٢٨ يناير ٢٠١١

كي تحيا مصر

كي تحيا مصر

النكات الشائعة في مصر هذه الأيام تدور كلها حول المقارنة بين انتفاضتها الحالية وبين ثورة تونس، وتسأل عن موعد سفر الرئيس حسني مبارك الى السعودية لأداء فريضة الحج التي يؤديها حالياً الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وعن السباق الذي دخله الشعب المصري للحاق بشقيقه التونسي، وعن الأهداف التي ستسجل في المباراة النهائية بينهما...

لكن الشارع المصري، الذي يحتله الآن الجيل الشاب غير الحزبي والذي اكتسب معرفته وتجربته السياسية من الإنترنت لا من الكتب الايديولوجية ولا حتى من الممارسة اليومية، ينادي بالتغيير الذي طال انتظاره، لكنه يطلبه بالتحديد من مبارك قبل أن يسافر الى أرض الرجاء او يرحل الى دار الفناء.. وكذا يفعل الجميع خارج مصر ويلحون على الرئيس أن يقدم على الخطوة المرتقبة قبل فوات الأوان، وقبل ان تتحول المنافسة مع تونس الى ما لا تحمد عقباه لا في الدنيا ولا في الآخرة.

التغيير بدأ في مصر، وهو كالعادة حدث تاريخي، عربي وإسلامي ودولي أيضاً، يحدد معالم منطقة شاسعة مسكونة بالفراغ ومهجوسة بالفوضى، تدور حول فلكها المصري ومحور وعيها وثقافتها وهويتها، وتترقب الخبر اليقين بأن الجنازة الرئاسية المستمرة منذ اعوام قد انتهت وأزيلت أعلام الحداد، وأطل فجر جديد على العرب والمسلمين يرد على أسئلة بديهية حول العروبة والوطنية والإسلام والفتنة وإسرائيل والغرب، لم يجد أجوبتها احد لا في المشرق ولا في المغرب سوى بالحرب الأهلية.

التغيير في مصر سبق تونس، والأدق أن التوانسة استلهموا التجربة المصرية لا العكس. منذ سنوات عديدة ضاعت هيبة الحاكم في القاهرة، ومعها هيبة حكام عرب كثيرين بينهم بن علي. ومنذ سنوات أيضاً اخترق الإعلام الالكتروني المصري حواجز الصمت والرقابة، وتحول المدونون المصريون الى ظاهرة عالمية، وإلى نموذج عربي وإسلامي متقدم. ومنذ سنوات كذلك، هتفت مصر ضد التوريث فاهتزت شرعيات عربية عديدة، وصارت الخلافة مثار جدل حتى في الأنظمة البطريركية.

الشارع المصري يقطف، او هو يحاول أن يقطف، هذه الأيام ثمار ما زرعه في تلك السنوات القليلة الماضية، وهي ثمار لم تنضج تماماً، لكنها تدب الرعب في المؤسسة الحاكمة السياسية والأمنية والاقتصادية، وتدفعها الى السؤال عما اذا كان عليها ان تستعد للرحيل من الآن الى جدة، أم أن الوقت ما زال متاحاً لبعض البطش الذي يؤجل التغيير ولا يلغيه.. لأنه محكوم بموعد حتمي مع الموت الوشيك، الذي ينفي فكرة التجديد في معركة الرئاسة المقررة في خريف هذا العام، ويعيد فكرة التوريث إلى أصلها الهزلي المشين.

الشارع المصري يصرخ بصوت عال، إن الوقت داهم وكذا الخطر، الذي لا يحتمل المقارنة مع تونس، وهو يترقب من مبارك بالذات، ولا أحد سواه أن يستجيب للنداء العاجل، ويضمن عملية انتقال سلمي هادئ للسلطة، لا أن يرتكب المزيد من الأخطاء التي تضعه على سلم أول طائرة متجهة الى السعودية، مخلفاً وراءه حريقاً هائلاً، لا يعفيه من المحاسبة حتى ولو ظل يمضي أيامه الأخيرة بالطواف حول الكعبة.

موقع قناة العربية، 28/1/2011

ليست هناك تعليقات: