بقلم: د. حنان الشاعر
مدرس تكنولوجيا التعليم ـ جامعة عين شمس
مع ما يقدمه الإنترنت من فرص للتعلم, مازال الكثيرون يعتبرونه من أخطر ما أثمرته التكنولوجيا حتى الآن, وتتضح خطورته من طبيعته التي يمكن وصفها بأنها حرة بلا قيود فلا قيود علي استخدامه, ولاقيود علي مستخدميه, فبينما نجد بين مستخدميه من الطلاب من يسعي إلي الحصول علي معلومة تفيده في تعلم درس ما, نجد زميله يرسل بريدا إلكترونيا محملا بالفيروسات للآخرين, أو ينسخ إحدى البرمجيات ويوزعها علي أصدقائه, أو يضيع وقته في غرف الدردشة, التي تتراجع فيها الأخلاقيات أحيانا, وتكون مجالا لكل ما هو سلبي. فما دور الآباء, والمدرسة, والهيئات المسئولة في تنظيم استخدام الطلاب للتكنولوجيا, النافعة أحيانا, والضارة أحيانا أخري؟
سؤال وعى خطورته العديد من الجهات العالمية والمحلية, بعد أن أظهر تقرير حديث أن نسبة مستخدمي الإنترنت من الطلاب في المنازل بلغت90% في بعض البلدان في عام 2005, وبعد أن ظهرت أنماط جديدة من الجرائم المرتبطة بالإنترنت, مثل القرصنة, وهي تعمد استخدام معلومات وأفكار وبرمجيات الآخرين دون تصريح, والسطو وهو التسلل إلي معلومات وبيانات خاصة بالغير واستخدامها في الإضرار بهم, وسرقة الهوية وهي انتحال شخصيات حقيقية أو مزيفة والتعامل بها, والتي أدت إلي سرقة أكثر من33 بليون دولار من البنوك في السنوات القليلة الماضية.
ومما يدعو إلي القلق أن كثيرا من مرتكبي جرائم الإنترنت من الطلاب, وبعض هؤلاء لا يكونون علي دراية بخطورة ما يفعله. وقد كشف استطلاع رأي لبعض الطلاب من مستخدمي التكنولوجيا عن العديد من المفاهيم الخاطئة لديهم, مثل أن نسخ البرمجيات وتوزيعها علي الأصدقاء هو من قبيل المساعدة, والمشاركة, وأن اقتباس أفكار الغير ليس بجريمة, ولا ينتج عنه ضرر لهم, وإن كان هناك ضرر, فإنه يقع علي شخص مجهول.
وقد شرعت بعض البلدان في استصدار القوانين لتنظيم التعامل علي الإنترنت, وتوقيع العقوبات علي المخالفين, فظهر قانون حماية الأطفال مستخدمي الإنترنت عام2002, والقانون الفيدرالي للملكية الرقمية, وقام الكثير من المدارس بتدريس مادة سلامة استخدام الإنترنت لطلابها, واهتمت بعض المؤسسات التعليمية بتوزيع الكتيبات والمطبوعات عن مهارات التعامل مع التكنولوجيا, وتضمنت هذه المطبوعات دليل المعلم في كيفية تدريب الطلاب وتوعيتهم بالاستخدام الآمن للتكنولوجيا. وفي الولايات المتحدة تمت إضافة بعض المعايير الدراسية التي تنص علي تنمية وعي الطلاب بالاستخدام الأمثل للتكنولوجيا, وإحداث التوازن بين فرض الحماية وإجراءات المراقبة, وبين حرية الطالب في الحصول علي المعلومات, كما ظهر حديثا مايعرف بـ النتيكيت, وهو اختصار كلمتي
NET-ETIQUETTE
وهو ميثاق يحدد قواعد التعامل بين مستخدمي التكنولوجيا, ويهدف النتيكيت إلي ترسيخ أخلاقيات خاصة بمستخدمي التكنولوجيا, ويشمل شقين: الأول: كيف تتعامل بشكل لائق مع الآخرين؟ والثاني: كيف تحمي نفسك من المخاطر ؟
ويهتم النتيكيت بالمواقف التي يتم فيها تعامل المستخدم مع غيره, أو قيامه بأفعال قد ينتج عنها الإضرار بغيره, فيؤكد بعض المبادئ المهمة التي يبنغي توعية الطلاب بها, مثل حق الملكية ويقصد به وجوب نسبة الأفكار والمعلومات إلي أصحابها, وعدم استخدام المعلومات والصور واقتباس الأفكار ونسبتها إلي غير أصحابها, وخصوصية المعلومات ويقصد بها عدم استغلال التكنولوجيا في التسلل إلي بيانات الآخرين, والحصول علي معلومات بقصد الاضرار كالتشهير أو الابتزاز, وترخيص البرمجيات ويقصد به التوعية بأنواع البرمجيات وقواعد استخدامها, مثل البرامج المجانية, والبرامج متاحة المصدر, وبدأت بعض المؤسسات التعليمية في تدريس النتيكيت للطلاب, وتدريب المعلمين علي تطبيق قواعده, والتي منها:
ـ لا تسئ استخدام إمكاناتك ومهاراتك, بل أحسن استغلالها بما يفيدك ويفيد الآخرين.
ـ تصفح الموقع الإلكتروني بعناية, ولا تثق بكل ما تجده من معلومات.
ـ عامل الآخرين كما تحب أن تعامل, حتى ولو لم تكن تعرفهم ولا يرونك.
وهناك العديد من الإجراءات التي يمكن للمؤسسات التعليمية اتباعها في توعية الطلاب بـالنتيكيت, ومنها:
ـ تشجيع الطلاب علي استخدام المواقع الآمنة, كالمواقع التعليمية, والحكومية, والتابعة لهيئات أو منظمات حكومية موثوق بها, ويمكن تمييز هذه المواقع من عنوان الموقع والذي غالبا ما يتضمن
.ORG. EDU. GOV
والحذر في استخدام المواقع ذات الصبغة التجارية, أو التي تتبع أفرادا, والتي تتضمن أحيانا
NET.COM.
ـ إذا تم تكليف الطالب من قبل المعلم بزيارة مواقع معينة للحصول علي معلومات ترتبط بمادة دراسية ما, علي المعلم زيارة هذه المواقع مسبقا والتأكد من مصداقيتها, وجودة المعلومات الموجودة بها.
ـ الإعلان عن الجهات المسئولة عن ضبط السلوكيات الخاطئة, ليلجأ إليها الطالب والمعلم عند الضرورة.
ـ تنبيه الطلاب إلي خطورة التواصل مع الغرباء, أو التورط في علاقات مع الآخرين علي الإنترنت أو إعطائهم معلومات شخصية.
ـ توعية الطلاب بخطورة اقتباس أعمال الآخرين, وأفكارهم واستخدامها في إنجاز المهام الدراسية دون نسبتها لأصحابها.
ـ استخدام بعض البرمجيات التي تفرض رقابة علي استخدام الطلاب للإنترنت, والتي تقوم بتنقية المعلومات والمواقع التي تعرض للطلاب.
ـ قيام كل مؤسسة تعليمية بتحديد سياستها التي تحدد المسموح, وتصف السلوكيات غير المرغوب فيها في تعامل الطلاب مع التكنولوجيا, ويتم إعلانها لجميع الطلاب.
ـ إشراك الطلاب في وضع سياسة الاستخدام الآمن للتكنولوجيا في المدرسة, ووضع العقوبات للسلوك الخاطئ, والحوافز للسلوك الإيجابي.
ـ توعية الآباء بالمخاطر التي يمكن أن تواجه أبناءهم علي الإنترنت, وكيفية تجنبها.
ـ استثمار وجود الطلاب علي الإنترنت في توجيههم إلي المواقع التي يمكن الاستفادة منها في تعلم المواد الدراسية وتكليفهم بالمهام التي تتطلب ذلك.
إن السعي لاستغلال إمكانات التكنولوجيا في توفير فرص تعليمية أفضل للطلاب, لا يرتبط فقط بزيادة استخدامهم لها, بل أيضا بتنظيم هذا الاستخدام, وكما يسعي الآباء إلي غرس القيم والأخلاقيات بأبنائهم, وتسعي المدرسة إلي تأكيدها والحفاظ عليها, لتحقيق التعايش داخل المجتمع, أصبح هناك مجتمع آخر, ينبغي أن نعد أبناءنا للتعايش فيه, ليس له وجود ملموس, ويتعامل فيه الأفراد من خلال لوحة المفاتيح, مع آخرين لايعرفون هويتهم, بل كل ما يعرفونه عنهم هو حروف تظهر علي شاشة الكمبيوتر, قد تصدق, وقد لا تصدق, وبين هذا وذاك خيط رفيع, قد لا يراه أبناؤنا, أو يرونه, وقد يتبعه البعض ليصل إلي النافع والجديد, بينما يتعثر فيه الآخر فيضل طريقه, ولا يجد غايته.
الأهرام ، 20/2/2008
ملاحظة: ظهرت هذه المقالة في الأصل بعنوان: الإنترنت والحماية من مخاطر التكنولوجيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق