قطاع أكاديمي ، وتشتمل هذه الأوجه الخبرات العلمية للأساتذة والباحثين ، والمختبرات ، والتجهيزات ، والأطروحات ، ومشروعات البحوث ، فضلاً عن أوجه التميز الأخرى. وكما سنرى فإن هذا الجزء يكرر كثيراً من محتوى مجلد ((الإطار العام)) وكان من الممكن لدواعي الاقتصاد تجنب هذا التكرار ، ولكن يبدو أن القائمين علي إعداد الخطة قد حرصوا علي أن يكون كل مجلد قطاعي عملاً قائماً بذاته .
ويشتمل الجزء الثاني في كل مجلد من المجلدات القطاعية الخمسة ، كما أشرنا ، علي الخطة البحثية للقطاع ، ويتكون من تسعة عناصر فضلاً عن الملحق. ويحلل العنصر الأول الخطة البحثية الخمسية للقطاع ، ويبدأ بخلفية عامة عن القطاع ، وأهداف الخطة ، وفي مقدمة هذه الأهداف ربط البحث العلمي بأولويات المجتمع وتحدياته ، ثم محاور الخطة التي تشمل الهياكل العلمية ، والمجالات البحثية الرئيسة والفرعية ، ومصفوفات ربط الهياكل العلمية بالمجالات التخصصية ، والمقومات البشرية والمادية والتقنية المتاحة لجامعة القاهرة ، ومصادر تمويل البحوث ، ثم برامج التنفيذ وآلياته . أما العنصر الثاني فيحلل الهياكل العلمية للقطاع الأكاديمي من الكليات والمعاهد والأقسام والتخصصات. ويستعرض العنصر الثالث المجالات البحثية الرئيسة والفرعية مرتبة وفق أولويات. ويشتمل العنصر الرابع علي مصفوفات الهياكل العلمية في مقابل المجالات البحثية الفرعية ، أما العنصر الخامس فيحلل التركيبة البحثية الحالية والتركيبة البحثية المستهدفة للقطاع . ويحلل العنصر السادس الخصائص البنيوية للجهود البحثية في القطاع ، من حيث احتمالات التطبيق ، والتوافق مع الخطة الوطنية ، وتضافر الجهود ، والنشر، ومصادر التمويل. ويتناول العنصر السابع أوجه التميز الكمي والنوعي في القطاع ، ويعالج العنصر الثامن ما يسمى الفجوة البحثية في القطاع. ويقصد بالفجوة البحثية في هذا السياق ، الفرق بين الأداء البحثي وقت إعداد الخطة والأداء البحثي المستهدف في نهاية الخطة . ويشمل تقدير الفجوة البحثية المكونات الثلاثة للنظام ، وهي المدخلات ، والعمليات التي ينطوي عليها النشاط العلمي ، ومخرجات نظام البحث العلمي في القطاع . وقد استخدم في هذا التقدير أسلوب محاكاة السيناريوهات البديلة. ويحلل العنصر التاسع الأخير متطلبات تمويل الجهود البحثية للخطة الخمسية في القطاع وفق ثلاثة تتابعات للأحداث ( سيناريوهات ) ، وهي التتابع الاستمراري ، والتتابع الأكثر احتمالاً أو الأرجح ، والتتابع المتفائل، وذلك تبعاً للجهود البحثية من أطروحات الماجستير والدكتوراه ، وبحوث الترقي في وظائف أعضاء هيئة التدريس ، والمشروعات البحثية ، وكذلك أوجه الإنفاق ، وذلك في كل مجال من المجالات الفرعية . ويشتمل ملحق هذا الجزء علي النماذج المستخدمة في تجميع البيانات .
ومن الجدير بالذكر أن كل مجلد من هذه المجلدات القطاعية الخمسة يمكن أن يكون موضوعاً لدراسة تحليلية متعمقة ، تحاول التحقق من استقامة منهج التصنيف ، ومدى الاطراد في تطبيقه ، ومدى التجانس في الفئات التخصصية الرئيسية والفرعية ، وترتيب الأولويات ... إلى آخر ذلك من عناصر هذه الخطط القطاعية . ويمكن أن يتصدى لمثل هذه الدراسة باحث أو أكثر من المتخصصين في كل قطاع .
ومن جانبنا ينصب اهتمامنا في هذا السياق علي الإطار العام للخطة ، وينقسم مجلد ((الإطار العام)) للخطة ، الذي أعده الأستاذ الدكتور معتز خورشيد، إلى خمسة فصول وملحقين ، ويتناول الفصل الأول مناخ البحث العلمي في مجتمعنا المعاصر ، ويركز علي ثلاث قضايا هي البحث العلمي ومجتمع المعلومات ، والعولمة وتدويل النشاط البحثي ، والفجوة العلمية والتكنولوجية بين الدول المتقدمة والدول النامية. ويشتمل هذا الفصل علي بعض المؤشرات المقارنة الخاصة بالإنفاق علي النشاط العلمي ، وعدد العلماء والباحثين، ومقومات الاتصالات بعيدة المدى. ويتناول الفصل الثاني دور الجامعات في البحث العلمي ، والهيكل المؤسساتي للبحث العلمي ، والإطار التنظيمي في الجامعات المصرية ، والاتجاهات الحديثة للبحث العلمي في الجامعات . ويعالج الفصل الثالث الرؤية والأهداف وإستراتيجيات التطوير في التخطيط للبحث العلمي في الجامعات ، اعتماداً علي نتائج الوصف التحليلي للوضع الراهن من الناحيتين الكمية والكيفية . ويركز الجانب الكمي علي التمويل المحلي والأجنبي والمشترك لمشروعات البحث من عام 1974 م حتى عام 2000م ، في القطاع السلعي ، والقطاع الإنتاجي ، والقطاع الخدمي ، فضلاً عن البحوث الأساسية. أما البعد الكيفي أو النوعي فيركز علي تخطيط البحث العلمي ، واستثمار تقنيات المعلومات والاتصالات ، والمكتبات وخدمات المعلومات ، والأجهزة والمختبرات ، والتكامل بين المجالات التخصصية ، والحرية الأكاديمية ، ومناهج البحث ، ومعايير الجودة ، ومنافذ النشر ، ومدى الاستمرار في ممارسة البحث العلمي ، ومقومات تهيئة المناخ البحثي الملائم ، ومنظومة القيم العلمية ، والرؤية الإستراتيجية ، ورسالة البحث العلمي في جامعة القاهرة ، والأهداف الإستراتيجية للبحث العلمي ، والموارد البشرية ، والمقومات المادية ، والموارد المالية، والأطر المؤسساتية، والبنية المعلوماتية الأساس ، والإمكانات الإدارية والتنظيمية ، والاتجاهات العالمية في البحث العلمي ، والطلب على البحث العلمي على الصعيد الوطني والعالمي ، ومحاور الخطة البحثية الخمسية لجامعة القاهرة.
ويتناول الفصل الرابع الإطار المنهجي للخطة، ويشمل مستويات التخطيط للبحث العلمي، ومحاور خطة جامعة القاهرة، ومنظومة الخدمات البحثية ، ومراحل وخطوات وضع الخطة موضوع اهتمامنا . ويعالج الفصل الخامس المحاور السبعة لخطة جامعة القاهرة الخماسية، وهي "تدويل البحث العلمي" و"القضايا البحثية ذات البعد القومي" و"بحوث الرسائل العلمية" و "تطوير البنية المؤسسية للبحث العلمي" و"الإدارة المتكاملة للأجهزة العلمية والمختبرات" و"دعم شباب الباحثين"، و"تمويل البحوث العلمية وتسويقها". ويحتاج كل محور من هذه المحاور السبعة إلى وقفة، ونولي المحور الأول ، الخاص بتدويل البحث العلمي، قدراً من الاهتمام في هذا السياق، ونرجو أن تتاح الفرصة لبقية المحاور في أعمال لاحقة.
يذكرنا تدويل النشاط العلمي بمبدأ كانت له السيادة يوما ما، وهو أن " العلم لا وطن له ". ويعني هذا المبدأ أن المعرفة العلمية تراث إنساني مشترك، ينبغي أن يتاح للكافة بلا قيد ولا شرط . وربما يكون هذا المبدأ قد ظل صامداً حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، إذ تجلت أهمية العلم بكل جوانبه ومجالاته في غضون تلك الحرب ، كما أسهم بشكل ملحوظ في مجرياتها، على النحو الذي شجع على اتخاذ تدابير التكتم وفرض قيود السرية على نتائج بعض البحوث العلمية، وخصوصاً في المجالات التي تدعم القوة التنافسية للأطراف المتصارعة. واستمرت ممارسات التكتم والسرية هذه حتى بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وربما تكون قد ازدادت ترسخاً في حقبة الحرب الباردة، على النحو الذي أدى إلى اقتران سباق التسلح بسباق البحث العلمي بشكل لا فكاك منه.

ولما كان الأمر كذلك فإننا لا ينبغي أن نتوقف عند حدود مقولة " العلم لا وطن له"، ونستطرد للقول بأن للعالم وطن يشرف بالانتماء إليه، ولا يدخر وسعا في خدمة مصالح هذا الوطن؛ فلكل وطن تحدياته وأولوياته التي ينبغي أن تكون لها الصدارة في استخدام العلماء لأسلحتهم المنهجية. والبحث العلمي والنشر كما نعلم صنوان، فلا غنى لأحدهما عن الآخر. والنشر هو الكفيل بمشايعة المعرفة العلمية ، إلا أن هذا النشر يخضع الآن لمعايير الانتقائية المرتبطة بالعلاقات التنافسية ، ولكل مجتمع دواعيه ومعاييره في هذا الصدد. ويمكن القول أن تدابير الحظر والتكتم قد لا تشتمل سوى قطاع محدود من نتائج البحوث العلمية، كما أن هذا الحظر غالباً ما يكون مؤقتا وإن تفاوت مداه الموضوعي والزمني، كما أنه لا يمس طبيعة النشاط العلمي بوصفة نظاماً اجتماعياً؛ فعبر منافذ النشر على اختلاف أشكالها وتفاوت مستوياتها، يتواصل الباحثون على الصعيدين الوطني والدولي، إذ تتصافح المجتمعات العلمية الوطنية وتتضافر فيما بينها لتشكل النظام العالمي. وعادة ما يتحقق هذا التكامل التفاعلي ، في الظروف السوية على نحو تلقائي، عبر قنوات التواصل العلمي الرسمية وغير الرسمية ، الوثائقية وغير الوثائقية، بما في ذلك الجامعات الافتراضية، والمؤتمرات واللقاءات والمنتديات العلمية.
ويقصد بتدويل البحث العلمي في الخطة الخمسية لجامعة القاهرة "إضفاء البعد الدولي أو متعدد الثقافات على العملية التعليمية والبحثية، بهدف الارتقاء بجودتها وتحقيق أهدافها العلمية والأكاديمية". ويرى القائمون على إعداد هذه الخطة في إضفاء البعد الدولي توجهاً يسعى للانفتاح على ثقافات بحثية متعددة، بمشاركة الأقران في الجامعات ومراكز البحوث، في المشروعات البحثية الأساسية والتطبيقية. كما يرون إن هذا التوجه يختلف عن ظاهرة العولمة، لأنه يمثل استراتيجية يتعين على الجامعات أتباعها، وهو بذلك تدويل لا يهدف إلى الربح المادي بقدر ما يهدف إلى دعم أواصر التفاعل والتكامل.
وكنا نتمنى ألا تتضمن هذه الخطة مجرد إيحاء بارتباط التدويل بالتمويل الخارجي. فنحن على قناعة بأن إضفاء البعد الدولي لا يتحقق إلا بدعم القدرات الذاتية الوطنية، البشرية والمالية والتقنية، على النحو الذي يكفل الندية في التعامل الدولي. لماذا لا يكون الارتفاع بمستوى الأداء في البحث العلمي، والاقتراب بالبحث العلمي إلى حدود التمويل الذاتي من بين أهدافنا الإستراتيجية؟ تستند الخطة الخمسية لجامعة القاهرة ، في اتجاهها نحو تدويل البحث العلمي ، إلى ما أوصت به اليونسكو ، في مؤتمرها العام الذي عقد عام 1998 ، وليس من بين أبعاد التدويل فيما أشارت به اليونسكو ، ما يتصل بتمويل البحث العلمي ، في حين تشير وثيقة خطة جامعة القاهرة إلى مؤسسات التمويل الإقليمية و الدولية ، كما تقدم من البيانات الإحصائية ما يدل على ارتفاع نسبة التمويل الأجنبي للبحث العلمي من حوالي 36.6% في الأعوام من 1974 إلى 1980م ، إلى حوالي 60.6% في الأعوام من 2001 إلى 2005م. ويرجع القائمون على وضع هذه الخطة هذه الزيادة في نسبة التمويل الأجنبي إلى المشروعات البحثية المشتركة، والاتفاقات العلمية والثقافية التي أبرمتها جامعة القاهرة من جامعات مناظرة. كما تسجل هذه الوثيقة "أن الاستفادة من هذه الفرص التمويلية المتاحة تتطلب إعداد مقترحات بحثية معقدة وفق توجهات بحثية تحددها جهات التمويل" (ص 152 من مجلد "الإطار العام"). ترى ، هل يمكن لتلك التوجهات أن تتوافق دائما مع الأولويات والتحديات المصرية؟ ألا يدعو ذلك للمراجعة المنهجية لتداعيات التمويل الأجنبي وانعكاساته على النشاط العلمي في مصر ، وخصوصا فيما يتعلق بقيم هذا النشاط وأخلاقياته ، وسلوك الباحثين واتجاهاتهم ، وقدرتهم على المبادرة ، وارتباط الجهود العلمية بالأولويات المصرية؟ إن هناك شروطا ينبغي أن تتوافر في توجهات البحث العلمي لكي يحقق أهدافه في دعم مقومات التنمية الاجتماعية والاقتصادية . هل يمكن لهذه الشروط أن تتوافر في ظل طغيان التمويل الخارجي؟
وفضلا عما سبق ، يشتمل المجلد الخاص بالإطار العام لخطة جامعة القاهرة الخمسية للبحث العلمي ، على ملحقين ، يشتمل أولهما على استمارة تجميع بيانات تقييم الوضع الراهن للبحث العلمي في جامعة القاهرة ، بينما يشتمل الملحق الثاني على نتائج التحليل النوعي للنشاط العلمي بجامعة القاهرة في الوقت الراهن . ويشمل هذا التحليل إدارة النشاط العلمي وتنظيمه ، واستخدام تقنيات المعلومات والاتصالات ، والمكتبات وخدمات المعلومات ، والأجهزة العلمية والمستلزمات البحثية ، ومستويات التضافر وتكامل الجهود ، وحرية البحث ، ومناهج البحث ومعايير الجودة ، والنشر ، والاستمرارية في ممارسة النشاط العلمي ، وسبل تحسين المناخ العلمي ، والأهمية النسبية لمصادر المعلومات، ومدى توافر الخدمات المعاونة في غير أوقات العمل الرسمية. ولنا بعض الملاحظات على الأداء المنهجي في هذا الملحق ، تتعلق باتساع مدى تنوع القضايا والموضوعات ، وحجم العينات ، ومستوى التحليل وأساليبه . ففي كثير من قضايا هذا الملحق مجال لاستخدام أساليب قياسات النشاط العلمي Scientometrics بوجه عام ، والقياسات الورقية Bibliometrics على وجه الخصوص الأمر الذي يتطلب الاعتماد على عينات من حجم مناسب يكفل التحقيق من الفروق الدقيقة ، واستخلاص النتائج التي يمكن الاعتداد بها.
وختاماً ، نحن مع هذه الوثيقة إزاء خطة منهجية ، توافرت لها مقومات التميز ، واستغرق إعدادها الآلاف من ساعات العمل على اختلاف المستويات الموضوعية والتحريرية والفنية للفئات المشاركة . ونرجو أن تحظى هذه الوثيقة باهتمام الأوساط العلمية ، كما نرجو أن نرى أثرها على أرض الواقع في التنفيذ الفعلي. كما نرجو أيضا أن تستثمر الخبرات المكتسبة في وضع هذه الخطة وتنفيذها ، في الارتفاع بمستوى الأداء في التخطيط للبحث العلمي على الصعيدين الوطني والمؤسساتي والقطاعي، والله تعالى وراء القصد ، وهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل .

للاستشهاد المرجعي:
حشمت قاسم. البحث البحث العلمي بين التخطيط والتنفيذ ؛ قراءة في خطة جامعة القاهرة الخمسية للبحث العلمي. دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات. مج12، ع2 (مايو 2007). ص ص 7-15. متاحة على:
http://arab-librarians.blogspot.com/2008/05/blog-post_56.html

القراءة في الوطن العربي والعبث بالمنهج

القراءة في الوطن العربي والعبث بالمنهج
أ. د. حشمت قاسم


لنتائج دراسات القراءة و الإفادة من المعلومات أهميتها في مختلف حلقات نظام تدفق المعلومات، فضلاً عن ترشيد مسارات جهود تنمية مهارات المستفيدين في التعامل مع أوعية المعلومات ومرافق المعلومات. إلا أنه من الملاحظ أن مثل هذه الدراسات كثيراً ما تعاني قصوراً منهجياً يحول دون استخلاص نتائج عامة قابلة للتطبيق. وربما كان مرد ذلك إلى نظرة بعض الباحثين إلى هذه الدراسات بوصفها هدفاً في حد ذاتها ، وكذلك عدم استثمارالخبرات المنهجية للدراسات السابقة. وقد فاجأتنا إحدى مؤسسات بحوث التسويق العالمية، عشية الدورة التاسعة والثلاثين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب (23 يناير-4 فبراير2007) بتقرير المرحلة الأولى من دراسة للقراءة في الوطن العربي، ظهر بالإنجليزية بعنوان "ماذا يقرأ العرب؛ دراسة وصفية تحليلية للقراءة في الوطن العربي" (1). و تشمل هذه المرحلة الأولى من الدراسة خمس دول هي مصر، ولبنان، والسعودية ، وتونس، والمغرب. ويتكون هذا التقرير، الذي يشغل ثلاثمئة وستًا وعشرين صفحة من القطع الكبير، بالإضافة إلى تسع و ثلاثين صفحة في ترقيم مستقل، يشغلها الملحق, يتكون من خمسة عناصر، هي ملخص ما انتهت إليه الدراسة من نتائج، وبيان أهداف الدراسة، ووصف المنهج، والنتائج التفصيلية موزعة على الدول الخمس، والملحق المشتمل على الاستبانة وقائمة المراجعة المستخدمتين في تجميع البيانات.
وتهدف هذه الدراسة، في نظر المسئولين عنها، إلى ما يلي:
· التحقق من العادات القرائية للمتعلمين في الوطن العربي، واتجاهات هؤلاء المتعلمين نحو القراءة.
· الإحاطة بالوضع الراهن للقراءة في الوطن العربي، والتحقق من فئات القراء.
· الكشف عن الوسائط أو القنوات أو الأوعية المتوافرة، والمفضلة من جانب القراء.

ويبدأ عرض النتائج التفصيلية للدراسة الخاصة بكل دولة من الدول الخمس، بالنسبة المئوية للقراء في المجتمع، وينتهي بخلاصة، ويصنف النتائج في سبع فئات رئيسة على النحو التالي:
1. العادات القرائية ، وتشمل:
1/1 قنوات القراءة.
1/2 كثافة القراءة.
1/3 أماكن القراءة.
2. اتجاهات القراءة ، وتشمل:
2/1 دوافع القراءة.
2/2 مدى انتشار القراءة في مختلف الشرائح الاجتماعية والاقتصادية، والفئات النوعية والعمرية.
2/3 التوزيع اللغوي لما يُقرأ.
3. الفرص المتاحة للحصول على الكتب، وتشمل:
3/1 قنوات الإعلام والتوثيق.
3/2 قضايا الترويج والتسويق.
3/3 قضايا التسعير والقدرة الشرائية.
3/4 إعارة الكتب واستعارتها.
4. محتوى ما يُقرأ ، ويشمل:
4/1 الموضوعات.
4/2 المؤلفين.
5. قضايا اللغـة ، وتشمل:
5/1 اللغات المفضلة.
5/2 الترجمات.
6. اتجاهات القراء، وتشمل:
6/1 اتجاهات القراء نحو الكتاب.
6/2 اتجاهات القراء نحو القراءة.
6/3 اتجاهات غير القراء.
7. أسلوب حياة القراء ، وتشمل:
7/1 أنشطة شغل الوقت.
7/2 توزيع الوقت على الأنشطة خلال أسبوع العمل.
7/3 توزيع الوقت على الأنشطة في نهاية الأسبوع.
7/4 شغل وقت الفراغ.
7/5 أسلوب حياة غير القراء.

هذه هي القضايا والموضوعات التي حظيت بالاهتمام في هذه الدراسة. ومن الملاحظ الامتداد الأفقي الذي يحول دون التعمق في دراسة أي من هذه القضايا، في الوقت الذي ينبغي أن تجنح فيه مثل هذه الدراسات نحو التركيز على القضايا الدقيقة المحددة. وبصرف النظر عما انتهت إليه هذه الدراسة من نتائج، فإن لنا علي منهجها بعض الملاحظات ، تتعلق أولاها بالعينة ، وتتعلق الثانية بمستوى التحليل، وتتصل الثالثة بتوقيت إجراء الدراسة، في حين تتصل الرابعة الأخيرة بلغة الاستبانة.
أما فيما يتعلق بالعينة، فقد التزم المسئولون عن هذه الدراسة بحجم موحد للعينات في الدول الخمس، وهو ألف فرد فقط من كل دولة، علي الرغم من اختلاف الظروف السكانية لكل مجتمع من المجتمعات الخمسة. ولا نرى مبرراً لتوحيد حجم العينة. أضف إلى ذلك تميز الظواهر التي تتعامل معها هذه الدراسة بالدقة، الأمر الذي يستلزم الاعتماد علي عينات كبيرة نسبياً حتى تتضح معالم مثل هذه الظواهر والنتائج المتصلة بها. وفضلاً عن ذلك فإن مجتمع القراء عادة ما يتسم بالتنوع، وكثرة أسس تقسيمه إلى فئات، إذ لا يضارع تنوع فئات الكتب وأوعية المعلومات، من حيث أشكالها المادية، وأساليب التعبير، ومدى الأصالة في المحتوى، والفئات النوعية، والفئات الوظيفية، والتوزيع الجغرافي، والفئات اللغوية، والفئات الموضوعية ... إلى آخر ذلك من خصائص مجتمع أوعية المعلومات، لا يضارع ذلك إلا تنوع القراء، التي لا تقتصر علي العيش في المجتمعات الحضرية والمجتمعات الريفية، والنوع ، والطبقة الاجتماعية، والظروف الاقتصادية، والفئات العمرية، كما حدث في هذه الدراسة وإنما تشمل أيضاً المستويات القرائية، والتخصصات الموضوعية، والالتزامات الوظيفية ... إلى آخر ذلك من الأسس المحتملة لتقسيم مجتمع القراء إلى فئات لها انعكاسها علي الاتجاه نحو القراءة، ودوافع القراءة، والاهتمامات القرائية، ومدى كثافة القراءة ... إلى آخر ذلك من عوامل ومتغيرات. وبتوزيع عينة الدراسة الصغيرة هذه علي مختلف الفئات يصبح نصيب الفئة عدداً لا يذكر من المفردات، لا يكفل التمثيل المناسب للمجتمع، ولا يمكن أن يسفر بالتالي عن نتائج يعتد بها. ومن الملاحظ أيضاً أن هذه الدراسة لم تراعي تنوع الكتب وغيرها من أوعية المعلومات، ومن ثم تنوع فئات القراء ودوافعهم للقراءة. ولعل من أهم ما يميز الكتاب كسلعة، ومن منظور التسويق، كثافة التنوع في العرض، المرتبط وثيقاً بالتنوع في الطلب .
وقد انعكس صغر حجم العينات سلباً علي مستوى تحليل النتائج، إذ اقتصر التحليل على حساب النسب المئوية. والغريب في الأمر أن المسئولين عن الدراسة، علي الرغم من إدراكهم لهذا القصور المنهجي، لم يفعلوا شيئاً لتداركه أكثر من مجرد تسجيل ملاحظة في ذيل كل صفحة من صفحات التقرير، ربما كانت بمثابة اعتذار ضمني، مفادها أن النسب المئوية وإن كانت تعطي مؤشرات من البيانات المعتمدة في التحليل، فإنها لا قيمة لها نظراً لقلة عدد الاستجابات. ولم نجد بالطبع في هذا التقرير أبسط محاولات التحليل العاملي علي الرغم من أهميته في مثل هذه الدراسات .
وعلي الرغم من صدور تقرير الدراسة باللغة الإنجليزية، وهو أمر لا تفسير له عندي، صيغت الاستبانة، أداة البحث الرئيسية المكونة من مئة وثمانية أسئلة، بالإنجليزية أيضاً مصحوبة بما يقابل الأسئلة بلهجة عامية عربية. وهذه الاستبانة موجهة، نظرياً على الأقل، للقراء في جميع الدول العربية المزمع دراسة القراءة فيها، ولا ندري لماذا تجاهل المسئولون عن هذه الدراسة استخدام اللغة العربية الفصحى، التي تشكل نظرياً قاسماً مشتركاً بين جميع القراء في الوطن العربي. ولا ندري أيضاً أي اللهجات العامية العربية استخدمت في هذه الاستبانة التي جاءت ملحقاً لنتائج الدراسة في خمس دول عربية. وهل من المنتظر استخدام لهجات عامية عربية تناسب مختلف الدول العربية التي ستشملها الدراسة في المستقبل؟ وإذا كان المسئولون عن هذه الدراسة يرون في اللهجات العامية أنسب سبيل لمخاطبة القراء العرب، فلماذا لم يستخدموا أيضا إحدى اللهجات العامية الإنجليزية؟ أم أن الإنجليزية لا يمكن أن تمس لأن لها من يحميها، بينما تبدو العربية وقد هانت علي أهلها؟ أليس هذا هو العبث بعينة؟ ومن الجدير بالذكر أن كثيراً من الأخطاء اللغوية قد تسللت للنص الإنجليزي. وإن دل ذلك علي شيء ، فإنما يدل علي أن المسئولين عن هذه الدراسة لا يجيدون الإنجليزية، ويستهينون بالعربية، فما هي لغتهم يا ترى؟
ومن بين مظاهر تدني مستوى الأداء اللغوي في هذا العمل أن العربية العامية قد وردت في هذا التقرير "عربي عامي" وأن العربية الفصحى وردت "عربي فصحة" (ص 37 في الملحق) . أما عن الأخطاء في الإنجليزية فنكتفي الإشارة إلى عناوين أجزاء الاستبانة، ( ص3 ، و11 ، و19 ، و20 ، و24 ، و27 ، و31 ، و33 ) علي سبيل المثال لا الحصر. وإذا كان هذا هو مستوى الأداء اللغوي في دراسة للقراءة وتسويق الكتاب، فكيف يمكن أن يكون الأداء في دراسة لتسويق المسلي الصناعي ومساحيق الغسيل؟
ولتوقيت إجراء مثل هذه الدراسات أهميته بالنسبة لما يمكن أن تسفر عنه من نتائج، إذ ينبغي تجنب إجراءها في الأوقات التي يمكن أن تتأثر بالمناسبات والتقلبات الموسمية، ولم نجد في تقرير هذه الدراسة إشارة إلى الوقت الذي أجريت فيه، سوى ما ورد في رأس الصفحة الأولي من الاستبانة " الخامس من يوليو- مصر " . وهى إشارة غامضة لا تدل علي شيء.
وهناك الكثير مما يمكن أن يسجل علي هذه الدراسة من مآخذ تتصل بتطبيق المنهج . وبقدر إمعان النظر في تقرير المرحلة الأولى من هذه الدراسة يتكشف المزيد من مظاهر العبث بالمنهج، الأمر الذي يثير الشكوك في هذه الدراسة وجدواها، ومصداقية ما انتهت إليه من نتائج. ويمكن القول بأن تصنيف نتائج هذه الدراسة في الأقسام السبعة التي حرصنا على تسجيلها، إنما هو في واقع الأمر مجرد هيكل بلا مضمون، حيث لم تتخذ هذه الدراسة من المنهج سوى الشكل، كما بدا بعض ما انتهت إليه من نتائج وكأنه قد أعد سلفاً لتأكيد صورة نمطيه تقليدية للمجتمع الثقافي العربي.
وفي هذه الدراسة درس ولا شك، إذ تقدم نموذجاً واضحاً للعبث بالمنهج. إن دراسة تسويق الكتاب، كما نعلم، ينبغي أن تضع خصوصية الكتاب كسلعة في العرض، وخصوصية الطلب علي هذه السلعة، في الحسبان. كما ينبغي أن تلتزم مثل هذه الدراسة بقواعد المنهج وأصوله (2) حتى تدعم الثقة فيما يمكن أن تسفر عنه من نتائج، وتعزز احتمالات الإفادة من النتائج في رسم السياسات وتوجيه الإعراب عن مدى حرصها علي احترام قيم مجتمعها وثوابته .
الحواشي :
(1) What Arabs Read: a Pan – Arab Survey of readership : Phase one : Egypt, Lebanon, Saudi Arabia, Tunisia, Morocco. Synovate, n. p. , 2007 . 326 , 39p .

(2) وانج ، بيلنج . مناهج البحث وطرائقه في دراسة سلوك المستفيدين من المعلومات، ترجمة حشمت قاسم. دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات، مج11 ، ع1 ، يناير 2006م. ص ص 105– 191.

للاستشهاد المرجعي:
حشمت قاسم. القراءة في الوطن العربي والعبث بالمنهج. دراسات عربية في المكتبات وعلم المعلومات. مج12، ع1 (يناير 2007). ص ص 7-13. متاحة على:

http://arab-librarians.blogspot.com/2008/05/blog-post_17.html

١٠ جمادى الأولى ١٤٢٩ هـ

الدكتاتور "جوجل" يغيّر أساليب الكتابة العربية

الدكتاتور "جوجل" يغيّر أساليب الكتابة العربية
في آخر الأخبار ان شركة «غوغل» ترغب في وضع الإصدارات العربية على محركها البحثي، بل وستوفر صفحات من هذه الكتب، وهو أمر إن حدث، سيتسبب في انقلابات حقيقية في الأساليب الكتابية، وربما طرائق التفكير، إذ يعتقد ان محركات البحث وعلى رأسها «غوغل» قد أثرت في أساليب الكتابة العربية إلى حد كبير، لم يلتفت احد إلى دراسته، واستيعاب تحولاته، أما كيف اثرت محركات البحث في نصوصنا سلباً أو ايجاباً، فهو ما يحاول ان يجيب عنه هذا التحقيق.
http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=19&article=469869&issueno=10754
الشرق الأوسط ، 8/5/2008

نصائح لهواة التدوين الإلكتروني

نصائح لهواة التدوين الإلكتروني
المدونات اليومية هواية رائعة لها ضوابطها وأصولها مارك كيوبان صاحب «دالاس مافاريك» له ما يكفيه واكثر. فإلى جانب فريقه الخاص بكرة السلة فان هذا المليونير الاميركي المشغول دائما، يملك جزءا من شركة اعلام، ويعمل ايضا كرئيس لقناة تلفزيونية هي HDNet . وقد انجز أخيرا في خمسة اسابيع برنامج «الرقص مع النجوم» على شبكة «أي بي سي». ومع ذلك فقد وجد الوقت الكافي لكي تكون له مدونته اليومية. ومع ذلك فان موقعه lockmaverick.com هو واحد من افضل 1000 مدونة على الشبكة، استنادا الى محرك البحث «تيكنوراتي». ويقرأ آلاف الاشخاص ما يدونه كيوبان يوميا، فاذا كان هو قادرا على ذلك، فلماذا لا تستطيع ان تحذو حذوه؟ ويحذر كيوبان في رسالة بالبريد الالكتروني من استخدام التدوين الالكتروني كمهنة تدر مالا، على الرغم من انه وسائر اصحاب المدونات الشهيرة من اصحاب المهن اليومية يتفقون على ان غالبية الناس قادرة على استقطاب اتباع لهم على الشبكة. وسواء كان الهدف من المدونة هو قيام صاحبها بتحقيق قليل من الارباح، او التأثير في رأي الاخرين، او لاسباب اخرى، فان الهدف الرئيسي هو تجميع قراء عديدين.
* آراء وأموال : * وهذا ما يقوله عدد من اصحاب المدونات الناجحة مقارنة مع اصحاب المهن الناجحة الذين لا يملكون مدونات في ما يتعلق باسلوب الدخول الى عالم التدوين:
* لا تتوقع ان تصبح غنيا:
بمقدورك بسهولة ان تضع اعلانات مخدومة اوتوماتيكيا من «غوغل»، او «آد برايت» في مدونتك. وهي كسهولة الاشتراك مع وكالة لخدمة الاعلانات، مع وضع قصاصات من رمز HTML في مدونتك. والعديد من هذه الاعلانات ستتعلق بالمواضيع التي تقوم بوضعها على المدونة بحيث تقوم خدمة الاعلانات هذه بوضع مبلغ في حسابك، كلما قام احد القراء بالنقر على واحد من هذه الاعلانات. ولا تحصل على حوالة مالية الا اذا تجمع الحساب ووصل الى مبلغ 100 دولار في ما يتعلق بـ«غوغل» مثلا.
لكن فيليب كابلان رئيس قسم المنتجات في «آد برايت» ينبه الى ان مدونة واحدة من ست فقط تستطيع استقطاب 500 صفحة من الاراء يوميا. وعلى هذه الوتيرة فان المدخول الاقصى لن يتعدى الـ 45 دولارا شهريا، حتى ولو كان الموقع مليئا بإعلانات كاملة الصفحات. ويقدر كابلان ان 3 في المائة فقط من المواقع النشيطة تجني اكثر من الف دولار شهريا من الاعلانات. ويشكو تيد ديزيوبا احد اصحاب المدونات انه خلال ثلاثة اشهر ونصف الشهر لم يجن سوى 9.47 دولار من اعلاناته الاتوماتيكية التي انتزعها وازالها بعد ذلك من موقعه Uncov.com.
* اكتب ما تشاء ولكن برأيك:
وكان ديزيوبا مهندس البرمجيات في «بيرساي» Persai، وهي خدمة لترشيح اخبار الشبكة قد شرع يسجل بعض هذه الاحباطات بواسطة تطبيقات «ويب 2.0. واصبح موقعه يجذب الكثير من الشكاوى المشابهة، وبالتالي، ومن دون ان يقصد، زاد عملية التعريف بخدمة «بيرساي». وبعدها قام الآلاف من قراء موقعه Uncov.com بالتسجيل لاختبار خدمة «بيرساي». وفي نهاية الامر انتبه حتى المعلنون الى ذلك. «وما ان شرعت في تلقي 2000 الى 3000 صفحة من الاراء يوميا عاد المعلنون إلى» كما يقول. وفعلا شرع المعلنون يتصلون به مباشرة عارضين عليه 750 دولارا شهريا مقابل الاعلان الواحد. ويقول كيوبان «قم بتدوين ما تجيش به عاطفتك على موقعك، وليس ما تعتقد ان المشاهدين يرغبون فيه. اعرض ما تود ان تكتب عنه بحرارة.
* أصول التدوين
اكتب اثناء اوقات الفراغ: ينصح غلين رينولدز استاذ القانون في جامعة تينيسي الذي يقوم بالتدوين يوميا على موقعهinstapudndit.com بان تجري عملية التدوين اثناء اوقات او لحظات الفراغ في جدول عملك اليومي. وكان حجم الموقع ونظامه قد ساعدا في جعل موقعه الخاص بالآراء السياسية واحدا من اكثر المواقع شعبية على الانترنت.
* حافظ على وتيرة منتظمة في عمليات التدوين:
ان اصحاب المدونات يختلفون احيانا على عدد مرات التدوين. فبعضهم يدون مرات عديدة في اليوم الواحد، وبعضهم اسبوعيا فقط. وهنا ضرورة الحفاظ على وتيرة يعول عليها لخدمة القراء بحيث يمكنهم الاعتماد عليك في الحصول على مادة جديدة في غالب الاحيان. بيد ان اكثر المواقع نجاحا لها صيغها وانماطها المعول عليها جدا، تماما كغالبية الصحف المعروفة ذات المهنية الكبيرة.
* انضم الى منتدى المدونين:
هناك قوانين غير مدونة معمول بها، كضرورة العودة دائما، او الاعتراف بالاقتباس من المدونات الاصلية التي تنقل انت افكارها وتنشرها. ولا تقم باستخدام صور المدونات الاخرى، او فقرات حرفية من نصوصها من دون وصلة فعالة الى الاصل.
ان عمليات الوصل والربط بالمدونات الاخرى هي افضل وسيلة لجعلها هي الاخرى ترتبط بك ايضا بوصلات نقل. ومثل هذه العملية من شأنها زيادة عدد قرائك بأسلوبين: الاول ارسال المزيد من القراء من المواقع الاخرى اليك. والثاني زيادة مرتبتك على صعيد نتائج محركات البحث. فالمدونة التي تعرض للحياة السرية ليليوت سبيتزر مثلا والتي تفتقر الى وصلات ربط، ستخسر امام تلك التي لها عشرات الوصلات من المواقع الاخرى واليها.
* شبّك نفسك مع الآخرين:
من الافكار الجيدة هنا ارسال ملاحظة الى مدونة معروفة تشيد بها، او تلفت انتباهها الى تدوين او تعليق جيد كتبته، فقد تقوم هذه الاخيرة بوضع وصلة ربط الى مدونتك لتحيل بعض قرائها اليك. ومما يساعد ايضا نشر خبر غريب، أو ضع افلام فيديو منزلية طريفة على مدونتك تصور مثلا قطة صغيرة تهاجم شخصا، او ما شابه. كما ان السماح للقراء لكي ينشروا تعليقات على مدونتك لن تزيد عدد القراء فحسب بل تؤمن احساسا بالتفاعل ايضا مع بقية العالم شرط ألا تكون تلك التعليقات جارحة ومؤذية للآخرين. المشكلة هنا فقط هو ليس الفشل في تعلم فن التدوين فحسب، بل اذا ادمنت على التدوين بشكل منتظم، وشرعت في تلقي الكثير من التعليقات ووصلات الربط من المدونات الاخرى، فقد تقع في شرك عدم قدرتك على القيام بأعمالك اليومية العادية.

التراث الوثائقي في العصر الرقمي

التراث الوثائقي في العصر الرقمي يجب أن نبدأ باعتماد استراتيجية حقيقية لحفظ التراث الرقمي. لا يمكننا الاعتماد على عامل الحظ لتحقيق ذلك. على كل بلد أن يتمتع بمؤسسة مكلَّفة بتنسيق جهود حفظ الوثائق الرقمية على المستوى الوطني، مما يتيح تجنب التكرار في إنتاج المعلومات أو نسيانها. في الوقت ذاته، يجب اعتماد الانتقال الدوري للوثائق الرقمية من منصة إلكترونية إلى منصة أخرى. ففي جزء كبير من مراكز التوثيق والأرشيف، باتت تطبَّق هذه التقنية البسيطة بشكل تلقائي اليوم.
http://typo38.unesco.org/ar/cour-05-2007/cour-05-2007-1.html
التراث الوثائقي في العصر الرقمي: مقابلة مع عبد العزيز عبيد/ ياسمينة شوبوفا. رسالة اليونسكو. ع5 (2007).

مصـــــران

مصـــــران ظاهرة كاسحة تتبلور شواهدها أمام أعيننا‏..‏ لكني أشعر بأننا غير منتبهين لها بالقدر الكافي أو واعين لآثارها السلبية علي مستقبلنا‏.‏وتتلخص تلك الظاهرة في اتساع الهوة الثقافية والاجتماعية بين الطبقات الجديدة التي تحظي بالمال والإمكانات المادية من ناحية‏..‏ وجموع الشعب المصري المنغمس في الثقافة التقليدية الموروثة عبر القرون من ناحية أخري‏..‏ ويبدو الأمر اليوم أنه علي الرغم من وجود الجميع علي نفس الأرض وداخل نفس الحدود وحملهم نفس الجنسية واحتكاكهم ولو عن بعد في شوارع المدن المصرية‏..‏ إلا أن كلا من الفئتين تعيش في دنيا تختلف اختلافا جذريا عن التي تعيش فيه الأخري‏.‏ولم تعد القضية فقط هي اتساع الفوارق المادية بين الأغنياء والفقراء وإنما التباين الشاسع في السلوكيات والمثل والقيم والانتماء وأساليب التفكير والطموحات ومفاهيم الواجب تجاه الوطن والمجتمع‏.‏ حتي اللغة العربية التي من المفترض أن تكون القاسم المشترك بينهم لم تعد كذلك بالفعل‏.‏فقد أصبح أبناء الطبقات الجديدة‏,‏ خاصة من الشباب والنساء يتعالون علي اللغة العربية وتكاد ألسنتهم تعف عن استخدامها‏.‏ ففي بعض شرائح الطبقات الراقية الجديدة لم يعد من‏'‏ الشياكة‏'‏ استخدام العربية للتفاهم‏,‏ بل صار التحدث بلغة أجنبية دليلا علي أن المتحدث‏'‏ ابن ذوات‏'‏ ولا ينتمي للطبقات الكادحة‏.‏ويصيبني الغيظ الشديد عندما أسمع أما لا تتحدث مع أطفالها في الأماكن العامة إلا بالانجليزية أو الفرنسية وترفض أن ترد عليهم حين يتحدثون العربية‏.‏ وهؤلاء يلحقون أبناءهم بالمدارس الأجنبية التي لا تدرس فيها اللغة العربية أصلا فيتخرج الأبناء وهم عاجزون حتي عن قراءة الصحف‏.‏ولا يمكن أن يتهمني أحد بالتزمت أو برفض الانفتاح ونبذ تعلم اللغات الأجنبية‏.‏ بل إني أعتبر أن امتلاك هذه اللغات خاصة الانجليزية هو مفتاح من أهم مفاتيح النجاح في عالم اليوم والغد‏..‏ لكن امتلاك ناصية لغات أجنبية لا يعني علي الإطلاق احتقار اللغة القومية في أي بلد من البلاد‏.‏ فما بالك بمصر الناطقة بالعربية وهي لغة من أهم لغات العالم‏,‏ كما أنها لغة تراثنا وأدبنا وإبداعنا‏.‏ وأنا أول من ينادي بتطوير اللغة وتبسيط قواعدها المعقدة‏.‏ وقد لاقيت في سبيل ذلك حملات عاتية من الكثيرين‏.‏ لكني متمسك بلغتي وأعلم أنها تستطيع بعد التطوير أن تعود إلي ما كانت عليه من سحر ودقة وجاذبية‏.‏ولا تقتصر المشكلة علي اللغة وحدها بل تتعداها إلي عمق الثقافة‏.‏ فكثير من أبناء هذه الطبقات الجديدة يرفضون تلقائيا كل ما هو مصري وعربي‏,‏ ويعتبرون أنفسهم أرقي من المجتمع الذي يعيشون فيه وأنهم ينحدرون من جنس أعلي ولا ينتمون لمصر إلا جغرافيا فقط بحكم مولدهم علي أرضها بالصدفة المحضة‏.‏وقد ثار جدل كبير حول عصر الملكية‏,‏ ويؤكد البعض أنه كان أفضل العصور‏.‏ لكنه بغض النظر عن حجج الأطراف المختلفة فقد كان حكم الملكية هو حكم طبقة لا تنتمي ثقافيا لمصر‏.‏ كانت الأسرة المالكة لا تتحدث العربية فيما بينها إلا نادرا‏,‏ وكان فاروق هو أول حاكم من أسرة محمد علي يجيد العربية إجادة فعلية‏.‏ أما الباشوات والأعيان فكان معظمهم وخاصة زوجاتهم وأولادهم يعتبرون أنهم غرباء عن الشعب المصري وكانوا يتحدثون بالفرنسية أو الانجليزية أكثر من العربية‏.‏ وقد التقيت في باريس برجل من أصل شامي ولد في مصر وعاش فيها حياة رغيدة حتي الثلاثين ثم هاجر إلي فرنسا‏,‏ وفوجئت به يتحدث العربية بصعوبة وبلكنة أعجمية‏.‏ وعندما سألته كيف ذلك أجاب بابتسامة عريضة‏:'‏ في زمني أي في الثلاثينيات والأربعينيات لم نكن نتحدث بالعربية إلا مع الخدم‏'.‏فهل نتجه الآن إلي هذا الزمن الذي تعود فيه العربية لتكون لغة العامة والغوغاء‏,‏ وتكون لغة الصفوة هي الانجليزية والفرنسية؟ هل الحل هو أن نمسخ الهوية المصرية والعربية لكي تستجيب لطرقاتنا أبواب التقدم أنا شخصيا لا أعتقد ذلك وأتصور أن التقدم؟ لن يتأتي إلا من خلال الحفاظ علي لغتنا وتراثنا وحضارتنا بشرط الانفتاح علي الآخرين وأخذ أفضل ما عندهم‏.‏ووجود ثقافتين مختلفتين بينهما تناقض في العمق سيؤدي إلي إيجاد فجوة رهيبة بين أبناء الشعب المصري ويجعل التفاهم بين الطرفين شبه مستحيل بعد جيل أو جيلين‏,‏ وتتصاعد مشاعر التنافر والكراهية المتبادلة مما ينسف مبدأ السلام الاجتماعي وينذر بصدام بين الطرفين‏.‏ويتحتم علينا أن نسرع بتدارك هذه المحنة التي تطل برأسها المخيف كما فعلت دول أخري كثيرة‏.‏ فعندما زار لينين لندن في بداية القرن العشرين سألوه عند عودته كيف وجدت هذه المدينة قال‏:'‏ لم أر مدينة واحدة‏..‏ بل مدينتين‏'.‏ لكن بريطانيا استطاعت بسرعة أن تقرب المسافات الاقتصادية والثقافية بين طبقاتها‏.‏ونحن نسير اليوم في طريق شائك سيؤدي إلي حدوث انفصال تام بين طبقة عليا تتحدث اللغات الأجنبية وتتعامل مع الإنترنت من جانب‏..‏ وغالبية الشعب المنفصلة عن الحداثة من جانب آخر وكأنهما عالمان متوازيان لا يلتقيان أبدا‏..‏ أي كأنهما مصران‏.‏
شريف الشوباشي، الأهرام، 30/4/2008