مصر .. دولة على الـ " فيس بوك "
بعد 18 يوما هي عمر الثورة المصرية التي تفجرت في 25 يناير (كانون الثاني)، وانتهت بتخلي الرئيس المصري عن السلطة في 11 فبراير (شباط)، بدا الموقع الاجتماعي «فيس بوك» كمدفعية ثقيلة حطمت حصون واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط استقرارا، وهو ما أهل الموقع ليصبح نافذة يمكن من خلالها متابعة كيفية إدارة الدولة المصرية، التي أصبحت «دولة على الـ(فيس بوك)».
المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى السلطة في البلاد باغت الثوار وسبق شباب ائتلاف الثورة بإنشاء صفحة له على الموقع، وقد تعامل معها بجدية بالغة حتى أن قرار قبول المجلس استقالة رئيس حكومة تصريف الأعمال الفريق أحمد شفيق كان مصدره الأول الـ«فيس بوك».
محاولات شفيق لكسب تعاطف الشارع عبر الموقع لم تنجح، فالموقع الذي لعب الدور الأساسي في إشعال فتيل الثورة ليرسم خريطة جديدة لمصر، ما كان ليسمح باختراق من هذا النوع، وقد ظل مشهد قسم الفريق شفيق اليمين الدستورية أمام مبارك عقبة لا يمكن تجاوزها، خاصة أن ذاكرة الشبكة العنكبوتية شديدة الوطأة ولا تقبل المراوغة ومن الصعب جدا طمسها.
وبدا أن الـ«فيس بوك» أصبح صيادا ماهرا لأخطاء كل المسؤولين، مبرزا بوضوح زلات ألسنتهم، وناشرا لها على نطاق واسع، فصفحة مثل خالد سعيد وغيرها تمتلئ بالمئات من الفيديوهات التي تدين عصر مبارك وتبرز ممارسات قمعية للشرطة المصرية بحق مواطنين وهي ما كانت لتنتشر على هذا النحو دون وجود الـ«فيس بوك».
فالـ«فيس بوك» كان حاسما في إيضاح مواقف وآراء المسؤولين والمشاهير في الثورة المصرية عبر الفيديوهات التي تم تجميعها لآرائهم قبل وبعد الثورة، وهو ما نتج عنه ظهور ما سمي «القائمة السوداء» التي ضمت فنانين ومشاهير عارضوا الثورة أو انتقدوا شبابها.
وحسم الـ«فيس بوك» فجاجة موقف اللواء مجدي أبو قمر «مدير أمن البحيرة» حين وصف الشرطة بالأسياد ومتشفيا في المواطنين لغياب الأمن وهو ما أدى إلى إقالته بعد انتشار الفيديو. ما جعلنا أمام مشهد أصبح فيه الـ«فيس بوك» ليس فقط محركا للجماهير وحاشدا لهم بل أصبح متخطيا ذلك إلى حد التأثير على صانع القرار وانتزاع قرارات بقوة قبول استقالة حكومة أو إقالة وزير، وهو ما يمكن اعتباره بمثابة «جماعة ضغط» موازية.
وبالرغم من تسمية الحكومة التي شكلها أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق بالحكومة الذكية إلا أن ذلك لم ينعكس عمليا وجماهيريا حينها بنفس القدر الذي تشهده مصر حاليا، فمع سقوط نظام الرئيس المصري السابق يبدو أن نظاما جديدا ودولة وليدة بدأت تظهر على الـ«فيس بوك». بدأت بظهور المعارضة أولا متمثلة في صفحات مثل «كلنا خالد سعيد» - أنشئت على خلفية مقتل شاب سكندري على يد شرطيين بضاحية سيدي بشر بالإسكندرية – والتي يعزى إليها حشد الشباب على الـ«فيس بوك» ومن رحمها خرجت مجموعة ثورة الغضب العقل المدبر للثورة.
وتواصلت مع انطلاق ثورة 25 يناير بظهور مجموعات متابعة للأحداث أبرزها «شبكة رصد» التي قدمت تغطية وافية للأحداث بطول مصر وعرضها. وما تلاها من صفحات خاصة بمجلس الوزراء ووزارة الداخلية وائتلاف شباب الثورة.
وشكل إنشاء تلك الصفحات ظهور دولة شبه مكتملة الأركان على الـ«فيس بوك»، دولة من جيش وشرطة يمثلهما صفحات المجلس الأعلى للقوات المسلحة ووزارة الداخلية وإعلام يمثله «شبكة رصد» ومعارضة شكلتها صفحة خالد سعيد التي تجاوز عدد أعضائها 900 ألف ومجلس وزراء وإن كان لتسيير الأعمال وشرعية ثورية تمثلها صفحة ائتلاف شباب الثورة.
الطريف أن الدولة المصرية على الـ«فيس بوك» لا تعاني من أي قيود على حرية الرأي والتعبير، فالصفحات المختلفة سابقة الذكر تستقبل آلاف التعليقات متفاعلة مع كل بيان أو تصريح أو خبر. لكن السؤال الذي يلح على أغلب المصريين هو: هل يستمر وجود الدولة على الـ«فيس بوك»، وهل بعد استقرارها سيصبح ميدانا حرا يتبارى على صفحاته المرشحون سواء انتخابات الرئاسة أو البرلمان القادمتين؟!
الشرق الأوسط ، 5/3/2011
بعد 18 يوما هي عمر الثورة المصرية التي تفجرت في 25 يناير (كانون الثاني)، وانتهت بتخلي الرئيس المصري عن السلطة في 11 فبراير (شباط)، بدا الموقع الاجتماعي «فيس بوك» كمدفعية ثقيلة حطمت حصون واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط استقرارا، وهو ما أهل الموقع ليصبح نافذة يمكن من خلالها متابعة كيفية إدارة الدولة المصرية، التي أصبحت «دولة على الـ(فيس بوك)».
المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى السلطة في البلاد باغت الثوار وسبق شباب ائتلاف الثورة بإنشاء صفحة له على الموقع، وقد تعامل معها بجدية بالغة حتى أن قرار قبول المجلس استقالة رئيس حكومة تصريف الأعمال الفريق أحمد شفيق كان مصدره الأول الـ«فيس بوك».
محاولات شفيق لكسب تعاطف الشارع عبر الموقع لم تنجح، فالموقع الذي لعب الدور الأساسي في إشعال فتيل الثورة ليرسم خريطة جديدة لمصر، ما كان ليسمح باختراق من هذا النوع، وقد ظل مشهد قسم الفريق شفيق اليمين الدستورية أمام مبارك عقبة لا يمكن تجاوزها، خاصة أن ذاكرة الشبكة العنكبوتية شديدة الوطأة ولا تقبل المراوغة ومن الصعب جدا طمسها.
وبدا أن الـ«فيس بوك» أصبح صيادا ماهرا لأخطاء كل المسؤولين، مبرزا بوضوح زلات ألسنتهم، وناشرا لها على نطاق واسع، فصفحة مثل خالد سعيد وغيرها تمتلئ بالمئات من الفيديوهات التي تدين عصر مبارك وتبرز ممارسات قمعية للشرطة المصرية بحق مواطنين وهي ما كانت لتنتشر على هذا النحو دون وجود الـ«فيس بوك».
فالـ«فيس بوك» كان حاسما في إيضاح مواقف وآراء المسؤولين والمشاهير في الثورة المصرية عبر الفيديوهات التي تم تجميعها لآرائهم قبل وبعد الثورة، وهو ما نتج عنه ظهور ما سمي «القائمة السوداء» التي ضمت فنانين ومشاهير عارضوا الثورة أو انتقدوا شبابها.
وحسم الـ«فيس بوك» فجاجة موقف اللواء مجدي أبو قمر «مدير أمن البحيرة» حين وصف الشرطة بالأسياد ومتشفيا في المواطنين لغياب الأمن وهو ما أدى إلى إقالته بعد انتشار الفيديو. ما جعلنا أمام مشهد أصبح فيه الـ«فيس بوك» ليس فقط محركا للجماهير وحاشدا لهم بل أصبح متخطيا ذلك إلى حد التأثير على صانع القرار وانتزاع قرارات بقوة قبول استقالة حكومة أو إقالة وزير، وهو ما يمكن اعتباره بمثابة «جماعة ضغط» موازية.
وبالرغم من تسمية الحكومة التي شكلها أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق بالحكومة الذكية إلا أن ذلك لم ينعكس عمليا وجماهيريا حينها بنفس القدر الذي تشهده مصر حاليا، فمع سقوط نظام الرئيس المصري السابق يبدو أن نظاما جديدا ودولة وليدة بدأت تظهر على الـ«فيس بوك». بدأت بظهور المعارضة أولا متمثلة في صفحات مثل «كلنا خالد سعيد» - أنشئت على خلفية مقتل شاب سكندري على يد شرطيين بضاحية سيدي بشر بالإسكندرية – والتي يعزى إليها حشد الشباب على الـ«فيس بوك» ومن رحمها خرجت مجموعة ثورة الغضب العقل المدبر للثورة.
وتواصلت مع انطلاق ثورة 25 يناير بظهور مجموعات متابعة للأحداث أبرزها «شبكة رصد» التي قدمت تغطية وافية للأحداث بطول مصر وعرضها. وما تلاها من صفحات خاصة بمجلس الوزراء ووزارة الداخلية وائتلاف شباب الثورة.
وشكل إنشاء تلك الصفحات ظهور دولة شبه مكتملة الأركان على الـ«فيس بوك»، دولة من جيش وشرطة يمثلهما صفحات المجلس الأعلى للقوات المسلحة ووزارة الداخلية وإعلام يمثله «شبكة رصد» ومعارضة شكلتها صفحة خالد سعيد التي تجاوز عدد أعضائها 900 ألف ومجلس وزراء وإن كان لتسيير الأعمال وشرعية ثورية تمثلها صفحة ائتلاف شباب الثورة.
الطريف أن الدولة المصرية على الـ«فيس بوك» لا تعاني من أي قيود على حرية الرأي والتعبير، فالصفحات المختلفة سابقة الذكر تستقبل آلاف التعليقات متفاعلة مع كل بيان أو تصريح أو خبر. لكن السؤال الذي يلح على أغلب المصريين هو: هل يستمر وجود الدولة على الـ«فيس بوك»، وهل بعد استقرارها سيصبح ميدانا حرا يتبارى على صفحاته المرشحون سواء انتخابات الرئاسة أو البرلمان القادمتين؟!
الشرق الأوسط ، 5/3/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق