٨ صفر ١٤٢٩ هـ

عندما تفقد الدولة ذاكرتها : الأرشيف العراقي نموذجـًا

عندما تفقد الدولة ذاكرتها : الأرشيف العراقي نموذجـًا من أوائل الأعمال التي قامت بها إسرائيل فور إنشائها، إنشاء ما سمي بـ''أرشيف الدولة''، وهو عمل توثيقي لكل ما يتعلق بهذه الدولة وما تدعيه من وثائق تتعلق بالأرض والسكان والاتفاقيات المحلية والدولية، وكل دولة في العالم حريصة على إقامة مثل هذه المراكز التي من شأنها توثيق علاقات الدولة بالدول الأخرى، وبيان مجريات تاريخها، وحقوقها، ومواقفها، حتى إن بعض الوزارات والمؤسسات تعمل على توثيق و''أرشفة'' وثائقها وحركتها للاستفادة منها حين الحاجة، ومن هذه المراكز التي تعتبر ذاكرة للأمة المكتبات العامة والخاصة، فكلما ''تعتقت'' هذه المراكز أعطت عمقاً تاريخياً وبعداً حضارياً.
وقد غدا سلاح ''الوثائق'' هذا سلاحاً يتوجب علينا إحسان استعماله، والتعرف على أهميته، ومن هنا فلا عجب إن حاولت إسرائيل الاستيلاء على وثائق المحاكم الشرعية في فلسطين لا سيما وثائق ''محكمة القدس الشرعية'' التي ''تؤرخ'' لفترة تزيد على الخمسة قرون، في حين أنها ''أي إسرائيل'' تحتفظ بكل قصاصة تتحدث عما تسميه ''تاريخها'' أو حتى عما يتعلق ''ببقرتها الحلوب'' المحرقة/الهولوكست.
ومن هنا فلا عجب أن يتعمد البعض إحراق أهم المكتبات التراثية والتاريخية في العراق بعد دخول القوات الأمريكية على رأس قوات التحالف إثر سقوط بغداد 2003 ومن ذلك إحراق مكتبة الأوقاف السنية في بغداد التي كانت تحتوي على كنوز لا تقدر بثمن من مؤلفات غارقة في القدم، وكذلك أن يتعمد الاحتلال التسهيل للرعاع والعملاء باقتحام متحف بغداد التاريخي الذي يضم آثاراً تعود إلى عصر بزوغ الحضارة الإنسانية فيما يعرف بحضارة ما بين النهرين، وأن تسرق هذه المقتنيات التي ليس لها ثمن إطلاقاً وأن تتوزع على قارات العالم، وليغدو العراق - مهد الحضارة- وفي لمحة بصر ، فقيراً من آثاره التي تدل على عراقة نخيله وفراته ودجلاه وأشوريته وبابليته وكلدانيته.
مدير عام دار الكتب والوثائق في بغداد يقول: بأن العراق قد خسر ستين بالمائة من وثائقه المهمة، وقال بأن القوات الأمريكية أخرجت وثائق وسجلات تعود إلى عهود مختلفة تم خزنها في 48 ألف صندوق وحاوية وأنه ما زال أكثر من ثلاثة آلاف كتاب نادر ووثيقة تاريخية ما تزال مفقودة، بينما تمت استعادة ثلاثمائة كتاب فقط خلال الفترة الماضية.
ويعود تاريخ بعض الوثائق الكثيرة والمهمة والمفقودة إلى عهد الدولة العثمانية والاحتلال البريطاني والعهد الملكي والجمهوري ما بين عامي 1950-1979 ولقد أحرق أرشيف العهد الجمهوري كاملاً.
ولقد تم الاستيلاء على الأرشيف اليهودي الذي تم نقله من ا لعراق إلى واشنطن، ولقد أقر الأمريكيون بوجوده عندهم وبضرورة استرجاعه إلى العراق. والاستيلاء على الأرشيف اليهودي بالذات يذكرنا باستيلاء اليهود الفوري على وثائق ''ومخطوطات البحر الميت'' إذ قامت قوات الاحتلال الصهيوني بالاستيلاء على هذه المخطوطات الثمينة التي كانت محفوظة في المتحف الإسلامي في القدس وعملت على إخفائها وحجبها عن الباحثين، لأنها وكما يقال ستشعل النار على اليهود رأساً على عقب في حال نشرها، بالرغم من أن هناك من العلماء من يشكك في قيمتها العلمية أصلاً.
دولة بلا أرشيف دولة بلا ذاكرة وبلا محام. فعلى جميع الدول القائمة في العالم الإسلامي التنبه إلى قيمة الأرشيف / الذاكرة، فتعمل على حفظه وصيانته ومن ثم التعامل معه علمياً من خلال الحفظ والفهرسة والتخزين وإتاحة الفرص للباحثين للاطلاع والاستفادة فالدول المتقدمة تفتح دور الأرشيف للباحثين وفق أنظمة خاصة لا بأس من الاطلاع عليها والاستفادة منها والبناء عليها.
زياد أحمد سلامة، اللواء (العراقية) ، 12/2/2008

ليست هناك تعليقات: