٢ يناير ٢٠١١

ثورة الجيل «ج» في العالم الرقمي

ثورة الجيل «ج» في العالم الرقمي
ولد ما يعرف بـ«الجيل ج» (Generation C) في تسعينات القرن الماضي، ونضج في بيئة مليئة بالتواصل الاجتماعي، سواء عبر الهواتف الجوالة، أو الكومبيوترات المحمولة، أو الأجهزة اللوحية، أو حتى كومبيوترات المدارس والجامعات والعمل.. دائمة الاتصال بالإنترنت، وشاهد العالم من منطلق تقني، وهو يعتمد على الإنترنت بشكل مطلق للتواصل مع غيره. ومع اقتراب تخرج هذا الجيل في الجامعات، يتوقع الخبراء أن يكون له أثر بالغ على شتى القطاعات، حيث إنه سيجمع ويستهلك المعلومات بطرق جديدة مبتكرة. ويرتبط اسم الجيل بكلمات اتصال بالإنترنت (Connect) والتواصل (Communicate) والتغيير (Change).
ويتميز هذا الجيل باتصاله الدائم بالإنترنت، ورغبته في التعاون مع الآخرين رقميا، وتعديل المحتوى الرقمي والمشاركة في تأليفه. وترتبط المكانة الاجتماعية لهذا الجيل بما يشارك به مع الآخرين، سواء كانت ملفات وسائط متعددة، أو نصوصا، أو حتى أفكارا وآراء، ويظهر هذا الأمر جليا في ولعه الكبير حاليا في تحميل عروض الفيديو على موقع «يوتيوب»، والمشاركة بالصور عبر شبكة «فيس بوك»، وتواصله الدائم عبر هواتف «بلاك بيري». وتزداد مكانة الفرد في هذا الوسط الرقمي كلما شارك أكثر بأشياء تعتبر ذات أهمية للمجتمع الرقمي الذي يعيش فيه. ويستطيع هذا الجيل حماية نفسه من الغرباء عن طريق حجبهم أو عدم الرد عليهم عبر الشبكات الاجتماعية والهواتف الجوالة، الأمر الذي يزيد من شعوره بالطمأنينة.
ودرست شركة «بوز آند كومباني» عادات وآثار هذا الجيل في الكثير من المجالات، وما يجب على شركات التقنية والاتصالات والتسويق تحضير نفسها بالشكل الصحيح للتواصل معه.

عادات وطباع جديدة
وسيكون لهذا الجيل أثر كبير بعد عمله لـ10 أعوام وإسهامه في تطوير أجهزة وتطبيقات جديدة، حيث سيؤثر ذلك في سلوكياته في الحياة، نظرا لأنه دائم الوجود على الإنترنت، ويسعى إلى الاشتراك في المواقع الاجتماعية الجديدة، وينتقي ما يناسبه من أخبار ومعلومات ووسائل ترفيه، ولا يكترث بخصوصيته الرقمية، مع ازدياد الفجوة الرقمية بينه وبين الجيل الذي يسبقه.
ويعتبر هذا الجيل الأكثر تأثيرا في العالم الرقمي، نظرا لأنه بحاجة إلى مشاركته الحياة مع الآخرين عبر المنصات الاجتماعية الإلكترونية المختلفة. ومع التوجه إلى عالم الجماعة، سينخفض القلق المتعلق بخصوصيته وأمن معلوماته، ذلك أنه يشارك الآخرين بها بموافقته الكاملة، ويرى أن منافع المشاركة أكبر بكثير من المخاطر المرتبطة بها، وستصبح آليات الحفاظ على أمن الأفراد ومعالجة معلوماتهم الشخصية أكثر تطورا وذكاء.
ولا يمكن اعتبار شخصية هذا الجيل واضحة، بل هي ذات أبعاد متعددة، إذ إنك ترى بعضهم يحب الهزل في شبكة ما، بينما يكون حازما جدا في موقع آخر، وقد يغير من تصرفاته بشكل كبير وفقا للبيئة الرقمية التي يمر فيها في تلك اللحظة. ولا يستهلك هذا الجيل الأفكار، بل سيشارك بها بشكل فعال، ويتعاون فيها بشكل جماعي.
ويتوقع أن يكون متوسط معدل معارف الفرد العادي في عام 2020 عبر الشبكات الاجتماعية بين 200 و300 فرد، يجب التواصل مع جزء كبير منهم بشكل يومي، ومشاركتهم المعلومات الخاصة. وسيزداد الحد الأعلى للمثقفين رقميا ولعدد الساعات التي يقضونها على الإنترنت، حيث يقدر حاليا عدد الساعات التي يقضيها على الإنترنت من تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكثر، ما بين ساعتين إلى ثلاث ساعات أسبوعيا، بينما سيصبح هذا الرقم 8 ساعات في عام 2020. وستزداد الفجوة الرقمية بين هذا الجيل و«الجيل ج» الذي يتنفس الهواء الرقمي ليبقى على قيد الحياة، حيث سينعزل «الجيل ج» في مجتمعات لن يفهمها كبار السن، وسيتحدثون بمصطلحات اجتماعية ورقمية وتقنية غريبة عن كبار السن الذين قضوا أكثر من 15 عاما على الإنترنت.
ويقدر أن يصل عدد مستخدمي الإنترنت في عام 2020 إلى أكثر من 4.7 مليار مستخدم، و6 مليارات مستخدم للأجهزة المحمولة، وسيكون من السهل تغيير ولاء هذا الجيل لشركات البرامج، نظرا لأنهم سيكونون قد جربوا الكثير من الخدمات المختلفة، وشكلوا علاقات تجارية متنوعة خلال هذه العملية، وسيكون ولاؤهم للشركات الجديدة التي تقدم خدمات بسيطة وإبداعية، مثل نظم دفع إلكترونية جديدة تعمل عبر أي جهاز متصل بالإنترنت، سواء كان هاتفا أو كومبيوترا أو تلفزيونا، أو حتى إطار صور رقميا متصلا بالإنترنت.
ومن الواضح اليوم أن نقاط التجميع التقليدية (مثل البوابات) قد أصبحت ظاهرة قديمة، ذلك أنه توجد برمجيات، يمكن تحميلها إلى جهاز المستخدم أو إضافتها إلى متصفحه، تقوم بعمل تلك البوابات، ولا يوجد سبب مقنع للمستخدم للذهاب إلى تلك البوابة إن كان في الإمكان إحضار محتواها (أو جزء من محتواها) إلى جهاز أو متصفح المستخدم. وستتوسع هذه الظاهرة لتشمل الكثير من الخدمات المقدمة حاليا، لتصبح الإنترنت لا مركزية، ويمكن تغيير خصائص الخدمات المرجوة وفقا لما يريده المستخدم عند الحاجة إليها، واللحاق بالحشد من خدمة مروج لها إلى أخرى.

تأثير على قطاع الأعمال
وبالنسبة لقطاع الأعمال في عام 2020، يتوقع انخفاض السفر الخاص بالأعمال لهذا الجيل نظرا لوجود بدائل تقنية تسمح بعقد المؤتمرات بالصورة من أي مكان، وازدياد هجرة العقول التقنية من الدول النامية إلى المتقدمة، وتأثير خلفياتهم وإبداعاتهم في ذلك، وظهور مستثمرين رقميين جدد في الدول المتقدمة، ودخول فئات جديدة من المجتمع إلى العالم الرقمي وما يرافق ذلك من ظهور نزعات استهلاكية جديدة.
وبدأت بعض الشركات بالفعل بتطبيق سياسة عدم تحديد عدد أيام إجازات لموظفيها، ذلك أن الموظف الذي يذهب في إجازة عادة ما يكون متصلا بالإنترنت ويرد على رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل أثناء إجازته، ولذلك يستطيع الذهاب في إجازة مدفوعة ومفتوحة، شرط أن يأخذ موافقة مديره المباشر. ويجب توفير خدمات جديدة لهذا الجيل من شأنها ربط جميع أجهزته المتصلة بالإنترنت بنظام دفعات مرن جدا يسمح له بإجراء التعاملات المالية الشخصية من أي مكان، وفي أي وقت، وعبر أي جهاز، ومن دون استخدام تقنيات معقدة.
وسيعمل أكثر من نصف موظفي الشركات الضخمة في مجموعات أعمال افتراضية في عام 2020، وذلك بسبب وجود اتصال دائم بالإنترنت طوال اليوم، وفي أي مكان، وازدياد أنواع الشبكات الاجتماعية وتخصصاتها والخدمات التي تقدمها. ويتوقع استمرار هجرة العقول التقنية غير الغربية إلى الدول المتقدمة تقنيا، وخصوصا في ظل سهولة التواصل مع المجتمعات الافتراضية المختلفة التي تسهل عليهم الالتحاق بفرق العمل العالمية. وسيجلبون معهم إبداعاتهم وأفكارهم الخلاقة وتصرفاتهم العملية إلى تلك البيئة العالمية، ليصبح فريق العمل فسيفساء اجتماعية، وليس بؤرة انصهار تذوب فيها عادات وطباع الأفراد.
وسيظهر في دول العالم الثالث رواد رقميون ماهرون ومبدعون، وبأعداد ضخمة، لديهم القدرة على تغيير نماذج عمل الشركات الغربية بسبب وجود جمهور كبير يتبعهم في الإنترنت. ويجب قراءة ما بين السطور في هذه الظاهرة، إذ إنه مع تطوير تقنيات الاتصال بالإنترنت في دول العالم الثالث، ستدخل شريحة جديدة إلى العالم الرقمي لم تتعرض إلى موجات التسويق والاستهلاكية، وخصوصا خارج المدن الكبيرة.
وستقفز هذه الشريحة فوق سنوات كثيرة من التصرفات الاجتماعية الإلكترونية المكتسبة، وتحاكي تصرفات «الجيل ج» بشكل مطلق، إذ إنه النموذج الأكثر شيوعا من حولها، وهو الذي سيجيب عن أسئلتها في مواقع الإنترنت المختلفة. إلى ذلك، سيواجه قطاعا التقنيات والاتصالات تحديات كثيرة، مثل الانقسام في البنية التحتية والتطبيقات، وعلاقات المستخدمين، والإنترنت اللامركزية. ونظرا إلى سهولة تغيير ولاء المستخدمين لشركات التقنية والاتصالات وفقا لأنماط الاستهلاك الذي يحتاجون إليه، فلن يكون من الصعب عليهم تغيير مزود خدمة الإنترنت، أو موقع خدمات ما، أو حتى شركات صناعة البرامج الكبيرة، إن احتاجوا إلى مزايا غير موجودة لدى تلك الشركات. وتظهر بوادر هذا الأمر حاليا عند النظر إلى كيفية فصل النزعات التقنية لقطاع الاتصالات بين البنية التحتية من جهة، والخدمات والتطبيقات المقدمة من جهة ثانية. وتقع اليوم شركات تزويد الإنترنت المرتبطة بالخدمات بشكل كبير تحت ضغط هائل، الأمر الذي سيجعل قطاع الاتصالات يتحور إلى فئتين من الشركات؛ الأولى هي تلك التي تقدم الاتصالات عالية السرعة أو الاتصالات اللاسلكية فقط، والثانية هي الشركات التي تقدم تطبيقات إبداعية للمستخدمين عبر الإنترنت.
وستضمحل خدمات الاتصالات الصوتية التقليدية مع هيمنة الاتصال عبر الإنترنت وانخفاض تكلفتها، لتصبح خدمة الاتصال الصوتي التقليدي مجرد خدمة إضافية لعروض شركات الإنترنت تستخدم عند وجود ضغط كبير على شبكة الإنترنت، أو تخصص للمناطق النائية. ومن المتوقع أن تتأثر قطاعات كثيرة بالرغبة الملحة لـ«الجيل ج» بمشاركة ما يعرفه مع الآخرين وإلغاء الفروقات، بعيدا عن الإنترنت، مثل قطاعات الصحة والسفر والتجزئة. وسيستطيع المستخدم البحث ومعاينة خدمات المستشفيات والأطباء قبل اتخاذ قرار يتعلق بصحته، وخصوصا مع مشاركة مستخدمين آخرين لتجاربهم في ذلك المستشفى أو مع ذلك الطبيب، وذكر تفاصيل الخدمة وتكلفتها والعلاج الذي تلقوه.
وستظهر بعد ذلك خدمات متخصصة في تجميع وترتيب هذه المعلومات، وحشد الناس فيها، بالإضافة إلى بدء دخول قطاع الصحة إلى عالم الإنترنت بشكل أو بآخر، مثل تقديم النصائح والتشخيص الإلكتروني ومراقبة حالة المريض الصحية عن بعد، وإجراء الأبحاث عبر الشبكات الاجتماعية الصحية. وتجدر الإشارة إلى أنه ليس ببعيد ظهور نماذج تأمين صحي جديدة تتمحور في ما سبق ذكره، وخدمات متخصصة في ربط ملفات المرضى بهوياتهم الإلكترونية في الإنترنت.
إلى ذلك، سينخفض عدد رحلات العمل التي يقوم بها أفراد ذلك الجيل، نظرا إلى تطور خدمات وتقنيات التواصل والتفاعل والتعاون، ويتوقع أن تصبح اللقاءات الشخصية بين أفراد الفرق المتباعدة حصرية للإدارة العليا.
أما بالنسبة لقطاع التجزئة، فسيصبح بإمكانه عرض منتجاته للمستخدمين بشكل أفضل بفضل وجود إنترنت عالي السرعة في مختلف المناطق وبتكلفة معقولة، وسيصبح تقييم المستخدمين للمنتجات أمرا في غاية الأهمية بالنسبة للمستخدمين المحتملين، وستطرح أدوات وشبكات اجتماعية جديدة تسمح للمستخدم قراءة تقييمات غيره أو تقييم المنتج بنفسه، وستنجم عن ذلك نماذج عمل وتسويق جديدة.

تسويق اجتماعي
ولا يجب اعتبار هذا الجيل عبارة عن شريحة استهلاكية جديدة يجب على الشركات المعلنة استهدافها، بل هو شعب رقمي يفضل التحالف معه. وإن أرادت الشركات تسويق منتج ما لهذه الشريحة، يجب إيجاد ما يرضيها: المكانة الاجتماعية المرجوة. ويمكن تشبيه تصرفات هذا الجيل بالقبلية، إذ إنهم يشكلون هوياتهم بالانتماء إلى «قبيلة» ما والتعبير عن رغباتهم وآرائهم فيها، الأمر الذي يفسر حاجتهم إلى الاتصال الدائم بالإنترنت والتواصل مع الآخرين، إذ إنهم يعتبرون هذا الأمر ضرورة حتمية للمحافظة على وتطوير مكانتهم الاجتماعية بين نظرائهم، لا مجرد وسيلة للترفيه، كما يعتبره من هم أكبر من هذا الجيل. ويجب على الشركات الدخول في النقاشات التي تدور بين سكان هذا المجتمع الرقمي إن أرادوا التأثير عليهم، ليس بشكل إعلاني بحت، بل عن طريق تبني مبادئهم وتسهيل تواصلهم وتنظيم مناسبات رقمية مرتبطة بدوافع هذا الجيل، وبين القبائل الكثيرة، أو ربط بعض القبائل المتشابهة ببعض.
وستكون مشاركات الجيل في الإنترنت عبارة عن آراء حول منتج ما، أو موافقة جماعية على تبنيه أو رفضه، وسيرتبط قرار الأفراد الجدد بدرجة قبولهم في هذا المجتمع، وبالتالي فإن هذه الآراء الجماعية ستؤثر بنسبة تقدر بـ85% على قرار الفرد، أكثر من الإعلان المباشر أو سعر المنتج، أو حتى فائدته المباشرة لهم. ومن الممكن اعتبار تقييم ذلك المجتمع الرقمي لمنتج ما رياضة جماعية يمارسها الجميع بشكل يومي (يقدر عدد الساعات التي يقضيها مراهقو اليوم على الإنترنت بنحو 13 ساعة، تصرف في قراءة وكتابة المحتوى بشتى أنواعه)، ويجب على المعلن الناجح التحدث مع المجموعة، لا الفرد.
وإن أرادت القطاعات المختلفة التفوق على غيرها، فيجب عليها البدء بتجهيز نفسها وتغيير منهجياتها الحالية للتوافق مع عادات ونمط الجيل المقبل. وستظهر فرص عمل جديدة بالنسبة لقطاع التقنيات والاتصالات لتطوير البنية التحتية والتطبيقات المقبلة بشكل أفضل، ولاحتضان التغيير الاجتماعي والتقني والتصرفي المقبل. ولو كان الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت من الجيل المذكور، لعدل مقولته الشهيرة لتصبح: «أنا أشارك.. إذن أنا موجود»!
خلدون غسان سعيد، الشرق الأوسط ، 1/12/2010

ليست هناك تعليقات: